ولقد اختارت الأخت عائشة المحرابي عنوانا مميزا لديوانها، فكان (( سيد المساء )) وكتبت فوق العنوان شبة جملة ظرفية تقول (( بين يدية يورق حرفي ))، وهي- في رأيي- جزء لايتجزأ من العنوان. سيد المساء .. الزوج/ الحبيب / المعشوق .. ظاهر وجلي حتى في رسم العنوان لا في تركيب الجملة فحسب ،وإن كان الحاضر /الغائب ، فقد جاء في صيغة المنادى لا في صيغة المخاطب ، بدليل أنها استخدمت الضمير المتصل هاء في قولها يورق بين يديه حرفي ، أما هي .. أعني الشاعرة .. فآثرت أن تختبئ ورضيت بأن يسجل الحرف حضورها . وأحسب أن مصمم لوحة الغلاف _ وإن كان الديوان لايوضح هويته- قد أدرك ماهية سيد المساء الحاضر/الغائب فرسم بروازا وفيه بورتريه لوجه أحدهم ، وتعمد أن يكون الوجه من نفس لون الغلاف البني الداكن كي لايستبين الناظر ملامحه ، فيغدو الوجه كصاحبه حاضراً /غائباً . ولست أذهب إلى ماذهب إليه الأستاذ الناقد صاحب المقدمة عبدالحافظ بخيت حين رأى أن سيد المساء خبر لمبتدا محذوف أو مبتدأ لخبر محذوف، بل هو -كما أرى- مبتدأ مؤخر، والخبر هو شبه الجملة الظرفية ((بين يديه يورق حرفي )) وبذا لا أرى المتلقي بحاجة إلى إكمال الجملة كما ذكر الأستاذ الناقد، فالجملة مكتملة لايعتورها نقص . وهاهو ذا العنوان يجمع بين الشاعرة المتخفية وبين حبيبها السيد والزمان في ظرف الزمان مساء والمكان في ظرف المكان بين . ولكن لنا أن نتساءل، لماذا هو سيد المساء فحسب، ترى هل للمساء هنا دلالة ما ؟أحسب، والمعنى في قلب الشاعرة، أن المساء هنا يحمل مدلولين أحدهما مدلول زمني باعتبار أن المساء يحوي بين جنباته نهاية النهار ومبتدأ الليل، وهو زمن الخلود إلى الراحة والسكينة، وهل زمن اللقاءات الشاعرية بين الأحبة، وأما المدلول الآخر فهو مساء شخصي يتعلق بالشاعرة ذاتها، من حيث تجربتها الشخصية، ومايحمله لها المساء من ذكريات مفعمة بالأمل حينا وغامرة بالشوق والانتظار حينا آخر .. ويذكرني هذا بقول الشاعر الكبير صلاح عبد الصبور : في غرفتي دلف المساء والحزن يولد في المساء لأنه حزن ضرير حزن طويل كالطريق من الجحيم إلى الجحيم . والشاعرة تأخذنا في ديوانها من خلال قصائدها المنثورة فلات ورياحين بين جلدتيه، تأخذنا في رحلة حبية مضمخة بعواطف ومشاعر جمة ، فهي تتقلب في حالات عاطفية متعددة حال كثير من المحبين ، لذا تجد مفردات الحب والشوق والانتظار والأمل تتوزع بشكل لافت ، فكأنها معالم تهديك خلال رحلتك معها . لن أسرد كل المقاطع التي ورد ذكر المفردات فيها ، ولكنني سأكتفي بذكر بعض منها، فهاهي ذي تبدأ رحلتها مع مفردة الحب فتقول : اسم القصيدة الصفحة المفردة رفقا بقلبي 10 أسعف أمنياتي ببسمة أمل انتظار 20 وحدائق ملاى بالحب والحنان نافذة الليل 26 ضعني في جيبك زهرة حب الر كن الهادئ 31 ارتد ِ ثوب حبي وداعاً يا أنا 45 وداعاً يانبض