خطوة في طريق التعافي الاقتصادي    اقتصاد الظل في الطيران المدني: المال الطائر... بلا رقيب التشخيص العالمي والحلول العربية    ضمت 85 مشاركة.. دائرة المرأة في الإصلاح تختتم دورة "التفكير الاستراتيجي"    رايتس رادار تدين حملات الاختطافات الحوثية في إب وتطالب بالإفراج عن المختطفين    خبير في الطقس يتوقع موجة أمطار جديدة تشمل اغلب المحافظات اليمنية    خبير نفطي يكشف معلومات جديدة عن ظهور الغاز في بني حشيش ويحذر    أما الدولة وسلطتها.. أو هائل سعيد وبلاطجته هم الدولة    مافيا "هائل سعيد".. ليسوا تجار بل هم لوبي سياسي قذر    قتلة وجلادي أمن مأرب يزهقون حياة طفل يتيم عمره 13 عاما    غزة: 20 شهيداً إثر انقلاب شاحنة محملة بالغذاء تعرضت لقصف صهيوني    مصرع 4 ركاب في تحطم طائرة نقل طبية بولاية أريزونا    زيدان يقترب من العودة للتدريب    اجتماع طارئ وقرارات مهمة لاتحاد السلة    المواجهة مع هائل سعيد.. آخر معارك الوحدة اليمنية اللعينة    ذا كرديل تكشف عن الحرب الإلكترونية الأميركية الإسرائيلية على اليمن    تخرج 374 مستفيدًا ومستفيدة من مشروع التمكين الاقتصادي بمحافظتي تعز ولحج    رئيس هيئة مستشفى ذمار يعلن تجهيز 11 غرفة عمليات وعناية مركزة    الأبجدية الحضرمية.. ديمومة الهوية    لاعب برشلونة يوافق على تجديد عقده    اعتراف صهيوني: اليمن بدّد هيبة أمريكا في البحر    طيران اليمنية لا تعترف بالريال اليمني كعملة رسمية    هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُنتج نكاتا مضحكة؟    رسميّا.. حرمان الهلال من سوبر 2026    كأس آسيا.. الأردن تكسب الهند والعراق يخسر أمام نيوزيلندا    لا قضاء ولا قدر في اليمن    سفير إسرائيلي سابق يطالب ماكرون بفرض عقوبات فورية على إسرائيل وعزلها جغرافيًا    من ضمّني لن أتركه وحده.. وكلمة السامعي بلاغ رسمي قبل السقوط!    عدن.. البنك المركزي يعلن سحب تراخيص منشأتين جديدتين للصرافة ويغلق فروعهما    حجة.. وفاة امرأة وإصابة طفلة بصاعقة رعدية    أسبانيا تُفكك شبكة تهريب مهاجرين يمنيين إلى بريطانيا وكندا باستخدام جوازات مزوّرة    اجتماع أمني بالعاصمة عدن يبحث تنظيم العمل وضبط السوق السوداء    ستبقى "سلطان" الحقيقة وفارسها..    أياكس الهولندي يتعاقد مع المغربي عبدالله وزان حتى 2028    فريق شباب الحزم يتوج ببطولة العدين الكروية بنسختها الرابعة    مقتل مرتكب المجزرة الاسرية بإب    انتشال جثث 86 مهاجرًا وإنقاذ 42 في حادثة غرق قبالة سواحل أبين    لا تليق بها الفاصلة    النفط يتراجع وسط تصاعد المخاوف من فائض المعروض    اتهامات لمليشيا الحوثي بخطف نجل نائب رئيس مجلس النواب السابق في صنعاء    تعز.. اختتام دورة الرخصة الآسيوية (C) لمدربي كرة القدم    حملة رقابية لضبط أسعار الأدوية في المنصورة بالعاصمة عدن    وزارة الزراعة تناقش استعدادات الاحتفال بالمولد النبوي الشريف    فعالية احتفالية بذكرى المولد النبوي بذمار    إصابات إثر تصادم باصين للنقل الجماعي بمحافظة حضرموت    عدن.. البنك المركزي يحدّد سقف الحوالات الخارجية للأغراض الشخصية المُرسَلة عبر شركات الصرافة    أيادي العسكر القذرة تطال سينما بلقيس بالهدم ليلا (صور)    النائحات المستأجرات    ( ليلة أم مجدي وصاروخ فلسطين 2 مرعب اليهود )    الحديدة: فريق طبي يقوم بعمل معجزة لاعادة جمجمة تهشمت للحياة .. صور    رئيس الوزراء: الأدوية ليست رفاهية.. ووجهنا بتخفيض الأسعار وتعزيز الرقابة    تضهر على كتفك اعراض صامته..... اخطر انواع السرطان    تعز تتهيأ مبكرا للتحضير للمولد النبوي الشريف    رجل الدكان 10.. فضلًا؛ أعد لي طفولتي!!    توظيف الخطاب الديني.. وفقه الواقع..!!    الراحل عبده درويش.. قلم الثقافة يترجل    مرض الفشل الكلوي (15)    من أين لك هذا المال؟!    تساؤلات............ هل مانعيشه من علامات الساعه؟ وماذا اعددناء لها؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محبّةً فيْك يا فخامةَ الرّئيس..
