بعد فشلهم وايران من العبث بأمن الحج ...مليشيا الحوثي تدعي بطلان الحج    طارق صالح في الحديدة يتوعد الإمامة ويبشر بدخول صنعاء (فيديو)    كاتب سعودي: تجار أميركا يرفعون أسعار الأضاحي    شاهد.. الأسطول الخامس الأمريكي ينشر مشاهد لإنقاذ طاقم سفينة غرقت بهجوم حوثي بالبحر الأحمر    أعجوبة مذهلة .. مغترب يمني يعود للحياة بعد اعلان وفاته رسميا    العيد يوم مختلف ؟؟    حدث ما كان يخشاه عبدالملك الحوثي من فتح طريق الحوبان في تعز.. هل تعيد المليشيات إطباق الحصار؟    الرئيس الزُبيدي يستقبل جموع المهنئين بعيد الأضحى المبارك    طقوس الحج وشعائره عند اليمنيين القدماء (الحلقة الثالثة)    هل يوجد قانون في السعودية يمنع الحجاج من الدعاء لأهل غزة؟ أمير سعودي يحسم الجدل    آخر موعد لذبح أضحية العيد وما يجب على المضحي فعله    رئيس تنفيذي الإصلاح بالمهرة يدعو للمزيد من التلاحم ومعالجة تردي الخدمات    الرواية الحوثية بشأن احتراق باص في نقيل سمارة.. مقتل وإصابة 15 شخصًا ومصادر تكشف سبب الحادث    فرحة العيد مسروقة من الجنوبيين    الرئيس يؤكد المضي في سياسة "الحزم الاقتصادي" وعدم التفريط بالمركز القانوني والمالي للدولة    حجاج بيت الله الحرام يتوجهون إلى منى لرمي الجمرات    نازح يمني ومعه امرأتان يسرقون سيارة مواطن.. ودفاع شبوة لهم بالمرصاد    كل فكر ديني عندما يتحول إلى (قانون) يفشل    الإصلاح: قدَرُنا كحزب وطني حَمَل على عاتقه حلم اليمن الجمهوري الكبير    شهداء وجرحى في غزة والاحتلال يتكبد خسارة فادحة برفح ويقتحم ساحات الأقصى    هيئة بحرية: تقارير عن انفجارين قرب سفينة قبالة ميناء المخا    جواس والغناء ...وسقوطهما من "اعراب" التعشيب!    تبدأ من الآن.. سنن عيد الأضحى المبارك كما وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم    "هلت بشائر" صدق الكلمة وروعة اللحن.. معلومة عن الشاعر والمؤدي    يوم عرفة:    وصلت لأسعار خيالية..ارتفاع غير مسبوق في أسعار الأضاحي يثير قلق المواطنين في تعز    يورو2024 : ايطاليا تتخطى البانيا بصعوبة    لامين يامال: جاهز لأي دور يطلبه منّي المدرب    عزوف كبير عن شراء الأضاحي في صنعاء بسبب الأزمة الاقتصادية    سجن واعتقال ومحاكمة الصحفي يعد انتكاسة كبيرة لحرية الصحافة والتعبير    ياسين و الاشتراكي الحبل السري للاحتلال اليمني للجنوب    استعدادا لحرب مع تايوان.. الصين تراقب حرب أوكرانيا    جريمة مروعة تهز صنعاء.. مسلحون حوثيون ينكلون بقيادي بارز منهم ويقتلونه أمام زوجته!    صحافي يناشد بإطلاق سراح شاب عدني بعد سجن ظالم لتسع سنوات    تعز تستعيد شريانها الحيوي: طريق الحوبان بلا زحمة بعد افتتاحه رسمياً بعد إغلاقه لأكثر من عقد!    ثلاثية سويسرية تُطيح بالمجر في يورو 2024.    - ناقد يمني ينتقد ما يكتبه اليوتوبي جوحطاب عن اليمن ويسرد العيوب منها الهوس    بينهم نساء وأطفال.. وفاة وإصابة 13 مسافرا إثر حريق "باص" في سمارة إب    كبش العيد والغلاء وجحيم الانقلاب ينغصون حياة اليمنيين في عيد الأضحى    - 9مسالخ لذبح الاضاحي خوفا من الغش فلماذا لايجبر الجزارين للذبح فيها بعد 14عاماتوقف    أكثر من مليوني حاج على صعيد عرفات لأداء الركن الأعظم    أربعة أسباب رئيسية لإنهيار الريال اليمني    لماذا سكتت الشرعية في عدن عن بقاء كل المؤسسات الإيرادية في صنعاء لمصلحة الحوثي    ألمانيا تُعلن عن نواياها مبكراً بفوز ساحق على اسكتلندا 5-1    يورو 2024: المانيا تضرب أسكتلندا بخماسية    صورة نادرة: أديب عربي كبير في خنادق اليمن!    