لقاءات / هلا عدنان - إصلاح صالح لا يستطيع البعض أن يتخيل الآثار الضخمة الناجمة عن الجهل وتدني الوعي بالمواد المتسببة في الإصابة بالعديد من الأمراض، رغم وجود عدد من الجمعيات والفرق المتخصصة في نشر التوعية بين الناس بخطورة بعض المواد، إلا أنها لم تصل إلى الناس كافة، مرض السرطان هو من أشد الأمراض فتكاً بحياة الإنسان، حيث لا تتوقف الجهود الحثيثة من قبل العلماء والباحثين لكسر أبواب هذا المرض ومعرفة مسبباته وإيجاد حلول للحد منه و القضاء عليه، و في الفترة الأخيرة شاع وانتشر بشكل كبير وذلك لوجود الظروف البيئية المساعدة على انتشاره إلى حد ما، كما أن الجهل بمسبباته من قبل المواطنين ساعد على الانتشار وزاد الأمر خطورة. إن جولتنا هذه أثقلت ضمائرنا بالحزن والألم ونحن نحاول من خلال هذه السطور أن ننقلها حتى يراها الجميع. يقول الدكتور جمال عبد الحميد مدير مركز الأمل، اختصاصي أورام سرطانية: ( إن مركز أورام عدن سجل أكثر من 2200 حالة سرطان جديدة خلال الفترة من 2011-2008م و متوسط عمر المصابين عند التشخيص كان 44 عاما عند الرجال و56 عاما عند الإناث ) وأوضح أن أكثر أنواع السرطان انتشاراً على مستوى المحافظات الجنوبية خلال الأعوام 2011-2008م هو سرطان الثدي، وبلغ عدد المصابات به 434، ويأتي سرطان القولون والمستقيم في المرتبة الثانية، وبلغ عدد مصابيه 219 ، وسرطان "الليمفوما لاهودجكين" عدد مصابيه 198، وسرطان الرأس والعنق 183 مصابا، وسرطان الدم 162 مصابا وأمراض "هودجكين" 118 مصابا ، وسرطان المبايض 98 مصابا، وسرطان الرئة 90 مصابا، وسرطان المعدة 81 مصابا، وسرطان المرئ 71 مصابا. واعتبر الدكتور جمال أن اليمن من أكثر دول العالم عرضة للأمراض السرطانية وذلك لعدد من الأسباب أهمها: الاستخدام المفرط للمواد المسرطنة مثل الشمة - الزردة والقات ، وارتفاع نسبة الإصابة بالفيروسات مثل فيروس الكبد Bو C وعدم ترشيد استخدام المبيدات والمواد الكيميائية للخضار والفواكه، وضعف البرامج الوقائية نتيجة عدم توفر إستراتيجية وطنية لمكافحة السرطان بالإضافة إلى تدني الوعي الصحي. ولفت إلى أن مركز أورام عدن الذي افتتح في نوفمبر 2007م ويستقبل مرضى من محافظات عدن - لحج - أبين - الضالع وشبوة، يعمل على الإسراع في استكمال مباني العلاج الإشعاعي، والطب النووي لتخفيف أعباء السفر إلى صنعاء أو الخارج والعمل على متابعة وزارة المالية، ورئيس الوزراء للإسراع بإقرار الموازنة التشغيلية واعتماد 100 حالة أسوة بمركز صنعاء والمراكز الأخرى، مؤكدا أن إقرار الموازنة التشغيلية لمركز عدن سوف يخفف من معاناة مرضى السرطان الذين يعانون من شحه الأدوية، وعدم توفر مركز العلاج الإشعاعي الذي يستدعي سفرهم إلى صنعاء أو الخارج. أنصار مرضى السرطان هناك العديد من فرق العمل والجمعيات التي عملت على نشر التوعية تجنبا للإصابة بالمرض ، منها فريق أنصار مرضى السرطان الذي تأسس عام 1998م ، كان لنا لقاء مع المنسق العام لهذا الفريق د. مايسة سعيد النوبان التي أوضحت لنا أن العمل الفعلي للفريق بدأ عام 2000م ويهتم بالمريض من الناحية النفسية والصحية ، تقول د. مايسة : ( نقوم بالتعاون مع اختصاصية نفسية لدعم المريض نفسيا ، ولأهمية ذلك في التخلص من المرض ، كما نقوم بدعم المريض من الناحية المادية من دخل الفريق المتوفر لدينا ) ، وتضيف : ( الفريق يقوم بحملات توعية عن طريق المحاضرات وأنشطة مختلفة في التجمعات الإنسانية والمدارس والثانويات وبعض المرافق الحكومية لتبيان مسببات المرض، المتمثلة في المواد الحافظة في الأغذية والمعلبة والأطباق السفري والأكياس البلاستيكية وصبغات الطعام والشبسات والبفكات كلها أسباب رئيسية للإصابة بالمرض ويجب معرفة