أضواء خافتة بألوان ممزوجة وموسيقى صاخبة لا تورث أي معنى للراحة النفسية، فتيات يملأن المكان، عيونهن زائغة، ما يقع على جسدهن من الثياب لا يؤدي وظيفته بل عكسها، قماش ملون وضاغط ومزركش يعري ولايستر يجذب أعين الناس ويطمع أيديهم في لمس تلك الأجسام شبه العارية. تذكرة وصدفة ثالثهما نفس أمارة بالسوء أغرتني أن أدخل إلى ذلك المكان في البداية كنت أريد أن أثبت لنفسي ألا شيء مما يقص ويحكى عن فساد خلقي يجتاح مدينتي الحبيبة، وثانيها الاطلاع وحب مشاهدة الممنوع والولوج إلى عالم غريب وجديد. أحسست برهبة وخوف في المكان فلا شيء محرم في ذلك المرقص السياحي على الإطلاق، كؤوس الخمر تتناقلها الأيادي وهي التي أعلم وأوقن تمام اليقين بأنها تستوجب النار لشاربها واللعنة لثمانية ممن يرتبطون بها ,هنا لايبدوا لهذا الكلام أي معنى . الصوت عالٍ بشكل كبير اضطرني إلى وضع قطع صغيرة من المناديل على أذني فيما حواسي منتبهة ليس حباً وفتنة بما أرى بل أكاد أكون وحدي أتحاشى ملامسة أجساد الفتيات العارية أو الارتطام بهن في تلك الزحمة المظلمة والرائحة النتنة للخمرة التي تفوح من كل زاوية ولا يكسر حدتها إلا مرور فتاة أغرقت نفسها بقنينة عطر. استلزم الأمر دقائق عديدة كي أظهر التجلد وأحاول التأقلم مع المكان ولو مؤقتا ما أعتبره جرماً خارج باب هذا المكان بداخله أراه فعلاً تحمد عليه ويطمع الكل في السير فيه. عالم من الفجائع الأخلاقية يستعرض رذائله فوق مرقص خلاعي والفتيات على حلبة الرقص يفتقدن صفة الأنوثة والحشمة و لو بحثت فتاة عما يسترها فقطعا لن تجد ولو فتشت كل زوايا المكان. وأمام هذه المشاهد المشينة كانت حجرات عقلي تزيد بأسئلة فوارة، وعندما تقع عيناي على ذلك الكم من الفتيات و في مثل هذه الحفلات الماجنة ينفجر رأسي بسؤال يلح عليَّ أين أهاليهن؟! والطامة الكبرى إذا كان هناك من يتغاضون عن انحراف بناتهم ولأسباب عدة يبدو على وجوه الكثيرات صغر السن لكن أطقم مساحيق التجميل التي أغرقن بها وجوههن يجعلهن يكبرن أعمارهن بقليل، ينغرسن في أحضان الرجال طمعاً في المال ويغرقن في قبلات معهم طمعاً في المال لاشيء غيره, المال الحرام الذي ينثره في الهواء كقصاصات ورق، من لعبت الخمر برأسه ينهال على الراقصة ما يعيل أسراً لشهور عدة. لا تكاد الموسيقى تهدأ لحظات حتى تعود لإزعاجها من جديد ولا يكاد باب المرقص يغلق حتى يفتح لزبون قادم وفتيات أخريات. دقت الساعة الثانية بعد منتصف الليل وكأنها السابعة مساء بنظر أولئك، رجوت صديقي أن نغادر على الفور, تركت وجودي المزيف مع تلك الفتاة التي حاولت مرافقتي وتركتها تبحث عن صيد ثمين لست أنا هو ولن أكون يوماً, بعد أن أدركت أنها أضاعت الوقت معي بلا جدوى، وودعتني بكلمات ربما هي أصدق ما سمعته في تلك الليلة لماذا إذاً تأتي إلى هنا؟ عرفت منها أن السهرة لا تقتصر على الرقص والمجالسة وإنما يتعداه إلى ما هو أبعد من ذلك نظير مبلغ مالي، عالم خفي وراء كل ذلك الحشد في المرقص يدير الفساد والفجور وتجارة الجنس أيضاً وجلب الفتيات ويدركه ويعلمه من اعتادوا الإدمان عليه أثرياء ذلك المكان الخبيث. لم أحكِ سوى القشور مما يمكن أن تراه أو تشاهده. ظللت مهموماً طوال ليلتي تلك ألوم صاحبي وألوم نفسي أحقاً كنت كحال امرأة العزيز "وماأبرىء نفسي إن النفس لأمارة بالسوء "وأروح عنها حيناً بأن ماكان كان هوساً بالاطلاع ليس إلا ولن تكون عادة عن عالم غابت بصيرتنا عن خطورته, لم أنم وانتظرت الفجر لكي أصليه في جماعة؛ علني أروح عن نفسي وأكفر عن ذنوبي واسترجع طمأنينة سريرتي, صليت الفجر، وبعد الصلاة قام أحدهم من اعتاد الوعظ بعدد الصلوات الخمس وبعد أن حمد الله وأثنى عليه استرسل لسانه يخطئ هذا لأنه يسربل ويخرج ذاك عن الملة لأنه يضم في الصلاة, ويكفر آخرين لأنهم لا يعتقدون بما يعتقد به.. طأطات رأسي أسفاً وأدركت أننا أمة ما زالت بعيدة عن الصلاح, بعض وعاظنا سيوف مسلطة على كل داخل إلى المسجد فقط يرونه لا يشبههم ولو صلى وصام وأقام الأركان.