المنتخب الوطني للناشئين في مجموعة سهلة بنهائيات كأس آسيا 2025م    فتاوى الحج .. ما حكم استخدام العطر ومزيل العرق للمحرم خلال الحج؟    أروع وأعظم قصيدة.. "يا راحلين إلى منى بقيادي.. هيجتموا يوم الرحيل فؤادي    مستحقات أعضاء لجنة التشاور والمصالحة تصل إلى 200 مليون ريال شهريا    نقابة الصحفيين الجنوبيين تدين إعتقال جريح الحرب المصور الصحفي صالح العبيدي    منتخب الناشئين في المجموعة التاسعة بجانب فيتنام وقرغيزستان وميانمار    الكوليرا تجتاح محافظة حجة وخمس محافظات أخرى والمليشيا الحوثية تلتزم الصمت    20 محافظة يمنية في مرمى الخطر و أطباء بلا حدود تطلق تحذيراتها    بكر غبش... !!!    مليشيات الحوثي تسيطر على أكبر شركتي تصنيع أدوية في اليمن    منظمة حقوقية: سيطرة المليشيا على شركات دوائية ابتزاز ونهب منظم وينذر بتداعيات كارثية    وفاة واصابة 4 من عمال الترميم في قبة المهدي بصنعاء (الأسماء)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل العلمانية هي الحلّ؟!
نشر في نشوان نيوز يوم 23 - 09 - 2010

بعد ذات حوار صحفي أجرته صحيفة الناس مؤخرا مع كاتب هذه السطور، تناول جملة من قضايا الفكر والتربية وإشكالات العمل الإسلامي بعث إليّ بعض الأصدقاء بتعليقات شخصية على مجمل ما دار في الحوار..

غير أن واحدا من تلك التعليقات كان - حسب تقديري- الأجدر بالتأمل الطويل، ومن ثم توقفت عنده مليّاً، لأنّه يحمل – في جوهره - وجهة نظر فئة من النخبة، لطالما قرأت أو سمعت من يقدّمها بوصفها المخرج من الأزمة الفكرية والسياسية الراهنة، ليس في المجتمع اليمني فحسب بل في المجتمعات العربية والإسلامية عامة، وتلكم هي فكرة "العلمانية"، كنظام سياسي يعمل على الفصل بين الدين والدولة، ويسعى لإخراجنا من صراع الطوائف والمذاهب والأحزاب "الدينية"! لاسيما مع المستجدات الأخيرة للفتنة التي توصف بالطائفية في العراق، أو اندلاع فتنة صعدة عبر مراحلها المتعاقبة منذ منتصف العام 2004م، وتداعياتها التي لا يعلم إلا الله نهاية لها، ناهيك عن المشكل اللبناني.
ولأن الموضوع يمثّل همّاً قديماً نسبياً لدى كاتب هذه السطور، من حيث الرغبة في مناقشة هذه الأطروحة؛ فلم أجد قلمي يتوقّف إلا بعد كتابة صفحات ناهزت العشرين، ثمّ تطوّرت الفكرة أكثر فأخذت المنحى المنهجي في جانب التوثيق، وأضحت على النحو الحالي، حواراً بين صديقين، ونظراً لما تتضمنه من معان وأفكار، رأيت أن يشاركني القراء ولا سيما من يعنيهم الأمر مداولتها، وأن يثروها بتعقيباتهم ورؤاهم.
وقبل أن أعرض مناقشتي لما ورد في رسالة الصديق الذي آثر عدم ذكر اسمه كاملاً لغرض النشر؛ أرى أن من الأهمية والأمانة معاً إيراد رسالته كما وردت إلا من بعض الجوانب الفنية التي منحني الصديق حق التصرّف فيها، إذ هو بعثها في الأصل إليّ بوصفي صديقاً أنظر فيها لإثرائها على المستوى الثنائي، لا لنشرها على الملأ، لكنني استحسنت فكرة النشر العام للفكرتين، واستأذنته في ذلك، فأذن بعد تفكير، وأبدى استحسانه – من ثمّ - كذلك، شريطة إجراء بعض تلك التصرفات الفنية في رسالته..
