المقالح: رفض الحوار والمصالحة والشراكة بعد فشل الحل العسكري يمثل هزيمة وخيانة    اللجنة الأمنية: عناصر مدعومة من الحوثيين نفذت أعمالاً تخريبية وسنتعامل معها بحزم    يوم عرفة والقيم الانسانية    عدن تستقبل عيد الأضحى بأزمة غاز    عدن تستقبل عيد الأضحى بأزمة غاز    سريع يعلن عن عملية في يافا بطائرتين مسيرتين    دوري الامم الأوروبية: كريستيانو ينهي سلسلة هزائمه امام الالمان ويقود البرتغال للنهائي    اسعار الذهب في صنعاء وعدن الاربعاء 4 يونيو/حزيران 2025    هل يستطيع الانتقالي المواجهة في حال فرضت علية اي تسوية سياسية؟    تعيين القاضي سوسن الحوثي في هذا المنصب!    تراجع أسعار الألمنيوم مع دخول القرار الأمريكي حيز التنفيذ    بريطانيا تتعهد بتسليم 100 ألف مسيّرة لأوكرانيا بحلول ابريل 2026    اكتمال وصول حجاج بيت الله الحرام إلى مشعر منى استعداداً للوقوف بعرفة    هيومن رايتس ووتش: استهداف ميناء رأس عيسى "جريمة حرب"    الداخلية تعمم (اسماء وصور) الفارين من مركزي ذمار    39 منظمة في عدن تناشد مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة للتدخل لوقف تدهور الأوضاع    مؤسسة الشهداء تدشن مشروع أضاحي العيد لأسر الشهداء الاشد فقرا    رئيس الاتحاد التعاوني يحذر من ذبح إناث وصغار المواشي    عرضان شعبيان ل 6 ألف من خريجي دورات "طوفان الأقصى" في حجة إسنادًا لغزة    تعز: ضبط متهم بجريمة قتل في مديرية صالة    مودريتش يقترب من الانتقال إلى الدوري الإيطالي    الأمم المتحدة تدعو سلطة صنعاء إلى الإفراج الفوري عن موظفيها المحتجزين    الإنهيار وارتفاع الأسعار يبددان فرحة العيد في عدن    ضبط 170 مهاجراً إفريقياً غير شرعياً في سواحل محافظة شبوة    مرصد إعلامي: مايو الأكثر قمعاً على الصحفيين اليمنيين خلال العام 2025    تربية تعز تقر حرمان طالبة عامين دراسيين بسبب اعتدائها ووالدتها على إحدى المعلمات    لملس يناقش خطة لتأمين المصليات والمتنزهات والحدائق في عدن بالعيد    اختتام الدورات الصيفية في مدرسة الشهيد طه المداني    عبث مسلحي الهضبة يهدد بإيقاف تام لبترومسيلة وانهيار كهرباء حضرموت    لاجازيتا: إنزاجي أعلن الرحيل.. ورئيس الهلال في الطريق    رئيس الوزراء يتهور ويطالب العرادة بتوريد إيرادات مأرب لبنك عدن المركزي    نقبل بالجوع مع استقلال الجنوب.. لكن لا للجوع مع ذل الاحتلال اليمني    هلال الإمارات يبدأ توزيع كسوة العيد على الأيتام في شبوة    البحريني يواجه السعودية بخيارات «خليجي 26»    شركة طبية سعودية تتنصل من التزاماتها للحجاج اليمنيين    العثور على سوار ذهبي للفايكنغ في إحدى الجزر التاريخية بالبحر الإيرلندي    صفقة ثقيلة.. إنزاجي يبدأ مهامه في الهلال    ريال مدريد يتصدر تصنيف اليويفا.. وبرشلونة في المركز العاشر    كيفية استعادة صحة الأمعاء بعد تناول مضادات الحيوية    الجرادي: المليشيات تسقط حين تتوهم القوة    سانشو يعلن رحيله عن تشيلسي    سريع يعلن استهداف حيفا والاعلام الاسرائيلي يتحدث عن توقف حركة الطيران المدني وصفارات الانذار تدوي في المستوطنات    رئيس الوزراء يدعو شركاء اليمن إلى دعم خطة الحكومة وأولوياتها    البرنامج الوطني لمكافحة التدخين يواصل جهوده التوعوية بأضرار التدخين في حضرموت    عيد مدجّج!!    مكة المكرمة تروي قبسات من أخبارها (3)    وفاة الفنانة سميحة أيوب عن عمر يناهز 93 عامًا    العثور على جمجمة ستيجوصور عمرها 150 مليون عام    العشر الأول من ذي الحجة فضائل وأعمال    ابنة المناضل راشد محمد ثابت تكشف الحالة الصحية لوالدها وحقيقة ما حصل معه وتوضح موقف السفير باحميد    إلى هديل المجد وأغنية الضوء    الأوقاف تعلن اكتمال تفويج الحجاج اليمنيين إلى الأراضي المقدسة    حضرموت.. البرنامج الوطني لمكافحة التدخين ينظم ركنًا توعويًا بالمكلا مول    وزير الصحة لمناقشة التدخلات لمواجهة الإسهالات المائية الحادة    مرض الفشل الكلوي (7)    بلادنا لم تعد لنا    حين يتحول الشاعر الى لغة واللغة الى كون متخيل في البومات آدم الثاني ل"علوان الجيلاني"    - وجوه يمنية في القاهرة..يكتب عنها الصحفي الصعفاني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكستناء
نشر في سما يوم 06 - 12 - 2014

