لعل النظام القائم في الجمهورية اليمنية يدرك تماماً أنه إما أن يستأصل الفساد، أو أن يستأصله الفساد... المشكلة في أن النفوذ القبلي داخل السلطة الحاكمة يتوسع على حساب النفوذ المدني، فضلاً عن أن ذلكم النفوذ القبلي مرة أخرى يتوسع حتى داخل السلطة المعارضة!! (القبائل) في بلادنا مستمرة في البحث عن مواطن أقدامها في بلاطات السياسة،، ومشايخ القبائل يدفعون السلطة إلى مواجهة الشعب لكي يحافظوا على مكانتهم في منزلة بين المنزلتين، منزلة السلطة السياسية ومنزلة السلطة الشعبية!! رجالات القبائل يعلمون أن الأحزاب والتنظيمات السياسية المختلفة في اليمن تستقوي بهم في كل نائبة من نوائب الدهر حتى تحافظ تلكم الأحزاب والتنظيمات على حضورها... رجالات القبائل يعرفون كيف يأكلون كافة الأحزاب والتنظيمات السياسية من أكتافها!! وحتى القطاعات الوظيفية والإدارية والمؤسسية والعسكرية إنما يسيطر على مفاصلها أناس من الأطراف القبلية المتنفذة داخل أنظمةالحكم، والتي لا تألو جهداً في صبغ دوائر الحكومة بصبغة قبلية مناطقية سُلالية تذهب بالبلاد كل مذهب!! كل شيخ منطقة أو جهة يزرع له أوتاداً في مؤسسات الدولة ليطغوا في البلاد ويكثروا فيها الفساد... ولما كانت سلطة القانون غائبة استفحل خطر هؤلاء حتى أنهم اليوم استولوا على قرار الحاكمية في المين، ولا تستطيع الدولة أن تبرم أمراً إلا من بعد مصالحة القبائل التي تمسي مع الدولة وتصبح ضدها أو تصبح معها وتمسي ضدها. لا نقف ضد القبيلة بما هي كيان اجتماعي تنتمي إليه مجموعة من الناس، إنما تقف ضدها بما هي مجموعة من العساكر المجندين لتوسع أفخاذها وبطونها وعشائرها بواسطة نهش البلاد جسداً وروحاً!! الجمهورية اليمنية ليست من التعقيد بحيث نجزم إن قبائلها لا يمكن أن تتعايش وتتآلف، فقد تعايشت وتآلفت قبائل الجزيرة وبالخليج التي لم يكن أحد ليتوقع منها ذلك، وليست في حاجة إلى تضييق الخناق على مطالبها الاستفزازية وفرض هيمنة النظام والقانون كما تفعل كل الدول!! جاءت الديمقراطية لأجل الخلاص من ديكتاتورية القرار السياسي وديكتاتورية الأحكام العرفية فإذا بالقبيلة تصنع القرار السياسي وإذا بالساسة يتحولون إلى الأحكام العرفية القبلية.. حتى يسترجع النظام السياسي هيبته من براثن القبائل التي تلعب على حبلين، حبل من الرأس وحبل من الناس ؟! محالٌ على فراعنة السياسة أن ينجحوا في إسكات الجماهير وتكميم المستضعفين عبر أدوات فراعنة القبائل، فكم سيظل أبناء الشعب صامتين وهم يسمعون قرع نعال الفاسدين فوق رؤوسهم التي أثقلها خبراء صناعة الزوامل؟!!