* نص رسالة الصديق ناصر:
سلام عليكم يا دكتور وشكرا على إرسال المقابلة واسمح لي بأن أشير إلى بعض النقاط من وحي المقابلة ومن غيرها فيما يلي:
1- أحيي فيك نشاطك الفكري بغض النظر عن درجة اتفاقي أو اختلافي معه، فمن المفيد أن يترجم المرء ما يفكر فيه إلى عمل مادي كما تعمل في كتاباتك.
2- هناك الكثير من الأفكار الرائعة التي تحملها كتاباتك، وأشعر أنها لم تنل ما تستحقه من اهتمام وأرجع سببه إلى السياسية التي ترفع الأعمال السطحية حين تكون في مصلحة من يملك السلطة والثروة وتخفي أو تتجاهل الأعمال العميقة حين تمس بسلطتها، ومع ذلك فإني مؤمن بأن العمل الجاد والأصيل سيبقى كذلك مهما تم تجاهله للأسباب التي ذكرتها.
3- رغم أني قد أكون في موقع مغاير لموقعك الفكري إلا أني تلمست من خلال المقابلات الشخصية – على قلتها – أو من خلال ما أقرأه لك بأنك تمتلك ذهنية العلماء، لا اقصد علماء الدين بالضرورة، والذي يتضح من خلال صدق ما تكتب وإيمانك به وغوصك في الظواهر التي تناقشها. وهذه الصفات تجعلني أناقشك بكل حرية إيماناً مني بحقيقة أن من يمتلك هذه الذهنية يعتبر الحوار معه أمراً حيوياً لتطوير الأفكار، إضافة إلى ذلك فإن الصدق وعدم التعصب والابتعاد قدر الإمكان عن الأفكار المسبقة هي الذخيرة الأساسية للأفكار الجديدة والأصيلة والذي أعتقد وبصدق أنك مؤهل لها.
4- في مقابلتك أشرت إلى قضية "تجنح" الحركة الإسلامية في اليمن وتجزئها في المناطق الأخرى – كما فهمت- وقد فهمت بأنك غير مؤيد لهذه الظاهرة. وفي هذا الشأن دعني أشير إلى أن فكرة الوحدة المطلقة لحزب أو حركة أو توجه فكري ما، ما هي إلا وهم صرف، فالناس لا يمكن لهم أن يكونوا متوحدين تحت قيادة ما إلا في حالة الأحزاب الشمولية التي تمتلك من وسائل القمع ما يمكنها من خلق هذه الوحدة القسرية، أما الأمر الطبيعي فإنّه التجنح والانشقاقات وتعدد المدارس الفكرية وغيرها هي الحالة السوية والطبيعية، فكما أشرت في المقابلة فلا توجد حركة دينية أو فكرية بعيدة عن السياسة، والسياسة مصالح متنافرة وما دام الأمر كذلك فإن الطبيعي أن يكون هناك تعدد وليس العكس. وأعتقد من وجهة نظر سياسية أن التعدد والاختلاف هو أجدى لأي مجتمع من "الأحادية" لأنها مصطنعة ولابد أن يكون مصدرها القسر. فلو أن هناك أحادية فكرية للتيار الإسلامي في اليمن لما تمكنت أن تكتب ما تكتبه ولكان حالك حال الكتاب في العصر السوفيتي الذي كان عليهم أن يرددوا ما تمليه عليهم قيادة الحزب، وقد أشرت إلى مصادرة ما كتبت من قبل قيادة الحزب التي لم يعجبها ما قلت.
5- أتفق معك على أن التشدد أحياناً باسم السنة ليس بمنأى عن مخرجات نظام سياسي استمد شرعية وجوده منها، وما ينطبق على هذا الفكر في القديم والحديث ينطبق على جميع المذاهب والأفكار الإسلامية الأخرى، ففي حال تتبعنا مصدر فكرة ما سنجدها إحدى مخرجات السياسة والسيطرة إلى حد كبير، فلا وجود للفكر خارج السلطة كما يذهب إليه البعض.
