من المسلم به في العالم كله، أن الثورات الحقيقة للشعوب المضطهدة يكون مصيرها النجاح دائماً، لكن هذا النجاح لا يأتي إلا للثورات التي تتوفر لها عوامل ومبررات عدة، ومن هذه العوامل أن يكون للثورة أهداف نبيلة كأن تكون هذه الثورة قامت من اجل التحرر من الاستبداد والاستعمار أو حكم الفرد أو حتى للدعوة من أجل إصلاح وضع بلد وشعب، وهو بالطبع ما لم يتوفر لما سمي في اليمن ب( الثورة)، فاليمن لا يوجد بها مما ذكرته سابقاً من الأسباب التي تستوجب قيام الثورة، إذا ما استثنينا الفساد الذي قض مضاجعنا وهو السبب الذي كان يستدعي القيام بثورة لاجتثاثه، وهو ما تناساه أحزاب المشترك ومن يسمون أنفسهم بشباب الثورة إذ أن الفساد كان يتوافق ومزاج (المشترك) لأنهم يعتبرونه وسيلة من وسائلهم القذرة للانقضاض على السلطة، بغض النظر عما يعانيه الشعب من الفساد، الذي شارك فيه المشترك وعمل على تغذيته حتى يتسنى لهم التشهير بالنظام ولو على حساب آلام اليمنيين ومعاناتهم. أقول أن ما سميت ثورة في اليمن، لم تمتلك أياً من المبررات السابقة، إضافة إلى أنه يجب على من يسمون أنفسهم بالثوار أن يتسموا بصفات الصلاح والعدالة ونظافة الكف في حالة كان النظام الحاكم فاقداً لهذه الصفات، لكن أن يكون الحاكم أكثر صلاحاً ونظافة ممن يحاولون أن يثوروا عليه فلا شك أن هذا يتناقض مع العقل والمنطق، ناهيك عن أن نجاح ثورة بهذه الطريقة يعتبر محالاً والفشل هو النتيجة الحتمية لها. إن ما حدث في اليمن مجرد ثورة عبثية محاكية لدول أخرى تختلف عنها اختلافاً كبيراً، وإذا ما وجدت في بعض الأحيان شيئاً من الزخم فليس ذلك إلا على المستوى الإعلامي، ثم إنه من الخيال أن تنجح ثورة، يقودها أناس أجرموا في حق اليمن أرضاً وإنساناً وأقل جريمة لهم ترتقي إلى الإعدام إذا ما وجد النظام والقانون. إنني أناشد وأكرر الدعوة للشباب إلى أن يعود لهم رشدهم وأن لا يجعلوا أنفسهم كبش فداء يتخذه من ركب ثورتهم متى شاء ومتى اقتضت مصلحته ذلك. فالأشهر الخمسة التي مرت قد استفدنا منها الكثير والكثير، واستقينا منها دروساً كثيرة وانقشع الغيم الذي كان يخيم على الحقيقة في بداية (الثورة)، فكما كنا نلتمس الأعذار للشباب تقديراً لنبل مقاصدهم وطهر نفوسهم فإننا اليوم نقول لهم في حالة كانوا داخل سجن كبير مفتاحه بيد علي محسن وأولاد الأحمر، إن ثورتكم لم تعد تحمل الأهداف التي تريدونها وخرجتم من أجلها، بل أنها أصبحت في نظر الشعب اليمني مجرد انقلاب على حياتهم ومنجزاتهم وقوت أطفالهم، بل إن الشعب اليمني يحمل من يسمون أنفسهم شباب الثورة في ساحات التغيير المسؤولية الكاملة عن إيصالهم إلى هذا الوضع المخيف الذي أدخلهم إلى حالة الموت البطيء، فإذا ما نظرنا إلى حالة الشعب اليوم سنجده يعاني من أزمات بداية بالمشتقات النفطية ومروراً بارتفاع الأسعار ووصولاً إلى أن اليمنيين ماسكون على قلوبهم وهم يرون الانهيار يهدد وطنهم، ويرون منجزاتهم أيضاً وهي تدمر. أقول للشباب إن ثورتكم أجهضت، وليس النظام من أجهضها بل إنها أجهضت في مهدها، عندما ركبها أناس كان من الأولى لكم ولنا أن نجعلهم الهدف من قيام أي ثورة، وليس الرئيس، فالرئيس مهما امتد حكمه ففي النهاية سيزول ووحده التاريخ من سيحكم له أو عليه، أما بالنسبة لهؤلاء الذين ركبوا ثورتكم ويستغلون معاناتكم فإنهم أقوى مما تتصورون إذ أنهم شجرة خبيثة يحتاج اجتثاثها إلى ثورة غالية الثمن. إن الذين ركبوا ثورتكم أيها الشباب يعون جيداً أنها قد أجهضت، ولهذا نراهم يحاولون الاستفادة منها قدر الإمكان، كما أنني أعتقد أنكم لستم بالغباء الذي يخرجكم عن فهم ما يحدث، فماذا بقي لكم الآن بعدما أخرجكم هؤلاء عن اللعبة؟ بعد ما ناشدكم الرئيس طويلاً بأن تتقدموا للحوار والتفاوض أنتم أيها الشباب. فلو أنكم تقدمتم للحوار مع الرئيس، لوجدتم الأب الحنون الذي يلبي أهدافكم وينفذ مطالبكم النبيلة، وفي الوقت نفسه كنتم ستحققون النجاح الذي ترجونه لثورتكم، لكنكم رهنتم مصيركم بأياد غير آمنة نراها اليوم تفاوض باسمها غير عابئة بمطالب الشباب. وإذا ما كنا نلتمس لكم الأعذار في بداية الثورة، فإننا اليوم لن نجد لكم عذراً لبقائكم في الساحات بعدما تكشفت الحقيقة وانقشع الغبار وتميز الخيط الأبيض من الأسود وكشف الباغون نواياهم السيئة، فماذا بقي إذاً؟ ولماذا لا تخلون الساحات؟ ألا ترون أن هؤلاء الفاسدين قد استهدفوا رئيسكم وأرادوا لبلدكم الانهيار والحرب الأهلية الدائمة، لو بقيتم في الساحات واستغل هؤلاء بقاءكم. فماذا بقي لكم لتختبروا قبح نوايا هذه العصابات القذرة؟ ألا يكفي أنهم استغلوكم لتدمير المنجزات الوطنية؟ ألا يكفيكم أنهم يشعلون النار حيثما تمتد أيديهم؟ ألا يكفيكم أن اليمن بلا وقود وبلا كهرباء وبلا نظام وقانون؟ وأين وطنيتكم وطهركم ونظافتكم؟ هل يرضيكم ما آل إليه حال شعبكم؟ هل يرضيكم أن تستقوي هذا العصابة بكم وبواسطتكم رغم أنه شتان ما بين نواياكم ونواياهم، وإذا دفعتكم وطنيتكم إلى التوقف عن الإذعان لإحداث الأذى بشعبكم فهنا تتجلى فيكم الإنسانية.