نشر في نشوان نيوز يوم 11 - 04 - 2011

فخامة رئيس الجمهورية.. هل لي أن أكتبَ إليك، وأنا دون الثلاثين من العمر؟ أي أني فتحت عيني على هذه الدنيا لأراك رئيساً للجمهوريةِ تتوسط صورُك وأنت ببزّتك العسكرية حيطان البيوت وواجهات السيارات، تعبيراً عن محبةِ الناس لك بتوليك قيادة الوطن في وقت كانت العاصفةُ تهبّ على كلّ أرجاءِ الوطن وتكادُ تعصفُ بالجميع كما قرأت ذلك وعلمت بعد أن كبرت.

لا أُخفي أني تردّدت في الكتابة إليك لفوارقَ كثيرةٍ وكبيرةٍ لا تخفى! لكني أحد أبنائك الشباب المتطلّع إلى مستقبل منشود، وقد وجدت بنفسي الرّغبةَ في مخاطبتك والكتابة إليك في ظل هذا الوضع القائم، مع الشعور بمسؤوليتي أمام وطني الذي هو أبقى من كلِّ الأسماءِ وأكبرُ من الجميعِ كما علّمتنا.
كم كنتُ معك، أدافع عنك وعن سياساتك وبكلِّ قناعةٍ وإيمانٍ في مختلف الأوقات والأحوال، لا أقولُ هذا منّاً مني ولا تزلّفاً، فلا أنا بطالبِ المصلحةِ في يومٍ ما، ولا أنت بصاحبِ الحاجةِ إليّ وما أقول! كم كان البعضُ لا يتورّعون عن محاولاتهم تزييفَ الحقائقِ، وتشويهَ الصورةِ، وكيلَ الاتهامات، وما يزالون حتى اللحظة، وربما أطلُّوا بالجديد الزائف في غضون ما تمر به البلاد، وحلا لهم التجريحُ في القولِ دون خجلٍ من تاريخٍ، أو حياءٍ من ضميرٍ، أو التزامٍ بالموضوعية في القول والطرح، أو ترفّعٍ عن الإسفاف والابتذال! ولم يدركوا أن هذا لا يحقُّ حقّاً أو يبطلُ باطلاً، وأن الثورةَ اليومَ في غنىً كبيرٍ عن هذا كلّه!!
كنتُ وما زلتُ ضد هذه المحاولاتِ المدفوعةِ بحقدٍ أعْمى، مستعينةٍ بخطابٍ تشنّجيٍّ حيناً، ومؤدلجٍ حيناً آخر، يطالُك وتاريخَ حكمك! مثلما أنا ضدّ فسادٍ طغى، ونخر البلادَ في تاريخ حكمك، دون أن أرى منك توجّهاً حقيقياً وملموساً في حربه، طمعاً في اجتثاثه! فلعمْري ما قامت الثورةُ اليوم إلا نكايةً به والتخلصَ منه، كعدوٍّ لدودٍ، ومرض مسْتشرٍ وخبيثٍ، يكاد يلقي بالجسدِ اليمنيِّ منهوكاً على قارعةِ العصر!
فخامة الرئيس..
