"حدة عمر" سيدة في العقد الرابع من عمرها غزاها سرطان الثدي واستفحل في صدرها المثخن.. أمت صنعاء من مدينتها "الخوخة" الواقعة على ساحل البحر الأحمر علها تجد دواء لعلتها المزمنة في المركز الوطني للأورام السرطانية بالمستشفى الجمهوري بصنعاء -حديث النشأة- ولكن وصول هذه السيدة وهي أم لتسعة أبناء أصغرهم في الثانية من العمر كان متأخراً مثل تأخر إنشاء هذا المركز الذي رأى النور في سبتمبر من العام الماضي. مركز علاجي يتيم في صنعاء و12ألفاً يلقون حتفهم سنوياً الوباء يغزو 20 ألف يمني كل عام والمبيدات المتهم الأول رحلت السيدة "حدة" عن دنيانا تاركة أبناءها وبيتها وصغيرها أحمد ذي الربيعين فقط.. كان رحيلها الأبدي إجبارياً بسبب الورم الخبيث الذي يتجاوز ضحاياه في اليمن بحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية 9 آلاف شخص سنوياً من بين 20 ألف يغزوهم المرض كل عام. مؤخراً تعالت الأصوات حول هذا الخطر الداهم الذي بات يحصد الأرواح بلا هوادة أو رحمة مستغلاً وجود مركز علاجي وحيد في العاصمة صنعاء بات عاجزاً كما يقول المسؤولون فيه على استيعاب الأعداد الهائلة التي تقصده وبشكل يومي طلباً للخلاص.. ما دفع نائب الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى الإعلان الشهر الماضي خلال تدشينه الحملة الوطنية لدعم مراكز علاج مرضى السرطان عن ترتيبات لافتتاح مراكز تخصصية مماثلة لمركز صنعاء في 5 محافظات أخرى.. كما تصدرت هذه المسألة محادثات مسؤولين يمنيين مع عدد من مسؤولي المنظمات والدول المانحة بصنعاء وكذا إعلان رئيس اللجنة الوطنية للطاقة الذرية ومستشار رئيس الجمهورية للعلوم والتكنولوجيا مصطفى بهران عن منح الوكالة الدولية للطاقة الذرية نحو 800 ألف دولار للمساهمة في إنشاء مركز متخصص لعلاج مرض السرطان في مدينة عدن. أرقام مهولة تنتشر الأورام السرطانية بصورة هائلة وتفترس آلاف اليمنيين سنوياً وفي تقرير حديث لمنظمة الصحة العالمية قدر عدد من يصيبهم السرطان في اليمن ب 20 ألف شخص سنوياً فيما تصل نسبة الوفيات 60% من هذا العدد أي 12 ألف شخص في السنة ويتماثل للشفاء وبحسب التقرير الدولي ما يتراوح نسبته بين 25 30% من المصابين ويعيش لأكثر من عام 10- 15%. ويوضح تقرير منظمة الصحة العالمية بان سرطانات الجهاز الهضمي تمثل في اليمن ما نسبته 8.13% يليه سرطان الفم واللثة بنسبة 7.10% وهذا نوع من السرطان ينتشر في الحديدة بشكل خاص ثم سرطان الغدد اللمفاوية بنسبة 5.10% وسرطان الثدي 4.10 فيما تمثل نسبة سرطان الدم 9.8%. أرقام مهولة لكنها رغم ضخامتها أقل بكثير من الحقيقة إذا ما أدركنا أن المجتمع اليمني ريفي بتكوينه وأن عدداً كبيراً من الريفيين يموتون بعيداً عن أروقة المستشفيات، دون أن ترصدهم الإحصاءات. طوابير الأمل وفي انتظار بصيص الأمل الذي يوفره المركز الوطني للأورام السرطانية بصنعاء تقف طوابير طويلة من المرضى أمام المركز.. ووفقاً للمسؤولين في المركز فإن 90 إلى 100 مريض يتلقون المعالجة يومياً في المركز بواسطة الإشعاع عبر جهاز واحد متوفر يطلق