نوقشت يوم الأربعاء الماضي في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بالمملكة المغربية, أطروحة الدكتوراه, التي تقدم بها الباحث اليمني قائد غيلان العلوي, والموسومة ب(اتجاهات النقد الأدبي المعاصر في اليمن) أرجع الباحث أهمية هذه الدراسة إلى كونها تأتي لتكمل دراسات سابقة في النقد الأدبي في اليمن، مثل دراسة الدكتور عبدالعزيز المقالح (أوليات النقد الأدبي في اليمن 1939 _ 1948) ودراسة الأستاذ عبد الفتاح الحكيمي (النقد الأدبي والمعارك القلمية في اليمن 1932 _ 1955) ودراسة الدكتور رياض القرشي ( النقد الأدبي الحديث في اليمن: النشأة والتطور). صادق السلمي ويرجع الباحث غياب دارسات نقد النقد في اليمن إلى تأخر دخول المناهج النقدية المعاصرة الحياة النقدية في اليمن. من هنا تأتي الحاجة الملحة إلى دراسة تتناول النقد الأدبي في المرحلة التي بقيت في انتظار الدرس النقدي، وهي من منتصف الثمانينات من القرن الماضي حتى عام 2008، و هو ما حاولت هذه الدراسة أن تقوم به. انتظمت هذه الدراسة في مقدمة وتمهيد وخمسة فصول, تناولت النقد الموضوعاتي، والنقد الواقعي، والنقد الأسلوبي، والنقد البنيوي، والتناص. وقد بدأ كل فصل بتقديم نظري قدم فيه عرضاً للخلفية النظرية للمنهج ثم انتقل إلى الجانب التطبيقي على النقد اليمني من خلال النماذج المختارة. اختار الباحث نماذج هذه الدراسة من تلك الدراسات التي رآها تقترب أكثر من غيرها من المناهج النقدية المعاصرة، ولأن بعضها صرحت بالمنهج النقدي الذي تسيرعليه, فقد سهل التعامل النقدي معها أكثر من غيرها, وذلك مثل الأسلوبية التي مثل لها بدراسة عبد الله حسين البار، والبنيوية بدراسة آمنة يوسف، والتناص بدراسة إبراهيم أبو طالب، باعتبار هذه النماذج أقرب إلى الشروط العلمية. كما اختار الباحث نماذج من الدراسات السردية لعبد العزيز المقالح نموذجاً للنقد الواقعي في اليمن، وذلك لأن المادة النقدية لهذا الناقد تصرح أولاً بانتمائها للواقعية، كما أنها من ناحية ثانية تستخدم مصطلحات هذا المنهج وتستند عليه في إصدار الأحكام, ولأن المقالح من ناحية أخرى، وفي دراسة هامة له (صدمة الحجارة) يستخدم بامتياز المنهج الموضوعاتي, فقد اختاره الباحث إلى جانب كتاب الدكتور الحميري (الذات الشاعرة) كنموذجين لهذا المنهج, تضمنهما الفصل الأول من الدراسة. أما فيما يتعلق بمنهج البحث، فقد اختار الباحث المنهج الوصفي التحليلي الذي رأى فيه قدرة على عرض المفاهيم والقضايا وتمحيص دقتها وصحتها ومدى فعاليتها. ويشير الباحث في معرض حديثه إلى خصوصية منهجه من خلال استفادته من الخطوات المنهجية التي طوّرها الناقد عبد الواحد المرابط بناءً على جهود مجموعة من النقاد المغاربة، فقد اتكأ هذا الناقد على طروحات الدكتور محمد خرماش، والدكتور حميد لحمداني، والدكتور محمد الدغمومي، والدكتور محمد مفتاح. حيث توصل الباحث في نهاية المطاف إلى صياغة منهجية لمستويات تحليلية تركزت في: 1. منهج الناقد ومنطلقاته. 2. الموضوع والمتن. 3.المستندات المرجعية. 4.العمليات النقدية. تناول الباحث في التمهيد النقد الأدبي الحديث في اليمن، منذ بداياته الأولى في أواخر الثلاثينات من القرن الماضي, إلى منتصف الثمانينات منه، من خلال نماذج ومتون اختارها, تمثلت في كتابات البردوني والشامي والمقالح, التي وجد الباحث في جميعها _ باستثناء الشامي _ تأثرا كبيراًً بموجة النقد الواقعي العربي. أما الفصل الأول الذي تناول فيه النقد الموضوعاتي بدأه بعرض مفهوم هذا المنهج وحدوده. ثم انتقل إلى دراسة تطبيقات هذا المنهج في النقد اليمني