كم تمنيتُ ورجوتُ أن تخرجَ إلى شعبك وقد أطحتَ برؤوسِ الفساد، وهيأتَ المكان ليزدحمَ بأبنائك الشّباب القادرين بطاقاتهم الخلّاقة، وذهْنياتهم المتّقدة، على بناء الوطن والحفاظ عليه، ومواصلة السير لما يحقق له التقدم والرخاء والاستقرار. وحين خرج الشبابُ يطالبون بحقوقهم، كان رجائي أكبر في أن تخرج إليهم وإلى الشعب بقراراتٍ تاريخيةٍ حاسمة؛ تلبي للشبابِ حقوقهم المشروعة، وتحفظ للبلدِ أمنَه واستقرارَه!
كنت أعتقد أنك -وقد عصرَتْك الحياة بتجاربها حرْباً وسلْماً- لن تتوانَ في احتواء الموقف، باتخاذ قراراتٍ مسؤولةٍ نابعةٍ من حكمٍ قُلِّدْتَه، وحكمةٍ أُوتيتها! لكن ذلك بدا وكأنه مجرّدُ حلمٍ بالنسبة لي! فبقيت الطُّغْمة تمارس دورها العبثيَّ من حولك، يودّون لو غار هؤلاءِ الشّبابِ لكي يبقون هم! فيم كان الشباب في المقابل يعدّون أرواحهم لبقاءٍ آخر! وبقيت أنت حديث الوطن بين مؤمِّلٍ وساخط! لقد فات كلُّ شيءٍ يا فخامة الرئيس في وقت كان الوطن في أشدِّ الحاجة إليك –أكثر من أي وقت مضى- بعيداً عن المستشارين (المخلصين) والسياسةِ المقيتةِ والمميتة!
فخامة الرئيس..
لا أحدَ يجحدُ ما قدّمتَهُ خلالَ ثلاثةِ عقودٍ من تضحياتٍ ومكاسبَ وإنجازاتٍ للوطن، كان أعظمها وأغلاها وأبقاها، تحقيق الوحدة اليمنية، بعد سنواتٍ طويلةٍ من التّشرذمِ والتّشتتِ والانقسام. لم ولن ننسى تلك اللحظات التي ذرفت فيها دموعك على العلم الوطني قبل أن ترفعه في مدينة عدن، في مشْهدٍ وطنيٍّ مهيبٍ وجليل، ذرف فيه الشعبُ دموعه مع دموعك، فرحاً وابتهاجاً! كان ذلك مع شركائك في صنع الوحدة، وفيم كان غيرُك ينقلبُ على وحدةِ الوطن بعد أربعة أعوام، ويغْرسُ في خاصرتها طعناتِ الغدرِ والخيانة، كنت أنت تحْميها بكلّ شجاعةٍ وحكمة! وكان الشعبُ معك يعمّدها بدماءِ الشهداءِ من بنيه وأبطاله! فعدتَ مكلّلاً بنصر القائد، وعاد شعبك ملتفّاً حولك في أبْهى وأزْهى لحظاتِ تاريخ الوطن! حيث تجسَّدت لوحةُ الحبِّ والوفاء، لتنبئَ بالقادمِ الأجْملِ والأكْمل!
ولقد كانتْ تلك فرصتُك لبناءِ اليمنِ كما يجبُ أن يُبْنى، وإعادةِ ترتيبِ الأمور، والنظرِ في الأسسِ الاندماجيّةِ التي قام عليها مشروع الوحدة؛ إصلاحاً واستكمالاً، في سبيل تجذير الوحدة، وتعميقِ الشعورِ بها نفسيّاً واجتماعيّاً بين أوساط الشعبِ الواحدِ بكلّ مكوّناته، بعيداً عن القبيلةِ التي كانت وما زالت تمثّل دورَ حكومةِ الظلّ للحكوماتِ المتعاقبةِ الرسْميةِ والدّسْتورية! وبعيداً عن السّماح للبعض من تحقيقِ أطماعِهم ومصالحِهم, على حسابِ الشعبِ العزيزِ الكريم!
لكن ذلك لم يحدث! ولا أدري لمَ لم يحدث ! وأنت تعلم أن بقاء الحكامِ فيما يتركونه بعد رحيلهم من آثارٍ وعطاءاتٍ تؤسسُ لحياةٍ كريمةٍ وآمنةٍ ومستقرّةٍ لشعوبِهم! سيبقى ذلك لغزٌ محيّرٌ في مدة حكمك, ربّما تكشف عنه الأيام!