عليه "كوبلت 60" وهو جهاز حصل عليه المركز هدية من الوكالة الدولية للطاقة الذرية.. ويؤكد المسؤولون بأن هذه النسبة اليومية تعد أعلى بكثير من طاقة المركز العادية من أجل استيعاب قائمة انتظار تضم 400 مريض ينتظرون العلاج بالإشعاع.. ويتساءل هؤلاء بحسرة كيف يمكن لجهاز يتيم أن يفي بحاجة هذا الطابور من المرضى.. وهو تساؤل يحمل لوعة أمل في أن يتم رفد المركز بجهاز آخر ربما يسهم في تخفيف حدة نزيف العملة الصعبة التي تهدر في المعالجات خارج اليمن. مشاكل أخرى ومن المشاكل التي يسردها المختصون في المركز عدم استقرار توفر الدواء الكيميائي اللازم في المركز بل وأحياناً في السوق اليمنية بشكل عام.. ويوضحون بأن الأدوية التي توفرها الجمعية الخيرية لمراكز دعم مرض السرطان تنقطع بين حين وآخر وهو مايؤدي إلى مشاكل خطيرة للمرضى الذين يتلقون العلاج الكيماوي وخاصة الفقراء منهم الذين لايقدريون على تحمل نفقات الدواء. المسؤولون في وزارة الصحة العامة والسكان يقولون بأن الدولة كانت وماتزال توفر الأدوية الكيماوية لمرضى السرطان بمبلغ 700ألف دولار سنوياً. غير أن مختصين في المركز يؤكدون بأن هذه الأدوية هي كل ما كان يتوفر لمرضى السرطان، ويحذرون بأن عدم توفر الدواء بصورة منتظمة يتسبب في انتكاسات متلاحقة للمصابين. ويشددون على ضرورة أن تقوم وزارة الصحة وصندوق الدواء وشركات الأدوية بضمان استمرارية الأدوية، وتحديث قائمة وزارة الصحة بالأدوية الجديدة المطلوبة والجيدة حيث أن بعض الأدوية تكون غير صالحة للاستخدام أو رديئة الصنع، وبعض أصنافها الهامة غير كافية فيما يتكاثر عدد المرضى بصورة كبيرة في مختلف أنحاء الجمهورية. تجهيزات إضافية والمركز الوطني للأورام السرطانية بالمستشفى الجمهوري بصنعاء والذي كلف بناؤه نحو 729ألف دولار مازال بحاجة ماسة كما يؤكد مسؤولوه إلى استكمال تجهيزاته وعلى وجه التحديد تزويده بجهاز (المعجل الخطي) وشراء وحدة معالجة إضافية، وتجهيز قسم الطب النووي باعتباره من أهم أقسام السرطان بالإضافة إلى استكمال أجهزة التشخيص، وجهاز تخطيط قبل العلاج، ومعالجة إشعاع، حيث يواجه المركز ضغطاً شديداً بسبب وجود جهاز واحد فقط. كما يؤكد المختصون في المركز على ضرورة إعطاء خصوصية للمركز باعتباره يخدم جميع المحافظات ومواجهة العدد الكبير من المرض مع نقص واضح في كبائن تحضير العلاج الكيماوي أسباب الداء وتظل الأسباب الرئيسية المرتبطة بتوسع انتشار مرض السرطان في اليمن ذات علاقة وطيدة بسموم المبيدات التي تستخدم في أنواع الثمار الزراعية ولعل أبرزها القات وتعتبر مشكلة تداول المبيدات عن طريق بيعها بشكل طبيعي واستخدامها من قبل الزارعين بطرق غير علمية من أبرز الأخطار التي تهدد بتوسع انتشار الأورام السرطانية الخبيثة وعلى الرغم من أن أغلب المشاكل الناجمة عن المبيدات تتمثل في عمليات تهريبها وإدخالها بطرق غير مشروعة فقد كشفت معلومات أن اليمن استوردت العام الماضي قرابة مليوني لتر من المبيدات بقيمة سبعة ملايين دولار من 75 شركة في 19 دولة.. ما ضاعف من انتشار السرطان في اليمن.