فريدمان: دعائم الأمن الإسرائيلي تتداعى شن أحد أشهر كُتاب الأعمدة في الصحف الأميركية هجوما لاذعا لم يسبق له مثيل على الحكومة في إسرائيل، واصفا إياها بالعجز الدبلوماسي والافتقار للكفاءة الإستراتيجية. وكتب توماس فريدمان في عموده المعتاد بصحيفة نيويورك تايمز قائلا إنه لم يكن أكثر قلقا على مستقبل إسرائيل من اليوم «فتداعي دعائم الأمن الإسرائيلي الرئيسة -وهي السلام مع مصر واستقرار سوريا والصداقة مع تركياوالأردن- مقرون بأكثر الحكومات عجزا دبلوماسيا وافتقارا للكفاءة الإستراتيجية في تاريخ إسرائيل، كل ذلك جعل إسرائيل في خطر محيق». وقال الكاتب الأميركي المعروف بمواقفه المؤيدة لإسرائيل بحكم يهوديته، إن ذلك الواقع جعل الحكومة الأميركية تشعر بالضجر إزاء القيادة الإسرائيلية، لكنها مع ذلك ظلت أسيرة لعجزها فبمقدور اللوبي القوي المناصر لإسرائيل مع استعار حمى الانتخابات في الولاياتالمتحدة أن يجبر الإدارة في واشنطن على الدفاع عن إسرائيل في الأممالمتحدة، حتى لو كانت تدرك أن تل أبيب تنتهج سياسات ليست في مصلحتها هي بالذات وليست في صالح أميركا. ويرى فريدمان أن إسرائيل ليست هي المسؤولة عن الإطاحة بالرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، أو عن الانتفاضة الشعبية في سوريا، أو عن إقدام تركيا على البحث عن زعامة إقليمية ولفظها لإسرائيل على نحو مريب، أو عن شق صف الحركة الوطنية الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة، على حد تعبيره. غير أنه يستدرك قائلا إن الأمر الذي يتحمل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مسؤوليته هو عجزه عن تقديم إستراتيجية للتعامل مع كل تلك التطورات بطريقة تحفظ لإسرائيل مصالحها على المدى الطويل. صحيح -يقول فريدمان- أن لنتنياهو إستراتيجية تقوم على عدم فعل شيء تجاه الفلسطينيين أو تركيا تقتضي منه الوقوف في وجه قاعدته الحزبية، أو التنازل عن بعض معتقداته، أو يثير عداوة شريكه الرئيسي في الائتلاف الحاكم، وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، اليميني المتطرف. ثم بعد ذلك يطلب من الولاياتالمتحدة إيقاف برنامج إيران النووي، وإعانة إسرائيل على الخروج من كل مأزق». ويضيف الكاتب أن نتنياهو بعد كل ذلك يحرص على ألاَّ يطلب منه الرئيس أوباما أي شيء بالمقابل -كالكف عن بناء المستوطنات مثلا- فيحشد النواب الجمهوريين في الكونغرس ضده ليحشره في زاوية ضيقة ويؤلب عليه القيادات اليهودية زاعما أن أوباما معادٍ لإسرائيل وأنه يفقد أصوات اليهود. وفي خضم ذلك يستثير رئيس الوزراء الإسرائيلي اللوبي اليهودي ليعاقب كل من يجهر بالقول داخل الإدارة أو الكونغرس الأميركيين أن نتنياهو، وليس أوباما وحده، ربما ارتكب بعض الأخطاء. «فمن يا ترى يجرؤ على القول إن نتنياهو ليست لديه استراتيجية؟» يتساءل الكاتب الأميركي متهكما. ويستشهد فريدمان بما كتبه الصحفي ألوف بن في صحيفة هآرتس الإسرائيلية حيث قال «إن الجهود الدبلوماسية التي بذلت طوال سنوات لإدماج إسرائيل كجارة مقبولة في منطقة الشرق الأوسط انهارت هذا الأسبوع بطرد سفيري إسرائيل من أنقرة والقاهرة، وبإجلاء موظفي السفارة (الإسرائيلية) على عجل من عمان». ويمضي فريدمان مقتبسا من مقال الكاتب الإسرائيلي الذي أشار إلى أن «المنطقة تلفظ الدولة اليهودية، التي تعزل نفسها يوما بعد يوم في بروج مشيدة، وفي ظل قيادة تأبى أي تغيير، أو تحرك أو إصلاح... لقد أظهر نتنياهو سلبية مطلقة إزاء التغييرات المفاجئة والمثيرة في المنطقة، وسمح لخصومه بأخذ زمام المبادرة وفرض أجندتهم (برنامجهم)». وزعم الكاتب الأميركي أن لسان حال السلطة الوطنية الفلسطينية، التي استطاعت أن تقطع أشواطا ملموسة خلال السنوات الخمس الماضية في بناء مؤسسات وقوات أمن لدولة في