ولا يعني هذا أن اليمن لم تحقق مكاسب وطنية في عهدك على مستوى التنمية والبناء, أو على مستوى الحياة السياسية والديمقراطية, بل تحققت، سيّما بعد عام الوحدة المباركة, حينما كانت التنمية تتصاعد بشكلٍ أوسعَ وأسرع! ومن يقل غير ذلك, فهو أقرب للجحود والنكران وعدم الإنصاف! بل في رأيي أن ما حققته الثورة شيء كثيرٌ وكبيرٌ في ظل حربٍ مجابهةٍ لها، معلنةً حيناً، وخفيّةً حيناً آخرَ, منذ اندلاعِ الطلقة الأولى وحتى الآن, ومن أطرافٍ حاقدةٍ لا نجهلها، تقنّعت بقناع الجمهوريّة، ثم امتصّت دماء الشعب, وسرقت ثروته بعد أن عجزت عن سرقة ثورته!! كان عليك يا فخامة الرئيس أن تضْربَ هؤلاءِ الذين تعرفهم جيّداً، والشعب كذلك يعرفهم وإن لم يبُحْ لك بأسمائهم! لكن ذلك لم يحدث ! ويبقى ذلك لغزٌ آخرَ في مدّة حكمك ! وسرٌّ من أسرار غضْبةِ الشّعب اليوم.
فخامة الرئيس..
لم ننس مواقفَكَ الوطنيةَ والقوميةَ المشهودةَ والمعهودةَ التي لا أحد يتعامى عنها أو ينكرها، سواءٌ فيما يتّصل بفلسطين قضيتِنا المحوريةِ الأولى، أو العراقِ منذ بداية المخططِ لاحتلاله، أو الحرصِ على التوافقِ والاتّفاقِ فيما يحدثُ من خلافاتٍ بين الأخوة، أو العملِ بإخلاصٍ على التضامنِ العربيَِّ المشترك، وتقديمِ رؤىً جديدةٍ وفاعلةٍ، كانت آخرها ربما، الدعوة لتأسيس اتّحادٍ عربيّ, على غرار الاتحاد الأوربي والأفريقي, يحقّق للأمةِ ما عجزت الجامعةُ عن تحقيقهِ عبر تاريخِها السّيئ!
كم كبرتَ في عيني, وأنت تتحدثُ دائماً في القممِ والمؤتمراتِ العربيةِ والدوليةِ بكلّ شجاعةٍ وواقعيةٍ وصراحةٍ عن واقعنا وتحدّياتنا، وما يجب أن يكون! لم ننس ذلك ولا شيئاً منه, حتى خروجَك وسط الاعتصامات والمظاهرات المندِّدة بما تتعرض له الأمّةُ من انتهاكاتٍ مستمرّةٍ لحرمتها وكرامتها! كل ذلك وغيره لا ولن ننساه!
في أكثر من موْقفٍ ومناسبةٍ ولحظة، لم أكنْ لأقدرَ على كبحِ دموعي، بشعورٍ متمازجٍ وغريب، وأنا أراك تطلُّ على الآخرين باسم اليمنِ عالياً حدَّ الكبرياء، وممتدّاً حدّ الآفاق! وشعوري بالفخر لا يتّسع له الفضاء، وأنا أؤمن بأن هذه المواقف هي التي يجب أن تكون لوطنِ سيفِ بنِ ذي يزنَ وأحْفادِه، لتتساوقَ ومكانتِهِ التاريخيةِ والحضاريةِ والثقافيةِ والإستراتيجية. هو الوطنُ سيّدي الرئيس ولا شيء سواه!
لكنّ الكمالَ للهِ وحدَه, والنقصُ سنّةٌ بشريّة! لقد كنت تعودُ بعدها إلى شعبٍ مكدود، أنهكهُ الفسادُ والفقرُ، ومع ذلك لم يكن لينسى في غمرةِ معاناته مواقفَك التاريخيةَ المشرّفة، بل ومنحك محبّته الخالصةَ وثقته المطلقةَ ولا غرابة، فعاشقو الذرى, عاشقو المجدِ كذلك, وإن ذاقوا الأمرّين!!
فخامة الرئيس..