امتدت اليد تمسح بنعومة الكتف الطفولية التي برزت من تحت الملاءة. " آن الأوان لتستيقظي". شقت الكلمات بدفئها برد الحجرة وعتمتها. تدلت الساقان الصغيرتان من على حافة السرير العالية. تأرجحتا في الهواء دقائق ثم قفزتا إلي الأرض. سرت قشعريرة سريعة في البدن. ابتسم الوجه الطيب :" هيا. إنتعلي الشبشب يا شموسة وإذهبي لتتناولي الإفطار". دبت الساقان النحيفتان تخبط الأرض بالشبشب الضخم نحو الحجرة الثانية. تمتد الكفان أولا فتتسلق المقعد ثم الركبتان. عبر النافذة العريضة القريبة من المنضدة تصل أشعة الشمس التي تخترق خضرة شجر باذخة. يد رجالية كبيرة بأصابع طويلة قوية تضع على المنضدة طاسة تئز فيها بيضتان صغيرتان. تختطف اليد الصغيرة الشوكة وتصبح الطاسة فارغة بعد دقيقتين.

الفانلة البيضاء واللباس الأبيض والشبشب الضخم ذاته يهرول بعجلة إلي البستان المحدق بالبيت. في لحظة تطير كل فردة من الشبشب في ناحية. تتمزق الفانلة وهي تتسلق الشجرة العالية المنتصبة أمام النافذة. عند بلوغ ذلك الغصن يصبح النهر مرئيا..

تندمج السنوات كلها والطفولة كلها في صيف طويل تقوم فيه الوجوه المحبة والأيادي ذات التجاعيد بإعداد الإفطار كل صباح. في الليل تُسمع أصوات الجداجد وصفير القاطرات البعيدة. يبدو البستان الصغير غابة. تبقى في الفم رائحة العنب الأسود. تنتصب أمام العينين شجرة الكستناء عالية. لكنك لا تعرفين اسم الشجرة، ستعرفينه فقط عندما تصبحين كبيرة، قبل أن يباع البيت الصغير والبستان، وحين تغيب الوجوه والأيادي ذات التجاعيد في الماضي، أما في هذه اللحظة فإنك تعلمين فقط أنه من هذه الشجرة ومن عند هذا الغصن يصبح مرئيا شريط النهر الضيق الصافي.

