نبدأ بالخبر العاجل والحل المعجزة: فقد رأت بقايا السلطة اليمنية أن العبث بالدماء اليمنية الزكية هو الحل لتأخير التوقيع على المباردة الخليجية، بالإضافة إلى مواجهة الحسم الثوري الذي قرر الثوريين البدء به، أرتبك رواد الإعلام السلطوي، وسقطوا جميعاً في وحل من الدماء، وفي وحل من العار، وفي وحل من الهمجية، أصبحت وجوههم ملطخة، تعج بالبصق، وتمتلئ بالعار، أما الثوريين ففي عيونهم دمع أحمر، وعلى رؤوسهم وابل من الرصاص، وصدورهم مكسوة بالعزة والكرامة، حتى الزهور الحمراء التي أمتلأت بها وجوههم وصدورهم دفعت بقوة في طريق الحسم الثوري، وأرجفت قلوب الكثير ممن أرتجل هذه المجزرة وخطط لها وأراد لها أن تقضي على شباب في عمر الزهور يتطلعون لدولة حقيقية. لا تسير الأمور على ما يرام، فقد رأينا وجوهنا الكالحة كأصحاب رأي، ولم نعد نتقن سوى مهرة (مهنة) الكتابة، والحديث في الإعلام بعبارات جامدة، ولم يعد شعورنا ذلك الشعور الإنساني وخاصة رواد الإعلام السلطوي، وهم يشاهدون تلك الدماء الزكية، وتلك المجازر البشعة التي أرتكبها النظام بحق شعبه الأعزل، والذي لم يكن أعزل قط إلا في ثورته التي قرر أن ينجزها بسلاح أكبر من كل الأسلحة التي تعود على حملها طوال عقود، شعورنا أصبح كوجوهنا، وتأريخنا ينجز لحظاته بحسم ودقة اكثر من كتاباتنا السمجة التي لا تصنع لمن سقطوا في مجازر النظام شيء، كل الثوريين يخجلون من كتاباتهم التي تكتب بالأسود وكأنها لون العمالة، لون البترول، نقايض به، نقتات منه، نعيش من أجله، فلن يتحول ذلك الدم الأسود إلى أحمر على الإطلاق، ولن يكون النزيف المميت ورقة مكتوبة بل روحاً طاهرة طائرة، تحلق في سماء الدنيا وكأنها طير تحرر من أسر طويل كاد معه أن يدمن السجن والإستبداد، إنها تحلق بجناحين كبيرين كأن جبريل يحملها بنفسه بجناحيه التي تمتد ما بين المشرق والمغرب، فلا خوف على من ضحوا بأنفسهم وهم مخضبون بالدم الأحمر، ولكن العار على من خضبوا وجوههم وأوراقهم بلون أسود وعبارات سوداء تدافع وبقوة عن الدم الأسود الذي أمتلأت به جيوب المناهضين للثورة اليمنية.. هناك سؤال يجب أن أحاول الإجابة عليه في هذا المقال هو هل نحن في الجزء الأخير؟ الجواب وبكل صدق لا. فلن ننتقل إلى دولة في كوكب آخر، ولن نستطيع أن ننفي أبواق الإعلام السلطوي، ومدمني الكذب، إلى جزيرة بعيدة، ولن نستطيع أن نستغني عن الدم الأسود الذي يقذف بنا يمنة ويسرة، بالإضافة إلى الصحون الكبيرة التي تنتظر أيادي السحت في كل زيارة، الصحون مغرية جداً وهي تعج باللحم المنوع ويصحبها شراب أسود، لا تستغربوا فقد استبدل دمنا منذ زمن بدم أسود هو أغلى من دمنا في حكومة السحت المخلوعة والراحلة، لا تمتعضوا من كلامي فنحن آكلي السحت إلا ما ندر، كل ما نأكله من العطايا، ما تنتجه البلد يأكله الحكام، وما يأتي من السحت فيوزع إلى الشعوب