حتى تلك الفتاة التي اعتادت ارتياد مقهى الإنترنت دون التلفت إلى الخلف لن تخبرك الحقيقية، والأمر ليس حكرا عليهن، فما زالت تلك المقاهي محاطة بالشبهات. وما زال من السهل الحصول على رتل من الشتائم والانتقادات بحق مرتادي هذه المقاهي إذا وجهت الأسئلة إلى جيل اقتحم العالم غرفته عبر سلك الهاتف. ويتحدث علماء الاجتماع في هذا الجانب عن عوامل ومحددات للشخصية الإنسانية تعمل دائما على مقاومة التغيير، وتتوقف مرونة هذه العوامل على المستوى الثقافي والاجتماعي. وإذا لم يكن هناك تغيير اجتماعي مخطط له فإن المجتمع يقاومه بقوة، ويزداد معدل المقاومة كلما كان التغيير مفاجئا. وحسب أستاذ علم النفس المساعد في كلية الأداب في جامعة صنعاء الدكتور عبدالحافظ الخامري: «المجتمع يقاوم أي شيء جديد لأن المجتمع يقوم على أنساق وعندما يأتي شيء جديد يعمل نوع من التفكيك لهذه الأنساق ويدخل الشيء الجديد عبر هذا التفكك فالمجتمع يقاوم هذه الظواهر الجديدة لأنها تسبب له تغير وإزعاج». ولا ينسى المتخصصين الإشارة إلى أن المجتمع حذر من الإنترنت ونظر أول الأمر إلى الجانب السلبي فيه وتجاهل كل إيجابياته. وكان مرد ذلك عدم تقبل القادم الجديد عند المؤثرين على الرأي العام، وقد تبنا هذه الحملة بدرجة أساسية خطاب ديني راديكالي، أو جاهل بالأمر برمته. ووقع في نفس الخطأ الكثير من وسائل الإعلام التي قاومت هذا التغيير، ومالت إلى الآراء المعارضة له. كل هذا جعل من مقاهي الإنترنت التي انتشرت بشكل ملفت في كل مكان حتى في محافظات الأطراف مكانا مشبوها. ومرتاديه شواذ. وفي مجتمع محافظ بقيت الفتاة أخر من يمكنه التفكير في زيارة مقهى، أو حتى إلقاء نظرة على الإنترنت من الداخل. ورغم تزايد أعداد المقبلات على استخدام الإنترنت في المدن الرئيسية، إلا أن سؤالهن عما يفعلنه داخل الشبكة العنكبوتية ليس بالأمر السهل. وبسؤال كثيرين فإن المحصلة لا تفرق بين أهداف زيارة الانترنت سواء عند الفتاة أو الشاب. وإذا كان معظمهم يزعمون أنهم يقومون بأبحاث علمية، فإن الغالب أصبح مدمنا على غرف الشات، وتأتي في المرتبة الثانية المنتديات بمختلف موضوعاتها، ثم التراسل، البحث عن هوايات خاصة. تقول أمل أنها أول الأمر زارت أحد مقاهي الإنترنت بدافع الفضول، كانت تريد التطفل على هذا «الإنترنت» الذي يتحدثون عنه. وتزعم اليوم أنها تزور الانترنت فقط للبحث عن معلومة تحتاجها، وتؤكد أن مواقع الشات لا تعنيه، وقالت: «لا تجلب الفائدة، جربتها مرة واحدة ولم أكررها». وتساندها في الرأي صديقتها منال، وتضيف: «لا أفهم ما يقال في الشات» وترى أن الماسنجر الذي تستخدمه أفضل بكثير لأنها تتحدث ما أشخاص تعرفهم. وتبدوا فرص فتيات أخريات مثل إيمان أفضل، فلديها جهازها الخاص في البيت وهي مشتركة في الإنترنت، وقد حدث ذلك من أجل أخوتها في المنزل الذين يدرسون في الجامعة. وقال: «يسمح لي باستخدامه بالتأكيد» وهي تقضي أوقات طويلة داخل الإنترنت خاصة في المساء، ولا تلاقي أي اعتراض «لأن اسرتي يعرفون لماذا أنا على الإنترنت». لكنها مثل الأخريات، لا تدخل غرف الدردشة، وتصف من يرتادونها بأنهم من يعانون من الفراع ويبحثون عن أي شيء لإضاعة الوقت، وهم «اناس فاشلون». أماني وفاطمة فتاتين تواظبان على زيارة الانترنت، وقد حدث هذا بعد اقتناع الأسرة بفائدته، وتؤكد أماني: «من يجب إقناعهم في المنزل هم الرجال، إذا اقتنعوا صار من السهل إقناع البقية». وتبحث الاثنتين عن المقاهي التي تخصص جناحا خاصا بالنساء، فما زلن يؤمن بأن مقاهي الانترنت