من خلال كتابات المقالح والحميري. وبدأ من المقالح، حيث حاول التعرف على منهجه النقدي من خلال المتن الذي حدده لهذا الغرض معتمداً على كتاب( صدمة الحجارة.. دراسة في قصيدة الانتفاضة ). كما تناول الباحث تجربة الدكتور عبدالواسع الحميري من خلال دراسته ( الذات الشاعرة في شعر الحداثة العربية). حيث تتبع الباحث أهداف الناقد المعلنة وعلاقتها بالمنهج، ورأى الباحث صعوبة التحديد لغياب ذكر المنهج والاكتفاء بالإشارة إلى مسألتي التفسير والتأويل, اللتان يشترك فيهما اتجاهات نقدية عدة، وهي في الأساس تحيل إلى البنيوية التكوينية, خاصة عندما ترتبط بمفهوم رؤية العالم، ولكن الباحث سوغ دراستها ضمن هذا الفصل كونها تعنى بقضايا التأويل والعلاقة بالعالم في الفكر الوجودي الوثيق الصلة بالمنهج الموضوعاتي, ذلك أن الفكر الوجودي هو بالإضافة إلى الظاهراتية والتحليل النفسي، الأساس النظري لهذا المنهج، فالناقد ظل في كل دراسته لصيقاً بالفكر الوجودي في بحثه عن الذات الشاعرة داخل النصوص, فالفكر لا الفن هو ما كان يشغل الناقد طيلة البحث. أما في الفصل الثاني فقد تناول الباحث فيه النقد الواقعي، بدأه بعرض سريع لمفهوم المنهج، ثم مثل لنموذجه بالدكتور عبد العزيز المقالح في تعامله مع النصوص السردية, من خلال كتابه ( دراسات في الرواية والقصة القصيرة في اليمن) بالإضافة إلى فصلين في كتابين منفصلين هما ( نقوش مأربية ) و( أصوات من الزمن الجديد ). وقد بدأ بالمنهج النقدي عند الناقد من خلال تصريحاته أولاً، ومن خلال منهجه في التعامل مع النص أثناء التطبيق ثانياً، وقد لاحظ الباحث أن الناقد متأثرٌ بشكل كبير بالمنهج الواقعي كما وصله عن طريق النقاد الواقعيين العرب. كما رأى الباحث إن دراسات المقالح النقدية في مجال السرد تفتقر كثيراً إلى المصطلحات النقدية المعاصرة في هذا المجال، وهذا ما يُبقي دراسات الناقد في مجال السرديات أقرب إلى القراءات التقليدية منها إلى النقد المعاصر، فقد رأى أن مفهومه للراوي مازال تقليدياً وقديماً، إذ مازال ملتبساً لديه بالكاتب، وهو ما تجاوزه النقد المعاصر، وقدم لذلك مجموعة من الشواهد من نصوص الناقد. أما الفصل الثالث فقد خصصه الباحث للنقد الأسلوبي وبعد استعراضه لمفاهيم هذا المنهج وأهم مدارسه، توقف عند كتابات الدكتور عبد الله حسين البار, حيث ناقش منهج الناقد ومستنداته المرجعية، وقد وجد غياب الاتساق بين المنهج الذي يريد تطبيقَه وبين مستنداته المرجعية، وخاصة دراسة الدكتور فهد عكام التي يصفها الناقد بالتكاملية تارة والتأويلية تارة والنفسية والاجتماعية تارة أخرى، في حين يريد أن يعتمدها أساساً لدراسته التي يريد لها أن تكون أسلوبية. كما وجد الباحث في دراسة البار خلطاً بين المعالجة الأسلوبية والمعالجة البنيوية, فقد كانت منهجية الناقد في التحليل قائمة على البحث عن البنية الكلية للنص أو دراستِه في بنيات منفصلة تجمعها بنية كلية تربطها وحدة عضوية ظاهرة أو ضمنية، تلك الطريقة في المعالجة تقترب من الدراسات البنيوية التي تدرس الأدب أو كل وحدة أدبية دراسة بنيوية, وأية دراسة تعنى بذلك هي بالضرورة دراسة بنيوية. كما وجد الباحث خلطاً عند الناقد بين التحليل البلاغي والتحليل الأسلوبي. فإذا كان التحليل البلاغي يدرس الصور الشعرية في ذاتها فإن التحليل الأسلوبي لا يهتم بها إلا في حدود ما تمثله من حضور في النص بحيث تشكل سمة أسلوبية مميزة، كما وجد الباحث أن دراسة الناقد البار سعت لانتقاء الصور الشعرية التي تبدو له أكثر شعرية، في حين كان يجب عليه أن يتتبع الأكثر تردداً، أي ما يمثل