لتكون سمجة ساذجة لا تميز بين الحق والباطل، وبين من يحميها ومن يغتصبها ويطعمها.. قد يكون الدم الأسود قد عاد بالخير على كثير من الأسر، وأستفادت من تدفقه الكثير من المنظمات والجمعيات والتجمعات القبلية والحزبية، ولكن أن يصبح أغلى من الدم الأحمر الذي يسيل من على أجساد الشعب اليمني فهذا لن يبقى على الإطلاق، وسوف يلعن التاريخ الكثير من القبليين والحزبيين والإعلاميين السلطويين الذين هرعوا لملأ جيوبهم من الدم الاسود, وهرعوا ليلعنوا من أراد لهم أن يكون أعزة، كل هذا يعزز حالة نفسية طالما حاولنا أن نتجاهلها أو نتغلب عليها وهي أن من تربى على السحت لا يستطيع أن يعيش بدونه، ومن تعود الاكل من البقايا لا يستطيع أن يكون من أعالي القوم وسادتهم، ومن تعود الخنوع للآخر لا يمكن أن يكون سيداً على الإطلاق، ومن تعود الزحف لا يستطيع أن يطيل الوقوف، وهناك بالمقابل لدى أسياد هؤلاء ومانحي الدم الاسود خوف بأن يرفع الزاحف راسه وبأن ترفع الهامات المنكسه ولذلك يبحثون وبقوة عن خانع جديد وشحاتين جدد وزاحف جديد فالسياسة لا تعرف صداقات دائمة وإنما هناك حليف قادر بقوته العسكرية على البقاء مدة أطول ليتم البحث عن بديل يظمنه أو يزكيه، وهنا تكمن المعركة التي يغذيها الدم الأسود، لقد حول الدم الأسود القلوب إلى قلوب مريضة وسوداء مظلمة، إنه يريد أن يحرمنا حتى من أبسط حقوقنا، تخيل سريانه في القلب اليمني، تخيل كيف يضخ بسواده إلى جميع أجزاء الجسم اليمني ليحول قناعات هذا الشعب وشعوب المنطقة كلها بأن الفوضى هو ديدن الجمهوريات وبأن على شعوبهم أن تفهم بأن الملكية أفضل بكثير.. قد يكون وأنا شخصياً أتفهم أن يفكر أصحاب النفط بمصالحهم وأن يصنعوا من السياسيات ما يجعلهم مطمئنين على حياتهم وعلى ما يرونه من مصلحتهم حسب زعمهم وقولهم، لكن ما لا افهمه ومن يجب أن ألومه هم أولئك المصاصين للدم الأسود من إعلاميين يمنيين بارزين يطلون علينا يومياً ومن قبليين وشخصيات معروفة سوف نذكرهم بالأسماء في قادم الأيام، ممن يهرعون ليملئوا كروشهم وجيوبهم بالدم الأسود ليساعدو في تحويله هم عبر همجياتهم وممارساتهم إلى دم أحمر ينزف من أجساد طاهرة بريئة طموحة همها الرئيس هو إعلاء شأن القانون وتحقيق العدالة الإجتماعية وبناء مؤسسات دولة حقيقية تحافظ على الحد الأدنى من الكرامة اليمنية.. صدقوني إن حقيقة وضعنا مؤسف، وحقيقة كثيرين نحترمهم ونجلهم غاية في البؤس، فزعماء البلد وقادته من كل الأطياف يحتاجون إلى إعادة قولبة، ليتم قولبة القبيلي بقالب مدني فيكون مزيجاً محترماً، وقولبة الأكاديمي ليكون إجتماعياً شعبياً، وقولبة الأيديولوجي ليكون منفتحاً مجدداً، وقولبة جميع فئات الشعب لتكوين ثقافة جزلة واقعية واعية، وقولبة الإعلام لجعله إعلاماً حراً مستقلاً، وقولبة الإعلاميين ليكونوا وطنيين خدام لوطنهم وليس للدم الأسود.