أوصى مؤتمر التصدي للفتن الطائفية، الذي اختتم أعماله، أمس الأول، بالعاصمة صنعاء، الحكومة بإصدار قانون يعتبر التكفير أو التحريض الطائفي ضد المواطنين بمختلف انتماءاتهم الدينية والفكرية، جريمة يعاقب عليها القانون. وأدان العلماء المشاركون في المؤتمر جميع الأعمال الإرهابية والقتل والعبث بأرواح الآخرين عبر التفجيرات بواسطة العبوات والأحزمة الناسفة والسيارات المفخخة والانتحارية وغيرها من الأعمال الناتجة عن التطرف والتعصب الديني. وكان المؤتمر الذي شارك فيه المئات من علماء الشافعية والزيدية والصوفية، من جميع المحافظات، والذي رفض تيارا الإخوان والسلفيين حضوره والمشاركة فيه؛ أكد على ضرورة التصدي ومواجهة التحريض الطائفي وفتاوى التكفير التي تستهدف المجتمع. وقال بيان المؤتمر: «لا يجوز لأحد أن يطلق كلمة الكفر على أحد من المسلمين إلا بموجب حكم قضائي عادل؛ ولذلك يوصي المؤتمرون السلطة بتضمين الدستور نصوصاً تجرم التكفير»، مؤكدا على حرمة المساجد وروّادها، «فلا يجوز الاعتداء عليها ولا على من ارتادها بأي بشكل من الأشكال، ولا يجوز اتخاذها منطلقاً لدعوات التفرقة والتعصب». وطالب العلماء حكومة الوفاق الوطني بالعمل على مراجعة المناهج الدراسية وتنقيتها وتهذيبها «من لغة التكفير والتفسيق والتضليل»، أو ما يوحي بها بأي شكل من الأشكال، مؤكدا على ضرورة «ووجوب تضمينها لآراء المذاهب المعروفة في اليمن، وعدم حصرها في رأي مذهب معين أو اتجاه ديني معين كما هو حاصل في المناهج الحالية، وكذا إشاعة روح التسامح واحترام الآخر وثقافة التنوع والتعدد في تلك المناهج». كما أكد على رفض علماء اليمن للتهديدات الأمريكية بضرب سوريا أو التدخل العسكري في شؤونها، وقال البيان: «يؤكد المؤتمرون على رفضهم تهديدات الإدارة الأمريكية وحلفائها بضرب سوريا والتدخل العسكري في شؤونها، ويعتبرون ما جرى من استخدام السلاح الكيماوي ضد المدنيين الأبرياء في سوريا جريمة نكراء، ويدعون جميع أطراف الشعب السوري إلى الجلوس إلى طاولة الحوار وتغليب مصلحة سوريا وتجنيبها المزيد من الخراب والدمار وإزهاق الأرواح، كما يرفضون أي تدخل خارجي في شؤون المسلمين». ودعا بيان العلماء حكومة الوفاق إلى سرعة إعادة بناء ما دمّرته الحروب، وتعويض كافة الأضرار والمتضررين جراء ذلك في جميع أنحاء اليمن، كما دعوا أبناء الشعب إلى «الحفاظ على أمن الوطن واستقراره، والحفاظ على منجزاته ومقدراته وخيراته وثرواته، ورد ظلامة المظلومين وإعطاء كل ذي حقٍّ حقّه، بما يحقق العدل ويزيل جميع المظالم». وأدان العلماء ظاهرة قطع الطُّرُق وتخويف وقتل المسافرين الآمنين، وعمليات الاختطاف وتفجير أنابيب النفط والغاز، وإتلاف أبراج وأسلاك الكهرباء، «والاغتيالات شبه اليومية». ودعوا رئاسة الدولة والحكومة للقيام بواجبهم للعمل على منع حدوث ذلك، والسعي إلى توفير الأمن والاستقرار، ومعاقبة «كل من يسعى لزعزعة أمْن البلد واستقراره، واستهداف مقدراته، وتقديم الجناة للمحاكمة». وأكد العلماء على أهمية الحوار الوطني، وأن «يكون أكثر شفافية ومصداقية لحل قضايا المواطنين بما يعود عليهم بالخير والأمن، ورفع مستوى معيشتهم»، داعين إلى تشكيل لجنة مصالحة وطنية لحل القضايا والإشكاليات «التي يمكن أن تنشأ بين الأطراف المتعددة في اليمن». وكان مؤتمر «التصدي للفتن الطائفية والمذهبية» الذي تنظمه رابطة علماء اليمن قد افتتح أعماله يوم السبت الماضي بهدف «الخروج برؤية موحدة لمواجهة الفتن والتحريض الطائفي في المجتمع، ونبذ التطرف ونشر الوسطية والاعتدال»- حسب تصريحات منظمي المؤتمر. وخلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الذي حضره عدد كبير من العلماء من مختلف محافظات الجمهورية، ألقى الحبيب سالم عمر بن حفيظ كلمة أكد فيها على ضرورة وحدة الصف وتجنب الاختلافات، وضرورة التقريب بين المسلمين و التعايش والتسامح في ما بينهم، مشيراً إلى خطورة المرحلة التي تعيشها الأمة الإسلامية بسبب النزاعات والفتن والصراعات وتحكم الدول غير الإسلامية بواقع الأمة وفقاً لمصالحها. وقال بن حفيظ « المرحلة التي نمر بها من جملة المراحل التي تحمل أنواعاً من الفِتن الصماء العمياء الدهماء، وإن دعواتِ التنازع هي دعواتُ الفشل ودعواتُ الهزيمة «. وأضاف «يجب أن تتألم القلوب أن أصبح أهل هذا الدين العظيم عُرضةً لأن يُسيَّروا ويُدبَّروا من قبل أعدائها ليُضعِفوا بعضَهم البعض، ويؤذوا بعضَهم البعض، ويقتلوا بعضَهم البعض، ويتطاولوا على بعضهم البعض، ويسبُّوا بعضَهم البعض، ويتحدثون عن أحوال المسلمين وما يدور بينهم كأن الأمرَ تحت دولتهم وفي محلِّ حكمهم، وشؤون المسلمين كأنها تحت حكمهم وفي أمرهم، يتشاورون هم فيها، بل يصرّحون تصريحاً واضحاً بيِّناً، ويقول قادتهم «إنا سنتصرف في الحادثة الفلانية والبلدة الفلانية حسب ما تقتضيه المصلحة العليا لنا!» مصلحتنا العليا ومصلحة بلادنا العليا. قادتهم يقولون هكذا، ويبررونه للناس». بدوره تحدث رئيس رابطة علماء اليمن العلامة شمس الدين شرف الدين عن دور الرابطة في تكريس الوحدة بين العلماء على امتداد الساحة اليمنية، مؤكداً على ضرورة التعايش السلمي بين جميع أفراد المجتمع وحرية التعدد الفكري والمذهبي. وأكد شرف الدين على ضرورة الخروج برؤية وموقف موحد تجاه دعوات الفتنة والتحريض الطائفي، بالإضافة إلى رفض فتاوى التكفير ضد الطوائف والمذاهب الأخرى، والتأكيد على مسؤولية العلماء في توحيد الأمة وتحذيرها من الأخطار المحدقة، داعياً العلماء وولاة الأمر أن يسعوا جميعاً إلى جمع الكلمة ووحدة الصف ونبذ خطاب العنف والعداء في ما بينهم وتوجيه بوصلة العداء نحو عدوهم الحقيقي المتجذرة عداوته في عمق التاريخ والمستمرة حتى الآن. كما ألقيت عدد من الكلمات أبرزها كلمة مفتي محافظة تعز العلامة القاضي سهل بن عقيل وكلمة لمفتي محافظة ذمار القاضي محمد العزي الأكوع أكدا خلالها على ضرورة توحيد صف المسلمين في اليمن، ونبذ التفرقة وعدم الانجرار وراء الدعوات الطائفية الهادفة إلى شق الصف. وخلال الجلسة الثانية قدمت أوراق عمل من العلماء والباحثين المشاركين في المؤتمر أبرزها ورقة عمل لعبدالله حمود العزي بعنوان (التسامح المذهبي في اليمن) وورقة عمل لحمود الأهنومي بعنوان (عالم الزيدية وقاضي المذاهب المختلفة ومفتيهم في اليمن) وكلمة لعبدالعزيز السقاف حملت عنوان (حرمة دم المسلم والاقتتال والعنف) وورقة عمل للدكتور إسماعيل إبراهيم الوزير بعنوان (الفتن الطائفية والمذهبية وأسبابها) وكلمة لعبدالناصر الجنيد حول مخاطر التطرف وأخرى لحسن عجلان النعمي بعنوان (الفتن الطائفية والمذهبية.. الخطورة والحل).