الضفة الغربية، يقول «إن بناء دولتنا لم يحض إسرائيل على وقف المستوطنات أو الانخراط في جهود تفضي إلى الانفصال، وعليه فإن كل ما نقوم به الآن ما هو إلا إطالة عمر الاحتلال. دعونا إذن نذهب للأمم المتحدة لننال الاعتراف بدولة داخل حدود عام 1967، وننازع إسرائيل بهذه الطريقة». وفي ضوء ذلك -يقول فريدمان- كان ينبغي على إسرائيل إما أن تضع خطتها الخاصة بالسلام أو تصوغ دبلوماسيتها في الأممالمتحدة بحيث تنسجم مع قرارها الذي ينص على حق كل من الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي في إقامة دولة في فلسطين التاريخية وإحياء المفاوضات. ويتابع قائلا «لكن نتنياهو لم يفعل أياً من ذلك»، مشيرا إلى أن الولاياتالمتحدة هرِعت لنزع فتيل الأزمة حتى لا تضطر لاستخدام حق النقض (الفيتو) ضد قرار بإقامة دولة فلسطينية، وهي خطوة إذا ما حدثت ستكون وبالا عليها في العالم العربي. وختم عموده بالقول إن من سوء الطالع أن إسرائيل اليوم ليس لديها زعيم أو حكومة تنتهج دبلوماسية حاذقة، معربا عن أمله في أن يتمكن الإسرائيليون من إدراك ذلك قبل أن تدفع حكومتهم الحالية إسرائيل إلى عزلة دولية أعمق وتجر معها الولاياتالمتحدة أيضا. على صعيد آخر قالت وول ستريت جورنال الأميركية إن ملك الأردن عبد الله الثاني حذر من أن الموقف الإسرائيلي من عملية السلام وقمع التحرك الديمقراطي في سوريا، يضيف تهديدات جديدة إلى استقرار منطقة الشرق الأوسط. وقالت الصحيفة التي أجرت أمس حوارا مع الملك عبد الله الثاني الذي يزور نيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، إن تفاؤله بالمستقبل السياسي في بلده تأثر بالتهديدات الإقليمية، خاصة الجمود الذي تشهده مفاوضات إقامة دولة فلسطينية مستقلة، قائلا إن القادة الإسرائيليين يتجاهلونها واضعين رؤوسهم في الرمل. وقال الملك الأردني للصحيفة «إذا لم نستطع جمع الفلسطينيين والإسرائيليين في الأيام القليلة المقبلة، فماذا سيعني هذا الفشل لمستقبل السلام؟»، وأضاف «إذا عدنا إلى عملية إعادة رسم مسار السلام فسيكون لهذه العودة تأثير سلبي جدا علينا جميعا». وتابع بقوله إنه وجد تشجيعا مرات عدة في التصريحات العلنية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن عملية السلام، لكنه فشل في ترجمة تصريحاته على أرض الواقع، وأضاف «كل ما رأيناه على الأرض كان عكس تلك التصريحات، وهناك إحباط متزايد لأن الإسرائيليين يصرون على وضع رؤوسهم في الرمل ويزعمون أنه لا توجد أي مشكلة». وأوضحت الصحيفة أن الإسرائيليين نفوا اتهامات الملك الأردني أمس وقالوا إن الفلسطينيين رفضوا عروضا كثيرة للدخول في مفاوضات مباشرة، مشيرين إلى أن الدول العربية لم ترد إيجابا على تجميد الاستيطان الذي استمر 10 أشهر عام 2009، وقال الناطق باسم الخارجية الإسرائيلية ييغال بالمور «لم يفعل العرب -بما في ذلك الأردن- أي خطوة إيجابية تجاه إسرائيل، ولكنهم لا يقصرون في اتهامها». وفي الشأن الداخلي قال الملك الأردني للصحيفة إنه واثق من أن حكومته استبقت الأسباب التي أدت إلى المظاهرات التي عمت دولا أخرى في الشرق الأوسط، حيث بادرت بإصلاحات دستورية وسياسية كان هدفها السماح بتغيير طريقة اختيار رئيس الوزراء الذي يعينه الملك حاليا، وقال إنه يقر بشرعية مطالب بعض المتظاهرين في بلاده. وقالت الصحيفة إن الحكومة الأردنية بدأت في الأشهر الأخيرة حوارا وطنيا مع المعارضة من أجل إنشاء أحزاب جديدة وقانون انتخابي جديد، وتستعد عمان لانتخابات بلدية في ديسمبر/كانون الأول المقبل، ويستعد البرلمان الأردني لتغييرات دستورية قال الملك عبد الله إنه يأمل أن تؤدي إلى أن يكون اختيار رئيس الوزراء من البرلمان. وأضاف «أعتقد أننا في الطليعة، فنحن نملك خطة وبالتالي سيكون لدينا أردن جديد في أسرع وقت».