تمثل الزكاة التنظيم المالي الوحيد الذي عرفته البشرية الذي يهدف إلى تحقيق مبدأ التكافل الاجتماعي القائم على مبدأ الأخوة الإيمانية وصدق الاعتقاد من منطلق كونها الركن الثالث من أركان الإسلام. وباعتبار فريضة الزكاة إحدى غايات التمكين في الأرض للنفع الشامل الذي تعود به على الفرد والمجتمع فإن عملية تحصيلها وصرفها منوطة بالدولة كما أنها واجبة على كل مكلف بها كنوع من العلاقة الثابتة شرعا وبقدر مستوى الثقة والعلاقة بين المكلف والدولة التي يجب أن يسودها الحرص الكامل والاحترام والنية الصادقة لإقامة هذه الفريضة تحقيقا للهدف الذي شرعت من أجله. وفي استطلاع لوكالة الأنباء اليمنية (سبأ) حول مستوى الثقة بين المكلف بدفع الزكاة وجهات التحصيل وسبل تعزيزها يرى بدر الريشاني «موظف» أن هناك أزمة ثقة بين المكلف والمحصل تعود أسبابها إلى الأخير وأن العبثية والفوضى واللا مسئولية هي السائدة في كثير من المرافق المتعلقة بجباية الزكاة. ولفت إلى أن هناك تجاهلاً واستخفافاً بالتعاليم والأحكام الشرعية والفقهية الخاصة بهذه الفريضة العظيمة فلذا نجد التلاعب والمجاملات التي من شانها العشوائية في تحصيل الزكاة وإهدار المال وتفقد ثقة المكلف بدفعها بجهات التحصيل ليلجأ إلى الاعتماد على نفسه في دفع الزكاة لمن يرى انه يستحقها. وفيما أكد على وجوب دفع الزكاة لولي الأمر إلا أنه يرى أن الدولة لا تستطيع أن تؤدي واجبها في جباية وصرف الزكاة على الوجه الأمثل مستدلا بعجزها على مدى سنوات في تحقيق الأهداف المنشودة في إكفاء الفقير بما يغنيه عن النظر للغني. واعتبر عدم قدرة الدولة على التصدي لمن يمتنع عن دفع الزكاة من المكلفين بها ومعاقبتهم أحد أسباب فقدان الثقة بين المكلفين والمحصلين، مؤكدا أن تقوى الله والحرص على تحقيق العدل والمساواة والمصداقية والشفافية والالتزام بالأحكام الشرعية والقوانين الخاصة بالزكاة عوامل رئيسية في تعزيز تلك الثقة. وأكد رحيم الحميدي «تاجر» أنه يحرص على أداء زكاة أمواله إلى الدولة باعتبارها المسئول الأول عن جبايتها وتوزيعها وفقا للشرع. ويرى أن الثقة من عدمها لا تنفع في مثل هذه الأحوال طالما وأن هذه الفريضة منطلقة من الشريعة الإسلامية ومرتبطة بمبدأ الثواب والعقاب والحلال والحرام وتصل إلى حد الخروج من الإسلام لمن يمتنع ويصر ويجاهر في الامتناع عن أدائها وهو مكلف بها. وقال« أعتقد أن مهمتي تنتهي حين أؤدي زكاتي لمن هو مخول بتسلمها من قبل الدولة أما مسألة توزيعها أو عدم توزيعها فهذا أمر يرجع لذمة جهة التحصيل والله هو المطلع». من جانبه أشار يحيى صالح «أكاديمي قانوني» إلى وجود أزمة ثقة بين المكلفين بأداء فريضة الزكاة والقائمين على تحصيلها الأمر الذي يؤدي إلى تدني مستوى تحصيلها. ويرى أن هناك العديد من المشاكل التي تواجه الدولة في عملية تحصيل الزكاة منها ما هو متعلق بالجانب التشريعي الموجود في القانون ،ومشاكل إدارية ناجمة عن أزمة الثقة ،فضلا عن تدني الوعي بأهمية تسليم الزكاة للدولة وجهات تصريفها وفقا لما هو مبين في الشريعة الإسلامية . واعتبر صالح أن رفع مستوى وعي المكلف بأهمية إخراج الزكاة وآليات تحصيلها و وجوب تسليمها للدولة من خلال الندوات والبرامج التوعوية ووسائل الإعلام