سمة أسلوبية بارزة؛ لذا اقتربت دراسته من الدراسة البلاغية وابتعدت عن الدرس الأسلوبي. أما النقد البنيوي في اليمن فقد خصص له الباحث الفصل الرابع من هذه الدراسة، من خلال دراسة الناقدة اليمنية آمنة يوسف ( شعرية القصة القصيرة في اليمن)، وقد استعرض الباحث المتن المدروس وتنظيم الدراسة، فوجد المتن متداخلاً، مما أدى إلى كثرة النماذج المدروسة، كما وجد تكراراً للموضوعات أرجعه الباحث إلى عدم الوضوح في منهجية البحث وهيكليته. أما ما يخص المنهج النقدي، فقد وجد الباحث تناقضاً منهجياً من جهة, وتملُّصاً من المنهج من جهة أخرى, أرجعه الباحث إلى المرونة النقدية التي أعلنتها الناقدة في مقدمة الدراسة, والتي لا يرى الباحث فيها سوى الرغبة في التملّص من تطبيق المنهج والهروب من تبعات الالتزام. ويشير الباحث إلى تضمن دراسة آمنة يوسف لمجموعة من الأحكام النقدية التي تنتمي إلى حقول نقدية أخرى بعيدة عن البنيوية، مثل دراسة المضامين الاجتماعية أو الفلسفية أو النفسية للعمل الأدبي، مثل النقد الأيديولوجي أو النقد الواقعي الانعكاسي والنقد السوسيولوجي, وخاصة مصطلحي الوعي الكائن والوعي الممكن عند جولدمان. أما الفصل الخامس والأخير فقد خُصص للتناص ومفهومه في النقد اليمني. تناول الباحث في البداية مفهوم التناص وأصوله المعرفية، فعرض مفهوم الحوارية عند باختين، باعتباره الأساس الذي بنت عليه جوليا كريستيفا مفهومها للتناص، كما تناول مفهوم التناص عند كريستيفا ورولان بارت، ثم عرض تطوير جيرار جينيت لهذا المفهوم, وحديثه عن التعالي النصي أو التفاعل النصي حسب سعيد يقطين. ثم انتقل إلى دراسة التناص في النقد اليمني، وأشار إلى تناول هذا المفهوم من قبل الناقدين سعيد سالم الجريري وعبد الواسع الحميري. ثم قدم دراسة تفصيلية لكتاب (الموروثات الشعبية القصصية في الرواية اليمنية) للناقد إبراهيم أبو طالب. واستعرض في البداية موضوع الدراسة ومتنها، ثم انتقل إلى المنهج والمستندات المرجعية للدراسة، حيث كان المتن الذي حدده الناقد واسعاً جداً بحيث يصعب أن تستوعب الدراسة كل ذلك، فقد اتسعت لتشمل 33 رواية تمتد لواحد وستين عاماً. ولذا فإن الناقد كما يرى الباحث لجأ إلى أسلوب رصد وإحصاء النصوص الروائية التي تحتوي أو تشير إلى موروث شعبي ما, مما جعل عمله محصوراً في جمع الشيء في الرواية وذكر ما يقابله أو يشبهه في التراث الأسطوري أو الديني أو الشعبي. كما وجد الباحث أن الدراسة تركز في التحليل على التأثر، ولم تتحدث عن تفاعل النص الروائي مع الموروثات الشعبية و دلالتها الجديدة في النص اللاحق, فنحن أمام تجميع إشارات، وجمع المتشابهات، وفي أحسن الأحوال دراسة الأثر، وهي طريقة معروفة في الدراسات التاريخية و الدراسات المقارنة، وليست تناصاً. كما وجد الباحث أن الناقد يخرج عن منهجه النقدي ليرجع إلى المنهج التاريخي والمنهج الاجتماعي، وهما من المناهج النقدية التقليدية، يعودان إلى مراحل سابقة على علم النص. أما الخاتمة فقد سجل الباحث خلاصة مفادها أن النقاد اليمنيين يلتقون عند نقطة واحدة هي عدم الالتزام المنهجي، والاغتراف بحرية مطلقة من منابع ومناهج شتى؛ تستوي في ذلك الدراسات الأكاديمية وغير الأكاديمية، و يرى أن الكثير منهم وَجد ضالته في المنهج التكاملي الذي يسمح للناقد أن يستفيد من عدة مناهج, وأحيانا كلِّها في وقت واحد. تشكلت لجنة المناقشة من الأساتذة: أ.د. محمد بوحمدي رئيساً أ.د. محمد خرماش مقرراً أ.د. أحمد الدويري عضواً أ.د. محمد مساعدي عضواً و قد حازت الرسالة على تقدير(مشرف جداً), كما أوصت اللجنة بطباعة الرسالة.