لقد أدّيت, وخدمت, وعملت, وسهرت, وسافرت, وحاربت, وسالمت, وتألمت, وأمّلت, وتحمّلت، لمدة ثلاثٍ وثلاثين سنة! هي كفيلةٌ بتراكمِ الأخطاءِ كتراكمِ الحسنات، أخطأتَ فيها وأصبْت! فلا أحدَ معصومٌ ولا منزّهٌ عن الوقوع في الخطلِ والزللِ سوى الأنبياء، في حياةٍ متناقضةٍ, وعمرٍ متناقصٍ, وواقعٍ أصبح متقلِّباً ومفتوحاً على كلِّ شيء!
بالتأكيد، لستُ أعلمَ منك بمقاصدِ السياسةِ ومسؤولياتِ الحكم، وما مرّت به اليمن من ظروفٍ وأحداثٍ إبّان تشطّرها، وإرهاصاتِ ما قبل الوحدة وما حدث بعدها، وحتّى الآن. صحيحٌ أن اليمن مرت بأزماتٍ وهزّاتٍ وانقلاباتٍ وحروب كانت تترك جروحها العميقة كلّما وقعت، وربما كان في جزءٍ مما جرى هو جزءٌ من واقعٍ تمرّ به المنطقة كلُّها ، لكن ذلك لم يكن ليعفيك من تقديم المزيدِ والعملِ بتفانٍ وإخلاص، والسعي بكل السبل للقضاء على منظومة الفساد الممتدّة! فاليمن أكبرُ من أن تتأخر عن بقيّةِ الأقطارِ أو يفوتها القطار! ووجهُها الجميلُ لا يستحقّ هذا الغبارَ الذي علاه، وراكمَتْهُ عليه سنون الجدب والانتظار! وحينها.. لستَ بالمسْتكثرِ على وطنك، ولا وطنك بناسٍ من قدّم إليه واجباً!
فخامة الرئيس..
أكتب إليك وأنا أشْعرُ بغيرِ قليلٍ من الأسى والمرارة لما آل إليه وضع وطننا العزيز، وجرحي في قلبي لا يكادُ يهدأُ أو ينام! لقد جفَّت الجرَار .. ونضَبَت الكؤوس.. وما عاد للظمآن ماء! علّقتُ أملي ونفسي على الحوار للخروج مما تمرّ به البلاد، لكن الحكمةَ والعقلَ غابا، فغاب الأمل! وتجنّى الشيطانُ وأعوانُه، وُأخْرستْ لغة العقل، فنطقتْ لغةُ الرّصاصِ والقتل، وسالت الدّماءُ التي ما كان لها أن تسيْل!
هؤلاء هم أبناؤك الشباب، خرجوا يطالبونك بإفساحِ المكانِ لهم! دفعتهم أرواحُهُم الطامحةُ والجامحةُ، وحبُّهم للتغيير, ورغبتُهم في بناء وطنٍ جديدٍ، مُشْرقٍ، ومُبشِّرٍ بربيعِهم القادم !
نحن نعلم أن كؤوساً خمسةً سادسُها لا نعلمه بالتحديد، تدارُ لنا باسم الوطن، ظاهرُها فيها الشفاءُ وداخلها السمُّ النقيع! ونعلم كذلك أن ثمّةَ من يتربّص بثورةِ الشّباب، وأن شياطين يجوسون ساحاتِهِم بمسوح الملائكة! لكنّ الشبابَ بمشيئة الله لا ولن يسمحوا لهؤلاء بأن يسْرقوهم ثورتهم من بين أيْديهم! ولن يَدَعوا أحَدَاً يلْتقطُ الجمرةَ من شفاهِهِم!
فمحبّةً فيك يا فخامةَ الرئيس.. أنت تقف الآن من جديد على عَتَبَةٍ أخرى من عَتَبَاتِ التاريخ، قفْ مع أبنائك الشّباب، واحمِْهم واحْمِ ثورتَهم، ثمّ تنحَّ بكلِّ رضا نفسٍ وراحةِ ضميْر! أنت المسؤولُ أمام اللهِ والتاريخِ عن وطنٍ يُخْشى عليه من الضياع! و شعبٍ يسْعى لذبحِ نفسهِ بنفسهِ دون أن يدْري! تنحَّ بكل كبريائك، وعلوِّ هامتك، وشموخِ أَنَفَتك, وحافظْ على تاريخِك المديدِ المجيد، فليس أسوأ من الرّحيل، سوى البقاء تحت جدارٍ مهدّدٍ بالسّقوط!