الحد المسموح لاستخدامها ، كذلك التدخين حيث يشكل سبباً للإصابة بمرض سرطان الرئة بنسبة 70 % ، والتدخين السلبي ( من يتواجدون بقرب المدخن ) الذي يؤدي إلى الإصابة بسرطان الثدي كما تشير الدكتورة إلى أن طريقة الأكل والمعيشة وإرهاق خلايا الجسم والعامل النفسي ( الوسواس بوجود مرض ) كلها عوامل مؤدية إلى احتمال الإصابة بالمرض ، إضافة إلى عدم أتباع التعليمات والإرشادات عند استخدام الميكروويف ، وتؤكد على ضرورة القيام بالتمارين الرياضية وتناول الأكل الصحي للوقاية من المرض ، ودعت إلى أهمية تكافل أفراد المجتمع لنشر التوعية بأي طريقة كانت وأن لا تقتصر التوعية على الجهات الصحية فقط . تضاعف أعداد المصابين افتتحت عيادة الأمل بعدن في ديسمبر 2007م وبدأ موظفوها بجمع الإحصائيات خلال كل عام عن القادمين إلى المركز من عدنولحجوأبين والضالع بدرجة أساسية وبعض المحافظات الأخرى بشكل ثانوي المصابين بأنواع مختلفة من السرطان ولأسباب مختلفة أهمها التدخين ومواد غذائية معينة وعوامل نفسية مساعدة وغيرها ، ففي عام 2007م بلغ عدد المصابين 120 حالة 67 من الذكور و 53 من الإناث ، وفي العام 2008م بلغ عدد المصابين الذكور 158 والإناث 245 ، وشهد العام 2009م ارتفاعاً في عدد المصابين حيث بلغ عددهم 425 ذكراً و585 أنثى ، والعام 2010م وصلت نسبة المصابين الذكور إلى 226 والإناث 278 ، وبلغ عددهم في العام 2011م 556 حالة 248 ذكور و 308 إناث، وفي العام 2012م بلغ عدد المصابين خلال الأشهر الثلاثة الأولى 155 حالة جديدة الذكور 54 والإناث101 وزعت على المناطق كالآتي عدن 65، لحج 33 ، أبين 22 ، الضالع 13 ، تعز و شبوة و البيضاء كل منها خمس حالات ، أب والحديدة وصنعاء كل منها حالتان ، حضرموت حالة . وأثناء زيارتنا لمستشفى الجمهورية قمنا بزيارة لقسم مرضى السرطان ، ومنذ الوهلة الأولى لدخولنا وصلتنا رسالة بالغة الأثر عن مرضى تحولت حياتهم إلى جحيم ، استوطنت داخل أيامهم السوداء مشاعر الحزن ، ليجدوا أنفسهم يحصدون مرارة العيش وقسوة الأيام، ورغم ذلك فأن الثناء والشكر لله لم يفارق حديثهم معنا ، أسطرنا الآتية تحمل قطرة من بحر تلك المعاناة . صراع بين الحياة والموت فقدت القدرة على النوم وممارسة أمور حياتها اليومية بشكل طبيعي في ظل القلق والفزع الذي ينتابها ، الخالة فاطمة ناصر 60 عاما من منطقة جعار في أبين بدأت رحلة معاناتها بشعورها بآلام في البطن تتزايد يوما بعد يوم ويمتد الألم إلى الظهر والكتفين والذراعين ، بعد أسابيع ذهبت إلى العيادة وبعد المعاينة السريعة من الطبيب قال إن المشكلة عندها بالقولون وبعد أيام أشتد الألم وعند التدقيق في الحالة أكتشف نفس الطبيب أن هناك علامات على وجود ورم سرطاني في القولون . تحارب الخالة فاطمة وتتحدى السرطان بقوة الإرادة وشغف الحياة، عاشت مع المرض لأكثر من عام خضعت لعدد من الجرعات الكيميائية بعد عملية لإزالة الورم ، تقول الخالة فاطمة وهي أم لأربعة أولاد : ( اجي كل شهر من جعار إلى عدن عشان الجرعة الكيميائية ، والطريق من هنا لهناك بعيد وتتعبني ، والمواصلات مرتفعة على النفر من هناك 2400رايح واجي ، وكمان الأدوية غالية ) مرت الخالة فاطمة بأيام صعبة فما زادتها إلا تماسكا ويقينا ، ودعنا الخالة فاطمة بألم وحزن بالغين متمنيتين لها الشفاء. معاناة نبيل تولد ابتسامة يتمدد نبيل علي سالم في أحد أسرة المستشفى لأخذ الجرعة الكيميائية ، وعند وصولنا إليه استقبلنا بكل ترحيب بابتسامة لم تفارقه طيلة حديثنا معه ، بدأ يروي لنا قصته ومعاناته مع المرض يقول : ( في تاريخ 31 / 3 / 2011م ، شعرت بألم شديد فذهبت لأجراء فحوصات وتبين أن هناك حصى في الكلية ، وأخذت العلاجات اللازمة لكن دون جدوى ، فالألم