6- استطرادا لما سبق فإن الأفكار والمظاهر الدينية في مجتمعاتنا الحالية ما هي إلا مخرجات لواقع سياسي – اقتصادي - اجتماعي من حيث أن غياب الشرعية السياسية المستندة إلى التفويض الشعبي الحر والعقلاني -وهو أحد مخرجات الحداثة - تجعل الدين إحدى وسائل الحصول على الشرعية السياسية، ويستوي في ذلك الحكام ومعارضوهم، فالجميع يوظف الدين للحصول على شرعية للسيطرة على السلطة والثروة والمكانة. وما لم تحل مشكلة السلطة عن طريق التفويض الشعبي فإن الدين سيبقى إحدى وسائل الصراع على السلطة، وأعتقد أن أي بحث لشرعية سياسية عن طريق الدين تحت أي مسمى (دين وسطي أو متطرف) هو بحث في الطريق الخطأ، فالسياسة التي تبنى على الدين مصيرها الحتمي هو الاستبداد بغض النظر عن طبيعة الدين، واسمح لي بتذكيرك بمصير حسن الترابي في السودان ورجال الدين الذين قمعوا ولا زالوا يقمعون في إيران رغم أنهم من تولوا إقامة هذه النظم.
7- أشرت في المقابلة إلى وجود مظاهر دخيلة على الزيدية من مثل الاحتفال بالغدير أو بالمولد وغيرها. وفي هذا الشأن أحب أن أشير إلى أنه ليس هناك ما يمكن تسميته بمظاهر دخيلة أو ثابتة، استنادا إلى حقيقة يؤكدها التاريخ الاجتماعي للبشر الذي يقول لنا بأننا متحركون ومتغيرون، وهذا ما يميزنا عن الحيوانات، وكلما كنا في مجتمعات منفتحة كلما كان تغيرنا أسرع والعكس صحيح، وما ينطبق على الحوثيين وما اعتبرته مظاهر دخيلة ينطبق على الآخرين، فهل تستطيع أن تجزم بأن المظاهر لما يمكن تسميتهم بالسنة في اليمن اليوم تشبه ما كانوا عليه قبل أربعين عاما، قبل أن يأتي المد السلفي، وما ينطبق على السنة ينطبق على الزيود أو غيرهم، فالحركة والتغيير هي القاعدة بينما الجمود هو الاستثناء.
8- لم أفهم قصدك حين قلت بأن الحوثيين ربما أدركوا خطأ المطالبة بإنشاء جامعة خاصة بهم، فلم أفهم أين الخطأ، هل في الفكرة أو التوقيت، حيث إن العدالة تقتضي أن يسمح للحوثيين بما يسمح لمنافسيهم حين أنشأوا جامعة ومعاهد بأموال أتى معظمها من خارج الحدود، أو أن العدالة تقتضي أن نمنع الجميع، وهنا نعود إلى مسألة العلمانية، التي أتت كحل عملي وضروري لمسألة التعدد الديني والمذهبي والفكري، فبدونها فإننا سنجد أنفسنا في تناقض واضح مع ما نؤمن به.
ودعني أسترسل في هذا الموضوع - الذي أعتقد أنني قد أشرت له في رسالة سابقة - فكما ترى فإن المناهج الدراسية في اليمن والخطاب الرسمي قد تم احتكاره لصالح فريق ديني/سياسي (سني/إخواني/سلفي) خلال الأربعين عاما الماضية وتم ذلك بدعم سعودي واضح ومباشر، وفي هذا الصدد تم بناء أكثر من 95% من المساجد الجديدة في اليمن بأموال سنية/سلفية، وتم "سلفنة" المساجد في جميع أنحاء اليمن بما فيها مواطن الزيدية والإسماعيلية والصوفية، وأصبحنا نتعامل مع هذا الأمر وكأنه أمر عادي جدا، فبإمكان (س) من الناس أن ينشئ جامعاً ومركز تحفيظ قرآن لفاعل خير من السعودية أو الخليج وبدعم ومباركة رسمية، في نفس الوقت لو سمعنا بأن هناك مسجداً زيدياً اثني عشرياً يتم بناؤه بأموال من شيعة إيران أو العراق فإننا نرى في الأمر مؤامرة وشراً مستطيراً. ولو تمعنا قليلا في الأمر لوجدنا أن هناك تناقضاً في الطرح وغياباً للعدالة، فبأي حق نحرم طائفة دينية زيدية أو اثنى عشرية من أن تبني مساجد ومعاهد وفي نفس الوقت نسمح ونبارك لطائفة أخرى بأن تعمل ذلك.
