أن تطرح فكرة أو رأياً في إشكال وطني أو جمعي حدث وفي دولة تتبني النظام الديمقراطي لا تهدف إلى فرضه كمسلمة أو من الثوابت على غيرك، فإن ذلك يندرج تحت الأفعال التي اقترنت بالقول بحق الإنسان في التعبير عن رأيه وبحرية الرأي والرأي الآخر، يسأل سائل أين الفعل هنا في فكرة أو رأي أو مبادرة طرحت؟ الفعل هنا ارتبط مباشرة بالدعوة إلى ذلك بالوسائل السلمية والقانونية وعرضها على المجتمع للمشاركة في بلورتها إن قبلها، ولا ضير إن رفضها ووجد فكرة أخرى يرى فيها الحل الأفضل.. إن هذا التجرد بالطرح للفكرة أو الرأي أو المبادرة نابعة من الإحساس العميق بثقل المسئولية وبضرورة المشاركة في تبادل الأراء مع كافة أبناء وفئات وشرائح المجتمع دون إقصاء أو امتلاك للحقيقة وبإدراك ووعي للدلالة الصادقة للسلوك الديمقراطي وقيم ومبادئ النظام الديمقراطي. غير المقبول أن تتم مهاجمة هذا الفكر وتشويهه من قبل جهات وأفراد تتمثل النظام الديمقراطي، والأغرب من ذلك أن من يهاجم أو يبدأ بالحملات التزيفية لوعي الشعب هو من أستهدفته الفكرة والمبادرة لإنقاذه مما هو فيه من اختناق في الأفق عجز معها على حل المشكلة التي تسبب بوجودها، صانعاً منها أزمة وطنية وهو في حاجة إلى من يهديه إلى خيوط الحل بينما حملت بعض الأفكار الأخرى المضادة طرحاً رفضياً للفكرة مفندة أسباب الرفض وعلاته بموضوعية ودون اتهامات للأخر أو انكار ذلك عليه، على الرغم من كونها لا تتفق مع الفكرة وأحياناً تقف بموقف المحافظ جداً ضدها... بلادنا تعيش مأساة غياب الفكرة وتغييب الحوار والحنين الدائم للمنظومة الحاكمة والسياسية للثقافة الشمولية، وامتلاك الحقيقة، ورفض الآخر، وتقبل الرأي والرأي الآخر أفرزت واقعاً سياسياً واجتماعياً وانقسامياً، سهَّل الانقياد لحلبات الصراع وجولاتها المتضادة في متوالية هندسية لا تنتهي، وإن بدا الأمر أن وقائع الصراع قد تخطت وقفتها الأخيرة سنون، إلا أنها فجأة تعود للواقع دون تحذيرات، فتتوسع دوائر التقسم والتجزئة، وتتنوع مصادره داخل المجتمع والدولة، فاللجوء إلى متاريس القوة وإلغاء الأخر وعدم قبول الاحتكام للغة الحوار واستبدالها بواحدية الرأي والحكم وامتلاك الحقيقة أفضت إلى ما هي عليه أحوالنا اليوم. كان الأحرى باليمن دولة ومجتمعاً، نخبة ومحكومين، سلطة ومعارضة، الاستفادة من الفرصة التاريخية التي تحققت في الولوج إلى العالم الديمقراطي وفضاءاته الفسيحة، والتوقف قليلاً في محطات الرحلة ذات ال19عاماً لإفراغ ثقافة التصادم والمواجهة، وعدم قبول الآخر والاقتراب بشجاعة من قيم الحوار والتعددية والتنوع ولو من باب التجربة طالما وأن اليمن دخلت من بوابة الديمقراطية إلا أن التجربة الديمقراطية الناشئة ظلت ناشئة في قيمها وجوهرها ومبادئها وسلوكها تحت وطأة التشبع الشمولي ورفض الآخر وضحالة الوجود الحواري مع الآخر أوجدت ديمقراطية كرتونية، وشكلية، ظاهرها دولة المؤسسات والدستور والقانون، وباطنها قانون القوة اللاعب الحقيقي في الساحة. لذلك لا غرابة في أن تجد لدى معظم فئات النخبة السياسية والاجتماعية والثقافية والفكرية والإعلامية تعصباً لوجهة النظر التي تعبر عنه ورفضاً تصادمياً للرأي الآخر أو حتى مجرد القبول به كفكرة ورأي ومبادرة مطروحة للحوار... ليجد اليمنيون بعد19عاماً من الديمقراطية أنفسهم ممزقين وانقساميين وأوحديين أكثر في مدد الديكتاتورية والشمولية.