ما إن تبدأ تباشير شهر رمضان المبارك تطل على البشرية والعالم الإسلامي بوجه خاص، إلا ويبدأ الاندفاع والتسابق المشوب بالنهم والرغبة في الاستحواذ على أكبر قدر من السلع الاستهلاكية، الغذائية والكمالية وما إلى ذلك، وكأن رمضان بفضله وبركاته ليس إلا شهراً من المفترض به أن يكون مثقلاً بالبطون المترعة بما لذ وطاب من الأكل والشراب، فقبل حلوله بأسابيع ضيفاً عزيزاً علينا، نجدنا مندفعين نحو الشراء رغبة منا في إشباع نهمنا الاستهلاكي ليس إلا، متناسين أهداف ورسالة الشهر الفضيل المتمثلة في أمور جلها تصب في مصلحتنا، منها ترويض النفس، والتعرف وخاصة من قبل بعضنا على معاناة الجوع والعطش لمدة شهر واحد لا غير من أجل تذكر ما لا يحصى من البشر ممن لا يستطيعون سد رمقهم على مدار العام بأكمله. ثقافة الاستهلاك الرمضانية المعروفة لدينا والتي لا تحتكم إلى روح العقل بل تحدو بنا إلى حيث الإسراف في شراء الأطايب والأفاخر من المأكولات والمشروبات و( يا نفس ما تشتهي)، يضاهيها في ذلك حجم كبير من معروضات السلع الغذائية المحلية والخارجية في الأسواق التي تعيش انتعاشاً منقطع النظير خلال شهري شعبان ورمضان، بعد كساد تُمنى به خلال الأشهر الأخرى ماعدا مواسم الأعياد. جميل أن ينتعش السوق ولكن الأجمل ألا يؤدي ذلك إلى البذخ والإسراف في البيوت مما يكون له الأثر السلبي على ميزانية الأسرة وخاصة في المدة التي تلي الشهر الفضيل، ورائع ذلك الحشد من معارض المواد الغذائية التي توفر ما يحتاجه الناس تحت سقف واحد وبأسعار مدونة على كل سلعة تجعل المستهلك يختار ما يناسبه من السلع ( جودة وأسعاراً ) دون إكراه، غير أن الروعة بمكان أن تجد هذه المعارض مساحة لها على صفحات أشهر العام التي تفتقر إلى مثل هذه المعارض، مما يجعل المستهلك رهين الأسعار المحلقة بأجنحة الخيال، والسلع المغشوشة أو التي تخيم عليها الصلاحيات المنتهية. لقد ترسخت ثقافة الاستهلاك لدينا كعادة توطنت ضمن طقوسنا لاستقبال وإقامة شهر رمضان المبارك بيننا، وكأنها جزء مهم لكي ندرك قدوم رمضان علينا، أو لعلنا لا نستطيع أن نقتنع بوجود رمضان بيننا إلا بها، ولكن أليس إلى حل من سبيل ؟! الحلول برمتها بين أيدينا إذا ما تبنينا سياسة مضمونها التوعية الاستهلاكية التي تجعل من الفرد والمجتمع يدركان الآثار السلبية للبذخ والإسراف في شراء ما يفيض عن الحاجة بحجة أن شهر رمضان متعود على ذلك، وحاشاه أن يكون كذلك، فرمضان يعلمنا الصبر وكبح جماح الشهوات، وتفقد الفقراء والمساكين وإكرامهم والجود عليهم بأفضل ما لدينا، هكذا هو رمضان، بل وأعلى من ذلك، وهنا أيضاً من الحلول المهمة تجب التوعية برسالة هذا الشهر الفضيل، عسانا نمد أيدي التصالح معه، ونعاهده على التمسك بأهدافه ورسالته.