لا رقم يحصي المجازر التي سفك فيها الدم العربي والمسلم، فليست مجزرة قانا الثانية الأكبر فيها، إلا أنها بحق الأكثر ألماً بينها، لأننا جميعاً متهمون بإراقة دماء كل من سقطوا. لا سبيل اليوم لأحد أن يلقي اللائمة كلها على اسرائيل بقتل عشرات الأطفال والنساء العزل داخل الملجأ الذي ظنوا أنهم سيكونون بمأمن فيه من براثن الشيطان.. فكلنا نعلم أن اسرائيل كيان للسفاحين ولا هدف تسعى إليه غير إبادة المسلمين.. لكننا رغم كل الشعارات التي نحملها والقيم التي ندعي الإيمان بها أبحنا الدم اللبناني لها وأعلنت حكوماتنا رسمياً البراءة من شعب لبنان، وفي بعض بلداننا أفتينا «وجوب» سفك دماء المقاومة اللبنانية..! اليوم نتظاهر بالوداعة، ونتباكى على ضحايا قانا، وبكل جرأة ندعو الولاياتالمتحدة لاتخاذ قرار بوقف العدوان على شعب لبنان كما لو أننا لم نسمع كوندليزا رايس وهي تطلب من اسرائيل مواصلة العدوان.. وكما لو أننا لا نعلم أن المجزرة نفذت بالدفعة الأولى من القنابل الذكية التي أرسلتها الولاياتالمتحدة لدعم الكيان الصهيوني عبر العاصمة البريطانية لندن.. وكما لو أننا لا نعرف أنه لولا البيت الأبيض لما كانت اسرائىل باقية حتى اليوم، ولما تجبرت واستهترت بالقدر الذي هي عليه اليوم! الولاياتالمتحدة هي التي استخدمت حق الفيتو لمنع مجلس الأمن إصدار قرار يطالب اسرائيل بوقف عدوانها على غزة.. والولاياتالمتحدة هي التي منحت العدوان على لبنان شرعية دولية، ودعماً بغير حدود.. إلا أننا نتجاهل كل هذه الحقائق بدراية وتعمد.. وتارة نقرع الطبول للديمقراطية التي قدمت بها علينا امريكا.. وتتهافت الأحزاب على سفاراتها في مختلف العواصم العربية، وتصطف المنظمات والجمعيات بالطوابير لتقبيل أيدي الساسة الامريكيين عسى أن يعطفوا عليها بحفنة دولارات تسخر لغرس الفتن، وإثارة النعرات، ومسخ القيم الأخلاقية والهوية الثقافية للمجتمع..! الكل متهم بمجزرة قانا، لأن الجميع ربضوا أمام الشاشات يتفرجون على المذابح والتدمير المنهجي الوحشي للبنان وفلسطين ويتركون الألم يعتصر قلوبهم ليل نهار دونما أن يجرؤ أحد حتى على تأجيج رأي عام مناصر للمقاومة بالقوة نفسها التي تواجه بها هذه المقاومة إرهاب الدولة الصهيونية، والإرهاب الامريكي. من كان يدعي أنه قومي فهذه معركة العرب، والضحايا عرب، والبلد المحترق بلد عربي، فما الذي يخرسه ويغل يديه..؟! ومن كان يصنف نفسه ضمن الحركات والتيارات الإسلامية فلبنان بلد إسلامي، والمعركة مع اليهود الصهاينة، وهذه قنابلهم تدك بيوت المسلمين وتقتل ذريتهم وأهليهم فكيف هان عليهم الدم المسلم!؟ وكيف بخلتم على إخوانكم بموقف يشد أزرهم ويقوي عزائمهم لدحر العدوان!؟ أم هي أقنعة لتضليل الناس، ومصالح خارجية تخافون عليها.. فوالله ما أفلح الكثير من هؤلاء بغير الصراخ على المنابر وفتاوى التضليل والتكفير! هذاالصمت، وهذا التخاذل، والنفاق منح الكيان الصهيوني رخصة مفتوحة للاستبداد بعدوانه، وارتكاب مجزرة قانا الثانية وربما الثالثة والرابعة، فالضوء العربي الأخضر مفتوح، ولا رجال إلا مقاومة تسعى للشهادة كسعي غيرها للذل والهوان.
............................................................. نقلا عن صحيفة الجمهورية