لم يكن اختطاف الأجانب أمراً عادياً كما اعتاد اليمنيون سماعه لسببين اثنين، أولهما المكان، صعدة أقصى الشمال اليمني الملتهب، وثانيهما عثور السلطات الأمنية على جثث ثلاث نساء من المخطوفين قتلى فبالإضافة إلى ما يمثله قتل امرأة من استفزاز للمشاعر اليمنية والأعراف التي تحرم الاعتداء على المرأة يأتي مقتل ثلاث أجنبيات استفزازا للغرب الذي يتعاطف مع حوادث من هذا النوع تتعرض النساء, لكن ما يبعث على القلق بشكل اكبر ليس ما تتعرض له السياحة وتعرضت له بالفعل من تدمير بسبب حوادث الاختطاف المتكررة للأجانب، وعقب الحادثة الأخيرة في صعده يمكن القول بأنها صارت في وضع أكثر صعوبة فأحد مسئولي شركة سياحة في القطاع الخاص يتحدث عن إلغاء ما يقرب من 90%من العقود السياحية لديه خلال الصيف الحالي وبخاصة للأفواج القادمة من أوروبا ,القلق هنا ليس اقتصاديا بحتا بل أكثر منه فهو قلق على مصير بلد يشهد توترات دموية هنا وهنا ما تلبث أن تهدأ حتى تشتعل من جديد . صعده محافظة الحروب الخمسة والواقفة على أعتاب حرب سادسة كان رئيس الجمهورية وعد بأن لا تقع وأن تحلق الحمام في أجوائها، فيما على أرضها تترعرع أشجار الزيتون لكن هذا يبدو اليوم أقرب إلى الخيال، فالمحافظة تشهد قتالاً مستعراً وإن كان متقطعاً ولغة الوعيد والنار عادت تصم آذان النازحين ومن تبقى في بيوتهم من جديد. من يقف خلف حادثة صعدة؟ وما هي الآثار الذي يمكن أن تحمله للمحافظة المنكوبة وعلى اليمن بعامته؟ وهل صعدة على أعتاب أو دخلت بالفعل دهليز الحرب السادسة فعلاً والاشتباكات المتقطعة ! الحكومة تتهم الحوثيين صراحة بالوقوف وراء حادثة اختطاف الأجانب، والحوثيون ينفون مسئوليتهم حسب ما صرحت بذلك جريدة (دي فلت) الألمانية التي أشارت إلى أن اتصالات مباشرة جرت بين الحكومة الألمانية والحوثيين، نفى فيها الأخير أي علاقة لهم بالحادث، لا من قريب ولا من بعيد, العملية التي تشبه إلى حد ما عمليات القاعدة في بلدان أخرى لجهة الاختطاف والقتل مازالت في طور الفرضيات، والقاعدة لم تعلق حتى الآن، سلباً أو إيجاباً، ما يبقي الغموض يلف القضية وسط إصرار حكومي على اتهام الحوثيين أو تحميلهم مسئولية ما حدث وهو ما استدعى رداً من الحوثيين جدد فيه عبد الملك الحوثي تحذيراته للسلطة من شن حرب سادسة ضدهم، وطالب حينها بوقف ما أسماه «العدوان الظالم» الذي شنته السلطات على منطقة مران وعدد من القرى دون أي مبرر. وقال:إن ثمة توجهاً لحرب سادسة شاملة تعد لها السلطة، وأنها «تستهدف تمزيق النسيج الاجتماعي وتفكيك البلد والعبث بثرواته خدمة للأجانب». وأشار الحوثيون من جانبهم إلى وصول تعزيزات عسكرية وتموينية لمعسكرات الجيش في بعض مناطق صعدة في الأيام الماضية، إلى جانب قيام الجيش بزرع آلاف الألغام حول المناطق التي يحتمل نشوب القتال فيها مع الحوثيين, وتجنيد آلاف العناصر القبلية وتجهيزهم لقتال الحوثيين. من جانبها قالت مصادر حكومية إن جماعة الفتنة والتخريب عمدت طوال السنوات الماضية إلى عرقلة جهود السلام والاستقرار في محافظة صعدة، و استمرت في ارتكاب العديد من الانتهاكات وأعمال التخريب والإرهاب بغرض استفزاز الدولة للدخول في حرب سادسة مع الحوثيين. واتهم المصدر الحكومي الحوثيين بأنهم «جماعة تعتاش على الحرب، وتجد الدعم من الجهات المعادية لليمن واستقراره وأمنه»، وأكد أن الدولة «ظلت قادرة على القضاء التام على مثيري الفتنة في صعدة، بيد أنها جنحت للسلم حقنا للدماء بين أبناء الوطن اليمني ,والكلام للمصدر الحكومي . وبين الحكومة و الحوثيين وفرضية أن القاعدة هي من قامت بذلك العمل, يشير محللون إلى الدولة خصوصاً الطرف الأقل معرفة بما يدور هناك، الأمر الذي دفع الدول الأوروبية