أماكن مشبوهة، وتستدرك فاطمة: «ليس كلها هناك مقاهي مختلطة تفرض احترامها». ومن يتمكن من فرض جو محترم هم أصحاب هذه المقاهي من وجهة نظرهن. وتتباهى فاتن علي الطالبة في كلية الآداب بأنها «عضو بلاتيني» في منتدى نسائي في الانترنت يهتم بقضايا النساء المختلفة، وقالت: «لدي حتى الآن 600 مشاركة». وتعد هذه المنتديات بين أهم مقاصد الفتيات الأكثر نشاطا من الشباب في هذا الجانب. أخرى اكتفت بكنيتها «أم محمد» تبحث عن خطب عمر خالد، وغيره من الدعاة، وتشارك في منتديات أسلامية للنساء، وترى أن مساوئ الإنترنت لا تساوي شيئا أمام فوائده، وأن المساوئ تأتي قبل الإنترنت، وقالت: «اللي متربي من بيتهم هيستفيد من الانترنت». وتشير «أم محمد» إلى رفيقتها التي تزور الانترنت للتواصل مع خطيبها المغترب في السعودية، وقالت: «كانت تتصل له دقيقة أو اثنتين بمائات الريالات، والآن بثلاثين ريالا تقضي معه نصف ساعة كاملة». حتى اليوم ما زال عدد مرتادات مقاهي الانترنت لا يساوي 2 في المائة مقابل الذكور حسب مديري هذه المقاهي، وهذا لا يلغي وجود نسبة متزايدة، لكنها تملك أجهزة في المنازل بعد اقتناع الأهل بفوائد الإنترنت، لكنها ترفض في نفس الوقت ارتياد مقاهيه، وهناك أيضا من يستفدن من الانترنت الموجود في مقار عملهن. صاحب مقهى انترنت في الدائر واسمه محمد حمود يرى أن سبب دخول الانترنت يبرر للفتاة زيارة المقاهي الإلكترونية، وقال: «إذا كانت تستخدمه بشكل سليم مثل الحصول على معلومة أو إلقاء نظرة على البريد ليش لأ». لكن دخول الشات هو ما يغير نظرة تجاه الفتاه التي ترتاد مقاها، وقال: «90% ممن يدخلون لدى يدخلون الشات وهذا غير سليم». ويفضل محمد أن تكون هناك مقاهي خاصة بالفتيات أو أقسام من مقاهي، «لأن هناك أحيانا شباب سيئين» على حد تعبيره. ويحرم محمد الشات على الفتيات لأنها قد تتورط بسببه في علاقات سيئة. ومثل محمد جاءت ردود كثيرين، يرون أن ارتياد الفتاة مقهى انترنت ليس معيبا، ولكن المعيب المواقع التي قد تختارها، وهذه المواقع التي قد تبدو للوهلة الأولى من حديثهم إباحية هي الشات وغرف الدردشة. استاذ علم النفس الدكتور الخامري قال أن المجتمع بعد تقبله وجود الانترنت وتحسن وعيه تجاه هذا القادم، ما زال يتذكر الأنطبا الأول عن الانترنت باعتباره أدات إفساد، ما زال يقاوم أن تكون ابنته قريبة منه. ويعتقد الدكتور الخامري أن إقبال الفتاة على الإنترنت هو جزء من بحث الفتاة الشرقية عن متنفس، فهي تستطيع أن تكتب ما تشاء وتنقل شخصية من تريد، وليقينها بأنها في الإنترنت شخص مجهول فإنها تكسر الكبت الذي تعيش داخل. ويتعاضم هذا الشهور عندها إذا كانت في المقهى دون علم أهلها، وبالتالي يرى أن معرفتهم ستساعدها على الاستفادة من الإنترنت، لأنها إذا أرادت ستقصده دون علمهم لتجنب أي مشاكل. ولا يتسغرب الدكتور الخامري وجود قيود على الفتاة التي تستخدم الإنترنت حتى في المنزل، وقال: «يفترض أن يكون هناك معايير وحدود القيود على الجميع الفتاة أو الشاب»، ويرى أن القيود التي تفرض على الفتاة أكثر من الشاب تتعلق بالمجتمع اليمني الذي يخشى على الفتاة أكثر من الرجل. ومن الجانب السكلوجي لا يفرق الدكتور الخامري بين المرأة والرجل، فلكلاهما غرائز، لا بد أن تشبع إن لم يكن ذلك بالطرق الشرعية والمسموح بها، فإن الجميع بيبدأ في التفكير في الوسائل الممنوعة. والتشديد على الفتاة في اليمن يتعلق بعادات اجتماعية، جعلت الفتاة هي المسئولة عن شرف الأسرة وما إلى ذلك من أمور تجعلها دائما تحت المجهر.