لو أن القائد الاستراتيجي والزعيم الفذ الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه حي لصرخ قائلا : اليمن ... اليمن يامجلس التعاون , كما صرخ من فوق المنبر منذ قرون مضت : الجبل ... الجبل ياسارية , فوالله الذي لا إله إلا هو لو سقط اليمن في هاوية الفوضى لا قدر الله , لنصبح جميعا في مهب الإعصار الذي سيجرفنا الى حيث لا قرار , وسنغدو بين مطرقة التهديد الايراني من الشرق , والفوضى من الغرب . والصومال مثل حي ما زال قائما أمام أعيننا رغم الفارق الهائل بين الصومالواليمن , ولم يمنع الفوضى الصومالية من الوصول إلينا حائط الدفاع المنيع الذي شيدته عقولنا المبدعة بامكانياتنا المادية الجبارة , بل هو مانع طبيعي شيدته الطبيعة بقدرة خالقها ومبدعها , أما في حالة اليمن فالكارثة ستكون في (حوش الدار) أعم وأفدح وأشمل. لقد كان اليمن التالي على قائمة الانضمام الى مجلس التعاون وذلك بضم فريقه الرياضي لكرة القدم الى مسابقات دورات مجلس التعاون , فما الذي حدث حتى يستبعد ؟! هل لأن رئيس اليمن فشل في اعادته الى ملكية وراثية وكأنه ورثها من جدته بلقيس كابراً عن كابر ؟! لن أتحدث عن الأسباب العاطفية التي تدعونا الى ضم اليمن الى مجلس التعاون كاللغة والعادات والتقاليد والتاريخ المشترك والأصول القبلية التي تعود الى اليمن في معظمها الى آخر المعزوفة التي كنا نرددها صغارا وسئمنا ترديدها كهولا دون أن نخطو خطوة واحدة نحو تحقيقها , ولكن سأتحدث عن المنافع والأضرار , وسأبدأ بالأضرار لأنها أكثر إلحاحا وخطورة. ليس هناك أي مسوغ عقلي ولا قانوني ولا اقتصادي ولا حتى عاطفي يبرر استبعاد اليمن من التعاون مع مجلس التعاون , إن لم يكن الانضمام إليه بصورة كاملة , فهذه دول أوروبا عبارة عن جمهوريات وممالك وإمارات لها لغات مختلفة , وعادات متباينة , وقوانين متنافرة , دخلت في اتحاد لم يطمس هوية ولا لغة ولا عادات ولا تقاليد أية دولة فيه , بل على العكس من ذلك , وفر انسجاما لم يكن موجودا , وتفاهما كان غائبا , وتعاونا كان مطلوبا , واستبعد خصومات وعداوات وثأرات أراقت الكثير من الدماء على مر العصور , هذا من حيث المبدأ وهو المدخل الذي ندخل فيه الى المشروع , وان فهمنا المدخل , فسوف نعقل المشروع وحاجتنا الماسة إليه ليس فقط في تقوية شوكتنا ضد الذئاب المتربصة بنا , بل تلافيا لخسائر باهظة سوف نرغم على دفعها إن لن نفعل , فالوباء عندما يقع بالجيران لن ينتظر الإذن منا لكي يصل إلينا , ثم أي عاقل مهما تواضع مستوى عقله وتفكيره لن ينتظر الى أن يصل الوباء الى داره , وإن وصل فبأي مضادات حيوية أو كيماوية يستطيع صده والقضاء عليه وهو ضعيف المناعة أصلا معتل الصحة واهن القوة؟! إن غياب سلطة مركزية قوية في بلد مثل اليمن كفيل بإخراج عفاريت الفوضى والإرهاب والجريمة الدولية المنظمة من قماقمها , وستكون لا قدر الله ساحة مفتوحة للمافيات الدولية وتهريب المخدرات والقرصنة البحرية التي ستصل حتما الى الخليج العربي بعد أن عاثت فسادا في خليج عدن وبحر العرب خاصرتنا اللينة , ومن ثم سيصبح الاستقرار السياسي والرخاء الاقتصادي في مهب الإعصار كما ذكرت , وقد يتفاقم الوضع اذا ما وثب الذئب المتربص في الجوار في فرصة سانحة قد لا يكررها التاريخ له وهو لن يغفل عنها وقد أفنى أكثر من ثلاثة عقود وهو يعد لها إعدادا جيدا , فما الذي سيحدث بعد ذلك؟! سيناريو واقعي جدا وليس قصة سينمائية خيالية ولا كابوسا سرعان ما نفيق منه , كل له مطمع في دول الخليج بدءا من الدول الكبرى الى الصغرى الى عصابات المافيا وتهريب المخدرات والرقيق الأبيض والوباء الأسود !! لو أردت الاستطراد في شرح وتفصيل بلاءات وبلاوي استبعاد اليمن من مجلس التعاون , فسأحتاج الى تدوين كتاب مفصل , وهذا واجب مؤسسات البحث العلمي عندنا إن وجدت ! ولعلي أشير الى مثل حدث في التاريخ القريب منا عندما قررت ألمانيا الغربية تحمل تبعات ضم ألمانيا الشرقية إليها , وكانت تكاليف الوحدة التي تحملت معظمها ان لم يكن كلها ألمانيا الغربية عن طيب خاطر أرقاما فلكية بمقاييس ذلك الزمن , أي منذ نحو نيف وعقدين , ولعلها فرصة مناسبة لإرسال وفد أكاديمي علمي من خبراء مجتهدين لألمانيا لكي تتم دراسة الوحدة وفوائدها من كل الجوانب الادارية والقانونية والتشريعية وغيرها تكون مرجعا لأهل الحل والعقد والرأي وأولي الأمر في مجلس التعاون يسترشدون به في تجربتهم المقبلة مع بعضهم البعض أولا ومع اليمن ثانيا والتي تأخرت كثيرا بلا أي مسوغ مبرر, فحتى لولم تكن هناك أي مخاطر محيطة بنا , لوجب علينا ايجاد صيغة من تعاون تدريجي يؤدي الى اتحاد لا ينزع خصوصية من طرف , ولا يضفي هيمنة لطرف آخر. أما المنافع التي ستعود من انضمام اليمن الى مجلس التعاون فلا تعد ولا تحصى مع الأخذ بالسلبيات أيضا ومحاولة تفاديها وعلاجها , ولكن (الأحوط) كما يرد أحيانا في الفتاوى الشرعية أن يقوم على دراسة المشروع لجان علمية تخصصية تضع عواطفها ورؤها الشخصية في ثلاجة التجميد العميق (ديب فريزر)وتحتكم الى عقولها وحساباتها وتوقعاتها العلمية الدقيقة المدروسة , وقبل هذا وبعده لابد من طرد المتكسبين من الأزمات من عبدة الدولار والدينار الذين يشتتون أفكارنا ويشحنون عواطفنا ويشوشون على عقولنا من الهدف المنشود , ولا تغرنكم فيهم ألقابهم العلمية والأكاديمية. اليمن ......اليمن يامجلس التعاون اليوم لا غدا أو الكارثة !! كاتب قطري