إن هذه المشاكل تجعلنا نقترب أكثر وأكثر باتجاه العلمانية التي تقتضي أن لا تتدخل الدولة في القضايا الدينية بالمعنى الذي يجعلها محايدة، وهذا الحياد يقتضي إما أن تسمح الدولة للجميع بالتمتع بنفس الحقوق كأن تسمح الدولة للزيود بأن ينشئوا جامعة ومدارس ومعاهد بأموال الشيعة كما تسمح للسنة، وفي هذه الحالة فإن النتيجة المنطقية لهذا الوضع هو الاحتراب والتناحر وفقا لأجندات داخلية وخارجية، أو أن الدولة تمنع الجميع من بناء هذه المنشآت، وطبيعي أن هذا الحل سيبدو غريبا وفقا للواقع الموضوعي لليمن في الوقت الحالي، ومع ذلك فإن نقاشي معك ليس إلا لفتح آفاق للتأمل، وهو أمر مهم لتلمس الواقع.
اعذرني على الإطالة، وعلى الأخطاء اللغوية خاصة وأنني لم أحب أن أعيد قراءة النص وأبقيته كما هو، لخوفي من أن المراجعة قد تجعلني أتخلى عن فكرة إرساله كما عملت مع موضوع سابق حيث إنني هممت بإرسال رسالة لك وفكرت بأن أراجعها وحتى الآن لا أعرف أين وضعتها. وفي الأخير أكرر شكري لاهتمامك وأجد نفسي أكرر إعجابي بما تقوم به وأملي في أن تستمر في الكتابة والبحث وشكرا.. ناصر
* مناقشة لما ورد في الرسالة:
أخي الأعز الأستاذ ناصر عافاك الله.. وعليك سلام الله..
أحييك على تواصلك الأخوي الصادق، وليس من قبيل المجاملة أو رد الثناء بمثله أن أجزم بأنك واحد من المثقفين القلائل الخلّص الذين يتفاعلون مع حراك الثقافة والفكر على نحو من الجدية والصدق والوضوح والثقة. وكم حزنت حين أخبرتني بأنك قد فقدت ملحوظات سابقة ظنا منك بأنني قد لا أتقبل ما فيها إلا بعد مراجعة وتنقيح، كي لا أنزعج من بعض ما ورد فيها. ومع أن هذا لطف كريم منك إلا أنه أشعرني بفقدان درر من النصائح الصادقة، كما أشعرتني بأنك في هذه تعاملت معي برسمية وكلفة، وإن كانت في حقيقة الأمر جزءا من ذوقك الرفيع، لكن آمل مستقبلا أن ترفع أي كلفة، لتتم الاستفادة المرجوّة بشفافية تامة.
أخي ناصر اسمح لي بأن أتفاعل مع رسالتك على نحو لم أتفاعل به مع رسائل أعزاء آخرين، بعضهم من كبار أساتذتي، وبعضهم من المفكّرين المرموقين، وكلهم خارج اليمن، وذلك لما احتوته رسالتك من القضايا والأفكار الجريئة الحريّة بالبحث والنقاش، وسأبدأ بالشأن اليمني وخصوصياته لأنتقل بعد ذلك إلى المشكلة الأساس وهي مناقشة فكرة العلمانية، وعما إذا كانت حلّاً فعلياً لمجتمعاتنا الإسلامية. وألخِّص ذلك في العناوين التالية:
* حركة الفكر بين الرسمية والفردية
بادي الرأي فإنّ ما أعنيه بالمظاهر الدخيلة على الزيدية التي أشرت إليها في رسالتك لا يفهم منه تبرير للمظاهر الدخيلة على غيرهم، لكن كان الحديث في هذا السياق ليس أكثر. ومع تأكيدي على أن حركة الفكر وتداخل الثقافة - ولاسيما في بعض تفريعاتها - يصعب الوقوف أمامها، أو منعها، لكن ما قصدته هو أن ليس من المعقول منح الشرعية "الرسمية" لمثل تلك الممارسات لأنها تؤول إلى فتنة محققة. ولست في معرض سرد الدلائل على أن لكل مجتمع حدوداً ثقافية وفكرية وسياسية لا يمكن تجاوزها في الشرق أو الغرب، وأنت في هذا – تحديدا - سيّد العارفين. وإذ أقول ذلك فإني لا أعني إلا الجانب الرسمي أما الحراك الفردي فهو قائم - كما قلت - شئنا أم أبينا. ويبقى أن استيراد أفكار متطرفة من وراء الحدود أو البحار لآخرين في الماضي لا يعني مبرراً للذهاب في هذا المسار حتى النهاية المشؤومة!
