الفصل الثاني / الجزء الثامن مضت ساعة كاملة ، حتى تمكنت من تصفية عقلي المكدود، وقد قررت أن أستمر في حياتي كما هي ، من أجل صغيرتي ومنزلي، حتى لا تعاني من الصراع الذي طالما عانيت منه في حياتي، وخصوصا أنني قد وجدت حبي الأول، ومتنفسي خارج البيت . ابتسمت في المرآة عندما وصل تفكيري عند تلك النقطة، ومشطت شعري في عناية . وخرجت وأنا أهتف باسم زوجتي ووجدتها تتحدث في الهاتف، وقد اعتراها الانفعال عندما وجدتني أمامها وأنهت المكالمة في سرعة وهي تجيب : -أجل يا حبيبي دب الشك في عقلي فجأة وأنا أهتف في حدة غاضبة : -ماذا هناك، ومع من كنت تتحدثين ولا تريديني أن أعلم؟ قفزت منال من الكرسي وهي تجيب في سرعة لا تخلو من التوتر : -لاشئء يا مدحت، هيا لقد أعددت لك الطعام. وتحركت بسرعة باتجاه المطبخ، لكني أمسكت بمعصمها في قسوة وأنا اجذبها نحوي لأنظر مباشرة في عينها قائلا في صرامة : -تعالي إلى هنا وأجيبيني، مع من كنت تتحدثين؟ تأوهت منال في ألم وهي تقول : -مدحت، ماذا جرى لك ؟ أنت تؤلمني تركت معصمها في حركة مباغتة فأمسكت به وهي تحدق بي ثم ترقرقت الدموع في مقلتيها وهي تجيبني في صوت متهدج : -إنني كنت أفضل أن تصبح مفاجأة سعيدة من أجلك يا مدحت، إنه عيد زواجنا وقد أردت أن أعد الحفلة من دون معرفتك كاعتذار لما سبق . وانهمرت دموعها وهي تغادر الردهة لتتركني واقفا أحدق في مكانها الذي كانت تقف فيه .... كالأبله. **** انسدل الليل بأستاره السوداء، لأجلس في شرفة المنزل أرتشف قدح القهوة الذي اعتدت عليه في هدوء وأنا استمتع بنسمات الهواء لأتطلع إلى النجوم وكأني أراها للمرة الأولى . كنت مازلت تحت وقع المفاجأة التي جهزتها منال من أجلى، ومازالت التساؤلات تملأني وتعصف بأفكاري فهل من الممكن أن تتغير زوجتي لمجرد أنني تركت لها المنزل بهذه السرعة وأن تسعى لإرضائي ، وأن تعد الحفل لعيد زواجنا الذي لم نحتفل به من قبل، أم أنها في حالة نادرة للتغير، بخلاف الشعور بالذنب الذي يساورنى بعد التفكير في إسراء، وهل يصبح إرضاء زوجتي هو الخيانة زفرت مجددا في ضيق وأنا أضع القدح من يدي، واستغرقت في تفكير عميق حتى ارتفع أزيز الهاتف من على الطاولة، فالتقطته في سرعة لأجد رقم إسراء. فنظرت حولي لأرى مكان زوجتي ووجدتها أمام جهاز التلفاز تتابع مسلسل المساء، فالتقطت الهاتف ونهضت من الكرسي لأقف في مكان يتيح لي أن أرى حركة زوجتي دون أن تلاحظني وجاء صوت إسراء مفعما بالقلق عبر الهاتف قائلة : -مدحت، هل أنت بخير ؟ أجبتها في سرعة : -أجل أنا بخير تنهدت إسراء في ارتياح وهي تسألني : -ولم تأخرت حتى الآن، ألن تأتى اليوم ؟ ترددت قليلا ثم أجبتها : -إسراء، يبدو أنني لن أستطيع أن أحضر اليوم . أجابني الصمت لعدة ثوان حتى سألتني : -هل سببت لك المزيد من المشاكل يا مدحت؟ أجبتها في سرعة : -كلا، مطلقا يا حبيبتي، إنني فقط متعب اليوم، كما أنني في حاجة لأن أكون في مكتبي غدا صباحا في موعد مبكر لإنهاء بعض الأمور ثم صمت قليلاً لأتابع : -ولكني سأمر عليك بالتأكيد في الغد جاءني صوتها في فرحة : -حسناً يا حبيبي، سأنتظرك وأغلقت الخط ، ووضعت الهاتف في جيبي لأغادر الشرفة وأتخذ مقعدا على الأريكة بجوار زوجتي التي نظرت إلي في عتاب واضح، فابتسمت لها وأنا أمد إليها ذراعي فتأملتني لثانيتين، ثم اقتربت مني ووضعت رأسها على صدري لتهمس : -اشتقت إليك كثيراً ليتعانق بعدها الجسدان ... مجدداً *****