حياة كل إنسان نهر. البعض منا حياته تجيش وتمور، حياة البعض الآخر تتحول إلي جدول صغير، حياة ثالثة تجف تماما، وأخرى تصب في محيط وتصبح جزءا منه. لكن الزمن يمضى أسرع مما تتدفق المياه. خلال خمسة عشر عاما أجد نفسي ثانية أمام نهر آخر، قدر له أن يكون منبع الحضارة، أمواجه أشد قتامة كأنما تشبعت بآلاف السنين المنصرمة. أمضى مع صديقتي إلي منزلها لنستذكر الدروس استعدادا للامتحانات. نعبر الكوبري بسيارتي ، لا أملك إلا أن أبطيء من سرعتنا وأنا أنظر مفتونة إلي سطح النيل. تمس ليلى كتفى برفق. تهمس بخفوت" إلي اليمين". في بيتها يقابلني والداها بترحاب مبتسمين. يشدان على يدي" أهلا وسهلا". أشعر كأني شربت قدحا من الشاي المثلج في يوم حار. يهدأ القلق في داخلي. إنهم سعداء بقدومي. يفرشون المنضدة بأطباق السمك المقلي والأرز والسلاطة. لم تعد ثمت مساحة للمزيد من أطباق الطعام. تضع لي والدة ليلى في طبقى حفنة من هذا وحفنة من ذاك خشية أن أقوم من خجلي جائعة. نجرجر أنفسنا بعد الغداء الفاخر بصعوبة من المنضدة، ويخامرنا شعور بالكسل والرغبة في النوم، لكن لابد من الدراسة.

حجرة ليلى صغيرة لكنها مريحة. سرير ضيق فوقه ثلاثة أرفف عليها كتب مرتبة. في الجهة المقابلة صوان من الخشب الفاتح اللون. الحائط – حيث المكتب - مطلي بلون آخر. فوق المكتب علقت لوحات مستنسخة. ثبتُ بصري على إحدى اللوحات.

- هل تعرفين اسم الشجرة التي في هذه اللوحة ؟

- لاء. ما اسمها؟

- الكستناء. كان لدي جدي قطعة أرض صغيرة تحيط ببيته. في مواجهة البيت نمت وارتفعت شجرة كستناء. أذكر كيف أني بعد الإفطار كنت أتسلقها وأنظر إلي النهر.

تنصت ليلى باهتمام إلي. لكن كيف أحكي لها عن طعم العنب الأسود وصوت الجداجد ليلا؟ كيف أنقل إليها شعوري بالحزن على ما مضى وما لن يعود أبدا؟

أقول بصوت نشط : يا الله. هيا بنا نستذكر الدروس.

أصعد إلي السرير بقدمي وأفتح الكتاب على مقال فرويد عن اللاوعي والأحلام. تختلط العبارات في رأسى ويتوه معناها في ضباب. لا ألحظ كيف أني نصف مغيبة أغرق في سحب من الدخان. ها أنا في قارب يلفه ضباب كثيف من كل ناحية فلم تعد مقدمته مرئية. لاشئ يبعث على البهجة. كل ما تبقى لي أن أسلم نفسي للتيار.. خلال عدة أمتار يتبدد الضباب. فجأة لا أعلم من أين تظهر أمامي جزيرة، لكن المياه التي تحيط بها صافية من ناحية ومعتمة من الناحية الأخرى. يتلألأ سطح الجزيرة الذهبي خفيفا. يرسو القارب على الشاطيء. أمضى حافية القدمين على الرمال. أقف في المنتصف. أتجمد لحظة وأشعر بقدمي تسوخان في العمق. تطول أصابع قدمي وتتحول إلي جذور. قدماي وجذعي يتشجر ويكتسى بلحاء الأشجار. أكتافي وذراعاي تطول إلي السماء. هاهي كفاي الطفلتان مورقتان. أشد نفسي لأعلى فأعلى. تختفي في الضباب الجزيرة الرملية الصغيرة التي يغسل ضفتيها نهران. لا أذكر الماضي ولا المستقبل. أنسى أين أنا ولماذا. كل ما أعرفه فقط أني الكستناء.



***

قصة قصيرة للأديبة المصرية آنا أحمد الخميسي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.