المعنية بمصير رعاياها المختطفين إلى الحديث علانية عن أن أجهزة استخباراتها ستقوم بالعمل مباشرة هناك ودون تنسيق مع السلطات اليمنية، وهو أمر ذو دلالة خطيرة بالفعل، بعد حديثها أيضاً قبل عدة أيام عن تضارب المعلومات الرسمية اليمنية بين الداخلية وقوات الأمن والسلطات المحلية والإعلام الرسمي في شأن مصير المختطفين أو الجهات القائمة على الاختطاف. ويشير هؤلاء إلى أنه لاشيء يكشف عن هوية الفاعلين، وهو أمر غير معتاد في حوادث مماثلة سابقة، وهو ما يفصح عن إرباك لدى القائمين على العملية أو ربما تفلت للأمر خارج السياق الذي يريدونه. إنسانياً وفقاً لتقديرات فرق الغوث الإنسانية وصل عدد النازحين في صعدة إلى 100 ألف شخص تقريباً أواخر أبريل، العام الماضي، منهم 7 آلاف نازح توزعوا في خمسة مخيمات في مدينة صعدة وأطرافها. ومنذ شهر يونيو 2007 يوفر البرنامج مساعدات إنسانية لمحافظة صعدة من خلال عملية للإغاثة العاجلة، وتهدف العملية الحالية إلى مساعدة 100 ألف شخص من خلال توزيع حصص غذائية شهرية بتكلفة 16.5 مليون دولار أمريكي للفترة ما بين سبتمبر 2007 حتى ديسمبر 2009، وبالإضافة إلى ذلك يقدم البرنامج مساعدات لسكان بعض المناطق في صعدة من خلال أنشطة الغذاء مقابل تعليم الفتيات، وذلك في إطار مشروع قطري ينفذه البرنامج في اليمن. كما أن نحو 320 أسرة من مديرية ساقين محافظة صعدة قد أرغمتها الحرب الخامسة بين الجيش والمتمردين الحوثيين على النزوح هرباً من جحيم الحرب هناك، تواجه تلك الأسر حالياً سعير الفقر والتشرد في محافظات الجمهورية. وتشير تقديرات المنظمات الدولية، إلى وجود 130 ألف لاجئ بسبب الحرب، 60 ألف منهم تم استيعابهم في مخيمات للإيواء، ويتلقون مساعدات محدودة، فيما توزع 70 ألفاً آخرين في مناطق مختلفة, لكن المقلق ليس الكم الكبير بحد ذاته ولكن قلة عدد المنظمات الإغاثية يمثل مشكلة بحد ذاته إذ لا توجد منظمات إغاثة إنسانية كثيرة تعمل هناك بسبب الحساسية العالية والقيود الأمنية بصعدة، باستثناء منظمة «أطباء بلا حدود» والصليب الأحمر الدولي، يوجد الهلال الأحمر اليمني، وهو منظمة غير حكومية «شبه رسمية» يشوب عملها الكثير من الاتهامات بالفساد وسوء إدارة معسكرات اللاجئين، باعتبارها الوحيدة المصرح رسمياً لها بالعمل على موضوع اللاجئين، وتعمل المنظمات الدولية عليهم بواسطتها، وتزدحم في هذه المعسكرات مجموعة كبيرة من الأسر، مكونة في المتوسط من ثمانية إلى عشرة أفراد في خيم لا تتجاوز مساحتها المترين في متر ونصف، وتفتقر إلى المياه النظيفة ودورات المياه، وتعاني من الاكتظاظ الشديد. وتوفي عدد من اللاجئين في الشتاء الماضي؛ بسبب موجة الصقيع التي حدثت حينها، ولافتقار هؤلاء اللاجئين للبطانيات ووسائل التدفئة. إنها مأساة حقيقية يتم تجاهلها «بينما يتم المضي قدماً بخفة مرعبة نحو إشعال حرب جديدة لا يعلم أحد كم ستضيف من المعاناة والألم والدمار». أكثر من شهر مضى على واقعة الاختطاف والقتل، وفيما لايزال مصير الرهائن الباقين مجهولاً يبقى القلق أكبر على مصير البلد في ظل عمل أطراف متعددة على إشعال نار الحرب من جديد وما تسرب إلى وسائل الإعلام من معلومات نقلها مصدر محلي مسئول في محافظة صعدة عن أن اندلاع حرب سادسة باتت وشيكة. وقال: إن الحرب السادسة في محافظة صعدة قريبة منها؛ نتيجة لما تطرق إليه الاجتماع التنفيذي الأخير بالمحافظة الذي حضره عدد من القادة العسكريين استعداد الدولة لخوض حرب سادسة مع الحوثيين. وأضاف أن المحافظ ألزم أعضاء المكتب التنفيذي بالمشاركة بالمعدات المملوكة للمكتب من قاطرات و جرافات وقلابات وسيارات في الحرب، مؤكداً بأن المحافظ هدد كل من سيعزف عن المشاركة في الحرب بالتغيير من منصبه .