ربما تكون محاولة القوى العالمية احياء محادثات السلام بين الاسرائيليين والفلسطينيين عبثية وتقوض ما تبقى لها من مصداقية في الوساطة. ويقول بعض المحللين السياسيين إن الوقت حان لتقليص طموحاتهم. وبعد ان بدا الامل شبه معدوم قد يجد من يحاولون صنع السلام أنفسهم وسط محاولة لادارة الصراع الممتد منذ عقود وليس حله. ويمكن القول ان الجهود التي تبذلها المجموعة الرباعية لوسطاء السلام في الشرق الاوسط التي تتكون من الولاياتالمتحدة والاتحاد الاوروبي وروسيا والامم المتحدة فشلت قبل أن تبدأ. وعقد ممثلو المجموعة الرباعية اجتماعات مع كل طرف على حدة في القدس يوم الاربعاء بعد ان فشلت المجموعة في تحقيق هدفها المعلن وهو أن يجلس الجانبان على نفس الطاولة لاجراء محادثات بشأن كيفية استئناف المفاوضات المباشرة للتوصل الى اتفاق دائم للسلام. وقال الوسطاء ان الجانبين اتفقا على تقديم اقتراحات حول قضايا الارض والامن في غضون ثلاثة اشهر. لكن محللين فلسطينيين واسرائيليين لا يرون املا يذكر في أن تنجح المحاولة الاخيرة في حين فشلت المحادثات المباشرة على مدى سنوات. وقال شلومو افنيري استاذ العلوم السياسية بالجامعة العبرية بالقدس والمدير العام السابق لوزارة الخارجية الاسرائيلية «المجموعة الرباعية أصبحت غير ذات صلة لانها عالقة على طريق لا يؤدي الى اي مكان. وقال جورج جقمان استاذ العلوم السياسية الفلسطيني بجامعة بيرزيت في الضفة الغربية انه يجد الامر مضحكا وسخيفا مضيفا أنه كانت هناك مفاوضات لمدة 20 عاما ولم تحقق اي شيء. وتابع أنهم سيواصلون المحاولة ولابد أن يستمروا في التحرك ليظلوا في الصورة معبرا عن شكه في أنهم هم أنفسهم يصدقون أنهم سينجحون. وتشكلت اللجنة الرباعية منذ عشر سنوات ولعبت في الاشهر القليلة الماضية دورا بارزا في محاولات الوساطة لاجراء محادثات جديدة. ودخلت الى المشهد بعد فشل ادارة الرئيس الامريكي باراك أوباما في احياء المفاوضات. وليس غريبا أن يواجه مبعوث المجموعة الرباعية توني بلير نفس المشكلات التي عرقلت جهود أوباما. والعقبة الاساسية هي المواجهة القائمة بشأن التوسع في النشاط الاستيطاني الاسرائيلي على اراض محتلة يريد الفلسطينيون اقامة دولتهم المستقلة عليها. وتعتبر القوى العالمية أن المستوطنات غير قانونية بموجب القانون الدولي. وفي حين يقول رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو انه يريد اجراء محادثات الآن فان الفلسطينيين يقولون انه يجب أن تتوقف كافة الانشطة الاستيطانية أولا قبل أن يجلسوا على مائدة المفاوضات. وهذا طلب لن تنفذه حكومته. ويشير الخلاف الى مشكلة اكثر عمقا وهي ما يراها البعض الآن فجوة لا يمكن تضييقها بين مسعى الفلسطينيين للاستقلال وانهاء الاحتلال وتشبث اسرائيل بالارض التي ترى أن لها أهمية استراتيجية وروحية. وحتى في ذروة عملية السلام عام 2000 لم يستطع الاسرائيليون والفلسطينيون الاتفاق على بنود حل دائم لصراعهم من خلال اقامة دولة فلسطينية الى جوار اسرائيل في الضفة الغربية وقطاع غزةوالقدس الشرقية وهي أراض احتلتها اسرائيل في حرب عام 1967 . واليوم يواجه الوسطاء مجموعة من التعقيدات الاضافية. والقائمة طويلة وتشمل ظهور ادارتين متنافستين في الضفة الغربية التي تهيمن عليها حركة فتح وقطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة المقاومة الاسلامية (حماس) منذ عام 2007 . وفي اسرائيل بات هناك ميل نحو اليمين السياسي ساهمت فيه الانتفاضة الفلسطينية الاخيرة. علاوة على ذلك فان نصف مليون اسرائيلي استوطنوا أراضي يفترض أن تقام عليها دولة فلسطينية مستقبلية مما يجعل حلم التوصل الى اتفاق بعيد المنال. وقال موتي كريستال المفاوض الذي عمل مع اربعة رؤساء وزراء اسرائيليين بين عامي 1994 و2001 «لا أظن انه يمكن حل الصراع في المستقبل المنظور. هذا شيء لا يمكن أن يقوم به الاسرائيليون والفلسطينيون في الوقت الحالي... أقصى ما يمكن فعله في المرحلة الراهنة هو ادارته.» ويتناقض فشل المجموعة الرباعية مع نجاح مصر مؤخرا في الوساطة بصفقة لتبادل السجناء بين اسرائيل وحماس والتي قايضت جنديا اسرائيليا أسره مسلحون في غزة عام 2006 بسجناء فلسطينيين بلغ عددهم 1027 . وثبطت الصفقة همة الزعماء الفلسطينيين في الضفة الغربية الذين يعتقدون أن محادثات السلام هي السبيل لانهاء الصراع ويرفضون اللجوء الى المقاومة المسلحة على عكس حماس. واستندت استراتيجية الرئيس الفلسطيني محمود عباس في التفاوض دائما مع خصم أقوى كثيرا على افتراض أن القوى العالمية لن تتوسط في المحادثات وحسب وانما ستمارس ضغطا على اسرائيل لتقدم تنازلات. وبالنسبة للفلسطينيين جسد عدم قدرة المجموعة الرباعية على الوصول الى تجميد كافة الانشطة الاستيطانية عجزها. وكان تجميد النشاط الاستيطاني من بنود خطة للسلام وضعتها المجموعة الرباعية عام 2003 وتعرف باسم خارطة الطريق للسلام. وقال نبيل شعث المسؤول الفلسطيني المخضرم انه اذا كانت المجموعة الرباعية ستلعب اي دور له مصداقية فعليها أن تتمكن من الالتزام بهذه المرجعيات خاصة تلك التي أدت الى نص متفق عليه مثل خارطة الطريق. وأعطى هذا الاحباط دفعة لمسعى الفلسطينيين الحصول على عضوية كاملة بالامم المتحدة وهي مبادرة يتعشمون أن تؤدي الى ضم المزيد من الدول لعملية البحث عن اتفاق للسلام. وتعارض الولاياتالمتحدة واسرائيل بشدة هذا المسعى. ويعكس موقف المجموعة الرباعية كما اتضح من بيانها الذي أصدرته في 23 سبتمبر ايلول رؤية الولاياتالمتحدة وهي أنه يجب استئناف المحادثات الثنائية بين الجانبين مع التأكيد على أن هدفها «الوصول الى حل شامل». ويقول افنيري ان الوسطاء في الوقت الحالي يجب عليهم ان يغيروا وجهة تركيزهم. وأضاف «المجموعة الرباعية تفكر بطريقة خاطئة لانها تتجنب الاعتراف بأن محاولة جمع الجانبين معا للتفاوض على اتفاق للوضع النهائي خطأ. لم ينجح هذا لفترة طويلة».