هي محبّةٌ فيك يعلمُ الله.. حَقْناً للدماءِ اليمنيةِ الغالية، ومنعاً للاقتتالِ والفوضى، والصّراعات والصّدامات بين أبناءِ الوطنِ الواحدِ والدّمِ الواحد! ودرءاً لفتنةٍ مدمِّرةٍ, قد لا تُبْقي ولا تذر! ووقتها لن يكون غيرُك المسؤولَ الأوّلَ عن وقوعها! ولن يجْدي النأيُ بنفسك عن آثارِها المؤلمةِ، والتعلّلُ بالدّستورِ والشّرعيّة! ولسانُ حالك " فتنةٌ فرضتْ علينا"!
إن موقفك لن يكون موقف ذُلٍّ ولا صَغارٍ ولا مهانة، مادام ذلك لأجلِ الوطن، ومادمت ستقطعُ حبلَ أولئك الذين خانتهم ضمائرُهم، وأرادوا الوطن (يختاً) للعبور إلى ضفةِ المال والسّلطة، وفي جنح سواد الأحداث، وعلى طريقة الغاية تبرر الوسيلة!
أدري بأنك تريدها سلميّةً دستورية، إذ كيف ينهدّ بلحظة كلُّ ما بنيت خلال عقود حكمك! لكنك ما تزالُ في فسْحةٍ من القدرةِ لبلوغِ التّمام! لن تتنحّى قبل أن تترك حسنتَكَ الخالدة في خاتمة المطاف! وهي أن تنحّيَ تلك الوجوهَ التي أصابت الشّعبَ باليأسِ والإحباط! نحِّها ونحِّ من تراهُ وبالاً وشرّاً على الوطن، قريباً منك أو بعيداً، سلطةً كان أو معارضة، وآليةُ ذلك بيدك يا فخامة الرئيس!
وتذكّر، أن ما يفعله أبناؤك الشباب اليوم في الساحات، هو أنهم يجسّدون حياةً أرسيتها من حريةِ الرأي والتعدّديّةِ السّياسيّةِ في أقْوى صُورِها، وينفُخُون في جسدِ الديمقراطيّةِ الذي أقمتَهُ روحَ التغيير. وتلك خالصةٌ لك من دون النّاس!
ثمّ عليك أن لا تفسدْ نهايةَ حكمك بوصايةٍ عليك من أحدٍ أياً كان من الداخل أو من الخارج! ولا تسمعْ لغير ضميرك ومن تثق به! اترك السلطةَ للشّعب وحده، فهو الوصيُّ الأولُ والأخيرُ عليها. إن حبّاتِ العقدِ تنفرط، ووميضَ النارِ من تحت الرمادِ يتبدّى كلَّ يومٍ بل كلَّ لحظة! لقد بلغ الألمُ فينا مَدَاه، والطعنُ غائر!
فخامة الرئيس..
أخيراً.. بقي أن أقول لك: إن أحداً ليس بمقْدورِهِ أن ينزعَ صفحةً من التاريخِ ويثْبتَ أُخْرى! واهمون من يظنّون أنّ التّاريخَ محطٌّ للأهواءِ والعواطف! فإذا عزمتَ فتوكّل على الله.. ولا تبتئسْ، فغداً ترى أبناءَكَ يوزِّعون القهوةَ في ساحاتِ الحبِّ والسلام، وأنت تُطلُّ من شرفةِ الوقتِ على الوطنِ الذي (كتبته باليدِ التي أزهرتْ في ربيعِك.. والورقِ اليابسِ الذي بعْثرَهُ خريْفُك).
لتطمئنّ يا فخامةَ الرئيس، فالتاريخُ مثلما أنه لن يرحمَك هو كذلك لن يظْلمَك! الأهمّ والأبْقى للوطنِ ومصلحتِهِ ولك؛ أن تتركَ السّلطةَ بعدَ ثلاثةِ عقود، فما في المعْبدِ الذي حافظتَ عليهِ طويْلاً إلا أهْلُه! اتركها لله ثمّ للتاريخِ والوطن.. فقد آنَ للمُحَاربِ أنْ يَسْتريْح!
[email protected]
- كاتب وشاعر يمني، طالب دراسات عليا في جامعة الملك سعود بالرياض


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.