* علمنة السياسة التعليمية
وفي هذا السياق ومع تداخل الأيديولوجي بالسياسي بالتعليمي يرد الحديث عن جامعة زيدية أو شيعية كما فعل الآخرون. وأود الإشارة إلى تساؤلك حول مقصدي هنا، فإنما قلت ما قلت في سياق ضعف أملي في صمود الاتفاق بين السلطة والحوثيين بعد إعلان إيقاف العمليات العسكرية فيما اصطلح على تسميتها بالحرب السادسة، لأن مطلب الجامعة الزيدية والمدارس الشرعية مطلب أساس عندهم - وقد أثبتت الأيام الماضية صواب هذه الوجهة - فتساءلت هل تخلّى الحوثيون عن المطلب الثقافي أو التربوي، بحيث لم يأتوا على ذكره في بنود الاتفاق؟
ولم أعرض لرأيي في الموافقة على مطلبهم من عدمه، ذلك أنني تناولته في غير ما مناسبة، لكن لابد من التذكير هنا بان المقارنة بين المطالب المنهجية الخاصة بالزيدية المتأثرة ببعض ما يدور وراء البحار؛ يختلف جزئيا عن تلك "المنجزات" التي حققها الطرف الآخر وهم "دعاة السنة" من مختلف الأطر والمدارس، لأن الجامع بين مطالبهم تلك والواقع اليمني وجود المذهب "السني" الشافعي على نطاق واسع. وأدرك أن ليس كل ما تحقق أو يسعى البعض إلى تحقيقه عبر مؤسسات التعليم أو مؤسسة المسجد يمثل بالضرورة ذلك المذهب، ولكنه لا يختلف من حيث الأصول والقواعد - بصورة عامة - مع المذهب السني الشافعي.
على أنني أشاركك الرأي بأن ثمة أجندة خاصة أحياناً لاتجاهات أخرى غير الحوثية (ولعلك تابعت دراستي لموضوع: السلفيون في اليمن وجدلية العلاقة بين المركز والأطراف)، لكنني من جانب آخر لست أرى الأمر مرتبطاً بالضرورة بمؤامرة خارجية، لا عند السنة التي يصفها البعض بالوهابية، ولا عند الشيعة التي يصفها البعض بالرافضة، بل هناك رؤى وقناعات لا علاقة لها بالوقوف ضدّ المذهب الشيعي الزيدي على نحو مؤامرة أو محاولة إقصاء أو تهميش له، كما أن هناك رؤى وقناعات للطرف الآخر، لا علاقة لها بالضرورة كذلك بالمذهب السنّي الشافعي ومحاولة إقصائه أو تهميشه.
ومن وجهة نظري الخاصة فليس ثمة ضرورة ملحّة في كل حال، لذلك الاتباع، أو وجوب التقيّد بما في المذهبين، لكن ما أود التأكيد عليه في هذه العجالة - وبحسب السؤال المحوري الوارد في الحوار المشار إليه مع أخيك عن الظاهرة الحوثية - أن ثمّة شواهد في الآونة الأخيرة بوجه خاص تشير إلى محاولة لإيجاد مجموعة مذهبية جديدة في اليمن، تتبنى الفكر الشيعي الإثني عشري الجعفري، على نحو رسمي مشروع، وليس على نحو فردي حرّ، وذلك ما حذّر منه حسين الحوثي قبل غيره، الذي يبدو أنه تنبّه إلى أن تلك الفئة تتدّثر بعباءة دعوته، كما أوضحت ذلك في كتابي عن (الظاهرة الحوثية)، وذلك أمر جدّ مختلف عن الفكر الزيدي، بكل فرقه بما فيها ما تعرف بالجارودية، بل يتصادم مع تلك الظواهر الدخيلة القادمة من مذهب لا وجود يذكر له في اليمن، وتلك هي الفتنة التي عنيتها، تلك التي نحن في غنى عنها من الأساس، ولا أريد أن أكرّر التفصيل حول السماح الفردي الحرّ والسماح الرسمي العام المشروع.
إن تحفّظي إنما يكمن في التداعيات أو المآلات أو الفتن المتوّقعة التي قد يقود إليها تحويل المجتمع اليمني إلى بؤرة صراع "متخلّف" لأفكار وافدة من هذا القطر أو ذاك أو ذاك باسم الدين..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.