والمساجد وغيرها، عوامل من شانها المساهمة في زيادة الوعي وتعزيز الثقة بين المكلف والمحصل. وأشار إلى أن نصوص ومواد وتفسيرات قانون الواجبات تؤكد على أحقية الدولة باستلام الزكاة وصرفها في مصارفها المحددة شرعا .. لافتا إلى وجود ضمانات حددها القانون للحث على إخراج الزكاة كما حدد العقوبات المفروضة بحق الممتنعين والمتهربين عن دفع الزكاة. أما رضوان الغرباني «طالب جامعي» فيرى أن إنشاء هيئة خاصة تتبع الدولة تعنى بتحصيل الزكاة وصرفها في مصارفها المخصصة التي أوضحتها الشريعة عامل أساس في تعزيز مستوى العلاقة والثقة بين المكلف بدفع الزكاة وجهات التحصيل. وقال« إن وجود هيئة خاصة بالزكاة يكفل أداء هذه الفريضة الأداء المطلوب من خلال التحصيل الدقيق والتوزيع المنصف بعيدا عن المحسوبية والمحاباة إلى جانب استخدام العقوبات التعزيرية لمن يمتنع عن دفع ما عليه وخاصة الشركات والمؤسسات والبنوك» وأضاف « إذا ما توفر ذلك فانه سيساهم بشكل كبير في رفع مستوى العلاقة والثقة »، مشيرا إلى أنه وبالرغم من ارتفاع وعي كثير من المكلفين الذين يبادرون إلى دفع الزكاة إلى أن ذلك لا يمنع من وجود قصور لا زال بحاجة إلى معالجة وهذا منوط بالجهات المعنية في الدولة. مدير مكتب الأوقاف بمديرية التحرير الشيخ ناصر الحيمي أوضح أن الأصل أن تتولى الدولة تحصيل الزكاة وتوزيعها في مصارفها الشرعية لقوله تعالى « الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور». وقال« وجاء تأكيد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا لدور ولي الأمر في إنفاذ الزكاة بكل مسئولية وتجرد لحديث ابن عباس في الصحيحين «أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذ بن جبل رضي الله عنه إلى اليمن فقال له« فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم .. إلى آخر الحديث». وتابع الشيخ الحيمي قائلا« وينبغي الأخذ بالحسبان أن الحزم على كل مكلف مماطل أو متحايل يعادله صدق الشفقة والرحمة على الفقير المعوز والمسكين المحروم والحرص على إعطائه ما وضحه الشرع بما يكفل تحقيق مبدأ التكافل الاجتماعي وإشاعة الفرحة والسرور بين الناس ». وأشار إلى ضرورة أن تعمل الدولة على كسب ثقة المكلف بدفع الزكاة وتثبته من أن ماله في أيد أمينة وفي المقابل على المكلف أن يعلم ويعي بوجوب دفعه للزكاة وأن ذمته لا تبرأ إلا بأداء هذه الفريضة ويأثم على تقصيره في تسليمها للدولة. فيما أكد إبراهيم المنتصر مندوب الواجبات الزكوية بمنطقة معين بأمانة العاصمة أن السنوات الأخيرة شهدت تحسنا كبيرا في جانب تحصيل الزكاة عكس المستوى المتقدم للعلاقة بين المكلفين بدفع الزكاة والمحصلين الناتج عن وعي المكلف بأهمية دفع زكاته للجهة المخولة من الدولة. مشيرا إلى أن هذا المستوى من العلاقة كان له اثر كبير في ارتفاع إيرادات تحصيل الزكاة من عام لآخر. وأرجع ذلك التحسن الآلية الجديدة التي اتبعتها إدارة الواجبات في تحصيل الزكاة التي حرصت من خلالها على تعزيز وكسب ثقة المكلف من خلال تحسن الأداء في العمل وتوضيح مصارف الزكاة وتكريم المكلفين الملتزمين، لافتا إلى أن ذلك ساهم في ظهور مكلفين جدد لم يكونوا موجودين ضمن قاعدة البيانات لدى الإدارة وبادروا إلى تسليم الزكاة.