ظل مستمراً ، عاودت الفحص وعمل أشعة مقطعية ) فجأة صمت نبيل وتغيرت ملامحه ليخبرنا بإصابته بورم سرطاني ، حينها بدأ نبيل بالعلاج وأخذ ثمان جرعات كيميائية ، بعدها أخبره الدكتور أنه تخلص من المرض ، لكن المرض عاد ولازم نبيل ليعود لاستخدام العلاج مرة أخرى ، وأثناء زيارتنا له كان يقوم بأول جرعة من العلاج الجديد ، ودعنا نبيل بنفس الابتسامة التي استقبلنا بها لكن من يتلقى تلك الابتسامة لا يعلم ما يختلج في صدر صاحبها . غياب الوعي سبب في انتشار المرض الخالة فاطمة ونبيل هما ضحيتان لهذا المرض فغياب الوعي وعدم وجود رقابة لما يوزع من المواد والأطعمة على البقالات والمطاعم ، تسبب في انتشار هذا المرض الفتاك بين كل الفئات ، فكثير من الناس يجهل خطورة استخدام بعض المواد المسببة للمرض، وكثير من المواطنين لم تصل إليهم التوعية التي تقوم بها بعض الفرق والجمعيات الخاصة بمرض السرطان . تقول الخالة آمنة وهي أم لخمسة أطفال أنها لأول مرة تعلم أن انتشار مرض السرطان سببه بعض المواد الغذائية التي يتناولها أبناؤها باستمرار ، مثل الشبسات والأطعمة المعلبة السريعة الجاهزة ، كما تستخدم الصبغات الملونة في الطعام الذي تعده في المنزل، دون علم بمدى خطورة زيادة استخدامها ، لكن الخالة آمنة أدركت خطورة كل ذلك وستحاول القضاء على كل مسبب سرطاني في منزلها تجنبا للمرض . لابد من بدائل سياف عبدالمولى كثير من أصحاب المطاعم والكفتيريات لم يجدوا بدائل لتلك المواد المسببة للسرطان ولا يزالون يستخدمونها مع علمهم بأضرارها وذلك خوفا من توقفهم عن العمل لعدم وجود مواد بديلة ، يقول سياف عبدالمولى عامل في كافتيريا عن سبب استخدامه للأطباق السفري والأكياس البلاستيكية رغم علمه بأخطارها : ( ما هو البديل لو في حاجات أحسن من كذا ومطورة حتى لو كانت بأسعار مرتفعة ، لا يوجد مانع إذا كان هناك شيء بديل ، أما إذا لم يوجد بديل فسنضطر للتوقف عن العمل ) وعن أسعار المواد التي يستخدمونها يقول سياف : ( أكواب الماء السفري نشتريها ب 550 ، وأكواب العصير ب 450 ريالاً ) . ويقول نجيب محمد صاحب بقالة : ( أنا أبيع الشبسات والأكياس البلاستيكية من أول ما فتحت البقالة ، ولم أعلم بأنها خطيرة ومضرة) يضيف : ( الشعب كله يبيعها ونحن بصراحة مضطرون لبيعها وذلك لطلب الناس المشترين لها ، لكن ما دام أنها ضارة إلى هذا الحد سنحاول الابتعاد عنها أن شاءالله تدريجيا ، لكننا نطالب ببدائل للناس المشترين، ونحن بالتأكيد نتمنى السلامة للجميع ). بدائل صحية محمد سعيد راشد مؤخرا بدأت بعض المطاعم بالتخلي عن الأطباق السفري والأكياس البلاستيكية ، واستبدالها بأدوات وأكياس صحية غير مؤثرة وبأسعار مناسبة ورخيصة يمكن لأي شخص شراءها ، محمد سعيد راشد صاحب مطعم يقول : ( استبدلنا الأطباق والأكواب السفري بأطباق وأكواب كرتونية صحية ، كما استبدلنا الأكياس البلاستيكية بأكياس حرارية ، ويقتصر استخدامنا للأكواب السفري على العصائر الباردة فقط لأن المشروبات الساخنة أو الأطعمة الساخنة تذيب السموم الموجودة في الأطباق السفري بالتالي تختلط هذه السموم بالطعام ، لذلك وللحفاظ على صحة زبائننا قمنا باستخدام أدوات صحية وبأسعار مناسبة ) ، قليلون من هم بوعي محمد واهتمامه ليس فقط في كسب الزبائن بل بالحفاظ على صحتهم وسلامتهم . ختاما.. انتهت جولتنا هنا ولم تنته المأساة بعد ، بل إن إمكان تكرارها في أي مكان ما زال قائما ، إذا لم يكن هناك وعي ورقابة توقف هذه المأساة ، ,لكن ومع تقدم العلوم الطبية وكشفها لنا عن مسببات هذا المرض قد نكتشف أنه أقل خطورة مما نظن وأن الأمر أبسط مما نعتقد ، ولكن إذا علمنا وزاد إيماننا بتلك النصيحة الطبية الثمينة (( الوقاية خير من العلاج )).