الاغتيال السياسي مصطلح شائع الاستخدام منذ عصر الخلفاء الراشدين وحتى عصرنا اليوم، والكتابات السياسية والأدبية من منظور الفكر المثقف الحر تؤكد اختلافه عن كلمة (القتل) البشعة لأنه اتخذ قالباً تنظيمياً تحت شعار (حزبي، أو قبلي، أو دولة) من اجل تنفيذ جريمة القتل. وأبدعت الكاتبة غادة السمان في كشف حقائق حول الاغتيال السياسي وأبعاده المختلفة في كتابها (مواطنة متلبسة بالقراءة) فالقتل محرم من حيث المبدأ ،ولكن هناك العديد من الاجتهادات حول تحليله في حالات عديدة منها الحروب، الانتقام، الدفاع عن الحق، وباسم العدالة، الوطن، والدين. ونلاحظ أن عالم الغابة يحكمه قانون القوة والحيوانات البرية تقاتل من اجل البقاء والغريزة الحيوانية تدفعها لذلك، ولكنها عاجزة عن ارتكاب الاغتيال السياسي لأنه يتضمن ليس القتل المباشر فقط وإنما قتل (فكرة) أكثر من قتل إنسان وتتضمن العملية طعناً في جسد نظام قبل أن يكون غرس خنجر في جسد إنسان. والمعنى الحقيقي لهذا المصطلح هو القتل الفكري والمعنوي عبر موت إنسان يحمل قضية ما تنهار بعد موته فالقائد إذا قتل في المعركة يتشتت جنوده..، واقع مرير لا يمكن تجاوزه في عالمنا اليوم. فكيف يمكن لإنسان أن يقتل إنسانا آخر لا يعرفه دون أن تكون قد حدثت تغييرات فكرية لديه تم فيها تفريغ الدماغ من مخزونه الأول بأسلوب مرن وسلس يستخدم فيه جميع الأسلحة المدمرة منها الحب ، الخوف، التشدد ضد الكائن البشري الضعيف من المجتمع لإقناعه برؤية معينة أو فكرة أو اتجاه ديني لقضية ما أو حزب أو فكرة ما وشحن المعلومات المراد توصيلها في الاتجاه المعاكس، ثم تبدأ المرحلة الخطيرة توسيع نطاق المجموعات وإيجاد هيئة أو إدارة لتصبح قاعدة شعبية تسير( بالريموت كنترول) لتحقيق مساع سياسية على مستوى الدول الصغرى، أو الكبرى ويصبح القتل غاية ووسيلة لتنفيذ فكرة القتل. ويلاحظ ان الاغتيال السياسي يقوم بتنفيذه الشباب الصغار المؤمنين بقضية ما ولا يسمحون للعقل أن يوازي معرفته بالدلالة إلى وجهة نظر أو رؤية أخرى وهنا تكمن مأساة القضية. فمن اجل القضية الوطنية يتم الاغتيال السياسي وتقدم الضحية ويتم القتل تحت عدد من المسميات المختلفة ولكن هنا نبدأ في التساؤل عن اختفاء الإنسانية والضمير وقت تنفيذ حريصة الاغتيال السياسي، ولكن إلى حين فتأتي لحظة النضوج الفكري والثقافي والانفتاح لوجهات النظر المختلفة ويلعب دوره الفعال في كشف الحقيقة لتشل قدرة الإنسان ساعة التنفيذ، ويأتي الصفاء والإدراك. أما من منظور الأدب عامة فنرى أن هناك حالات عديدة للقتل العاطفي غير السياسي وتندرج تحت حماية وتعاطف العديد من البشر تجاه ذلك وتسمى جريمة عاطفية سببها الغيرة، أي علاقة تتحول إلى اتحاد إنساني داخلي تقوده المشاعر والاحساس ويتأخذ من الخارج لأسباب عديدة منها المجتمعية، والنفسية، والذاتية شكل الجريمة. ففي هذه الحالة نشعر أن القاتل والقتيل يموتان في لحظة اغتيال القلب معاً رغم بقاء أحدهما على قيد الحياة ، ولكن ما زال الأدب يرفض الاغتيال السياسي ولا يستطيع تبريره بل يقف في صف معاد له باعتباره حجة يغطي بها الإنسان حب السلطة ، والتسلط، والهيمنة. الحرب النظامية واضحة المعالم عندما يصارع الوطن عدواً واضح الملامح والثورة، هي التسمية الحقيقة لحرب ( الجوع ) حيث يصارع الوطن إخطبوطاً ذا اذرع كثيرة وتكون ضحيته شباب الغد، والطاغية ليس بالضرورة إنسانا فاسداً وإنما حصيلة شعب متخلف وظروف سياسية سيئة وان قتل يتم استبداله بآخر، ونظل ندور في دوامة الفساد. الصراع السياسي في الدولة الإسلامية ، كان بداية لظهورالاغتيالات ثم سبباً في سقوط الإمبراطورية الإسلامية فالجريمة السياسية تلعب دوراً كبيراً في انتشار الشر وسقوط الحضارات وتسبب دماراً يشل الحركة البشرية ويضر المعرفة والثقافة.