القلب .. ياكل الحب لأجلك 52 أنا يا حبيبي قبلة صباحية تختال في أجوائك كن شرقياً 80 توجني على عرش حبك لكن هذا الحب يؤججه الشوق ، لذا نرى الأشواق متناثرة هنا وهناك : اسم القصيدة الصفحة المفردة أليس ظلماً 14 شوقاً إلى بر الأمان أعود 24 وضجيج الشوق يعصف بي أمنية 30وافتح أزراراً في قميص الشوق جمر الانتظار 48 ظفيرة شوق أرسلها إليك أعذرني 69 أشواقي إليك دوماً راحلة خواء 74 أين ضوء عاطفتي وقناديل أشواقي لوحة حب 91 تهديني غيمات الشوق وإذا ماكان هنالك حب ، وكانت نار الأشواق تؤججه ، وكان سيد المساء ذاك المنادى الحاضر /الغائب فكان لابد من انتظار حضوره : اسم القصيدة الصفحة المفردة رفقاَ بقلبي 11 وترميني في وديان الانتظار لاتتأخر 18 فالحب ينتظرنا انتظار 20وباقة أشواق حمراء سقيتها من ماء انتظاري نداء الحب 28 انتظر النداء جمر الانتظار 47 يخبره أني انتظر على جمر الأشواق دفء عينيك 76 يموت مصلوباً في لوح الانتظار ضياع 98 وتجرفني سيول الانتظار والانتظار قد يطول ، وقد يمتد المساء فإذا مساء لانهاية له ، لكن نور الأمل يبزغ من خلل سدف الظلام باعثا في النفس مايحييها : اسم القصيدة الصفحة المفردة ميلاد فجر 14 ميلاد أمل يخرج من عباءة اللاشعور الركن الهادئ 33 أيمم آهاتي بصعيد الأمل زهرة على خد القمر 34 أفتح نافذة الأمل قدري 65 أملي مصوغ من بسماتك لماذا 83 أشعلت قناديل الأمل قالها 92 أعزف على أوتار الأمل ضياع 98 تزفني نسائم الأمل إليك وهكذا تحلق بنا الشاعرة في رحلة مسائية شائقة تتمازج فيها حالات شعورية عدة تبدأ بالحب وتمر بالشوق فالانتظار ليسلمها ذاك إلى الأمل . قصائد الديوان حملت كثيرا من الصور والأخيلة الشعرية الجميلة والاستعارات وأصناف البلاغة التي تأخذ بلب القارئ منها : أقيد الشك بحبال أوردتي أمنحني بعضا مني يا كلي أنا أتسلق جدار الأمنيات وأفتح أزراراً في قميص الشوق يزرع أرقاً في عيني تنفض عني رماد الحزن اكسر عكاز الوقار .. اتكئ على كتفي وهناك بعض من الصور ذات المنبع الديني الذي متحت من فيضه الشاعرة كقولها : أيمم أهاتي بصعيد الأمل. ( فتيمموا صعيدا طيبا ) ارتد ثوب حبي . ( هن لباس لكم وأنتم لباس لهن ) أساقط رطباً بين يديك .(وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا ) أصوم عن كل المشاعر إلا هواه ... ... وأفطر عندما يبتسم . من أجواء الديوان : دفء عينيك اتكئ على شفاه الوعد تسافر بي طيور النوارس لمدن الأحلام تلّون في عيني الحياة تغسلني بماء الدفء تدثرني بالحنان ووعد اللقاء يموت مصلوباً في لوح الانتظار الديوان من إصدارات العام الحالي 2013م ، وحمل إضمامة من سبع وثلاثين قصيدة. شكرا للشاعرة عائشة المحرابي إذ منحتني متعة قراءة أشعار جميلة ورقيقة ، وكثيرا ما أردد ماقالته العرب ( الشعر ما أشعر ) وقصائد الديوان كانت غاية في الشاعرية .