الباحث والمتأمل في الشأن الوطني يرى أن اليمن تتأخر في كل المجالات وليست متأخرة بالقدر نفسه الذي تتصف به بعض الدول العربية، رغم شحة موارد بعض هذه الدول "وعلى سبيل المثال الأردن التي لايوجد بها نفط... وتعتمد فقط على السياحة كمجال استثماري له عوائده على اقتصادها، ومع ذلك نلاحظ أن الأردن حققت نجاحات وتحولات في كافة المجالات، ونحن في اليمن لدينا ثروات نفطية ومعدنية وسمكية لكن كما يقول المثل: "كأنك يابو زيد ما غزيت.." استخرجنا النفط.. واليوم شارف على النضوب، لكننا خلال هذه الفترة الطويلة لم نرَ خيراً، ولم نلمس عائداته، وهكذا يسري الحال على الثروة السمكية وغيرها. العالم يتقدم ونحن نتأخر، الدول تتنافس فيما بينها من أجل الأفضل والرُقي بشعوبها ونحن نتنافس للأسوأ، نافسنا الصومال وغيرها، والسؤال الذي يخطر دائماً ببالي هو: لماذا اليمن قزم في كل المجالات؟ في السياسة والاقتصاد والسياحة.. حتى في الرياضة، وأكبر برهان على ذلك ما تعرضت له الكرة اليمنية من سخرية واستهزاء في (خليجي19 في عُمان). هذا هو حالنا اليوم، حيث وصل بنا الأمر إلى أنه لم يستطع أحد أن يجارينا في الفشل.. والفساد والتخلف.. وهذا مرده إلى أن هناك اهتمامات بالمصالح السلطوية فقط، لكن الاهتمام بشأن الوطن والمواطن غائب تماماً، لاتوجد لدينا مؤسسات حديثة وفعالة، وإنما يوجد فساد مؤسسات، وعبث بالمال العام، والتضييق على هامش الحرية، هيبة الدولة غائبة، فقط يقتصر وجودها على المواطن الضعيف المغلوب على أمره، الذي يتعرض يومياً للظلم والتعسف والابتزاز، وطن تسيطر عليه شريعة الغاب "القوي يأكل الضعيف" وتسكنه الأزمات والصراعات وطن يدار بمزاج سلطوي، هناك حكومات متعاقبة فاشلة وديكورية تُلمِّع فقط السلطة.. بغياب المؤسسات الحديثة الفعّالة.كما أسلفنا تكون المؤسسة الوطنية ضائعة، ونحن بحاجة إليها. نحن في اليمن بشكل عام أنغمسنا كثيراً في واقعنا المتخلف كل التخلف، وهناك تدهور سريع ومخيف.. وهذا التدهور طغى على كل المجالات، أما الاهتمام بإنقاذ الوطن من هذا التدهور فهو غائب. أشعر أن لدينا في هذه المرحلة اختناقاً سياسياً خطيراً، نتيجة لموقف السلطة التي لم تعد قادرة على الاستجابة لتطلعات وطموحات المواطنين، فالمجتمع نما وهناك حراك سياسي واجتماعي كبير جداً، وأصبح يتطلب الكثير من الانجازات.. لكن السلطة عاجزة على مواكبته والاستجابة لهذه التطلعات.. مثلما فشلت فشلاً ذريعاً من قبل، سواء أنها لم تنجح في استثمارها في البنية التحتية، ولا في الإنسان، ولا في التعليم، ولا في أمور كثيرة، أعتقد أنها لم تضع منذ توليها الحكم إلى اليوم "المواطن" ضمن قائمة أولوياتها، فقط عملت جاهدة على إنتاج المشاريع، وإعداد الخطط التي تضمن البقاء واستمرارية الحكم والتربع على عرش السلطة حتى آخر نفس وتم إنتاج وخوض الحروب من أجل ذلك، وبالتالي فالمصلحة الخاصة طغت على المصلحة الوطنية العامة.. ووضعت ضمن قائمة الأولويات.