في حروب الثورة وتثبيت النظام الجمهوري، مثلت تعز طليعة المقاومة الشعبية والجيش الوطني فلم يكن هناك من ابناءها من يقف مع الطرف الاخر. والى ماقبل صعود المخلوع الى كرسي الرئاسة ظلت تعز معمل انتاج القوى الوطنية والثورية المطالبة بالتغيير والمناضلة من اجل بناء الدولة والانتصار لقيمها. تخريب قيم المجتمع وتمييع الحياة العامة مثلت اولوية بالنسبة لنظام المخلوع وكانت تعز في مقدمة اهتماماته واكثر من طالها العبث على هذا الصعيد، ففي عهدة وجد الانتهازيون والمنبطحون و "المتجملون" ومدمنوا المخدرات التي كانت توزع وتنتشر بين شباب المحافظة على ايدي عناصره الامنية. وقد كانت البضاعه التعزية التي ينتقيها صالح لتنفيذ مخططاته ومازالت أردأ وأرخص واوطى البضائع في المطبخ السياسي لسلطته وهرمها التنفيذي، لدرجة كان يخيل لنا أنه ياتي بهم عبر مناقصة عامة لاتتوفر شروطها الا بهؤلاء الاوساخ. انتصر المخلوع بأن أوصل المجتمع المحلي في تعز إلى مجتمع يفتقر في معظمه لهوية واضحة بعد سلبه لهويته الوطنية وتدمير بنيته المدنية وآفاقة الإنسانية الجامعة. وظلينا طوال سنوات حكمه لا نحن بالمجتمع المدني ولا بالمجتمع القبلي المحتكم لثقافة ماقبل الدولة. وهذه تماما النتيجة التي أرادها من كل سياساته ونجح فيها الى حد بعيد. أمام كل أنواع الظلم وسياسات البهذلة والتحقير والإنتقاص التي مورست ضد أبناء المحافظة، كنا نعتقد بأن الجميع سيستشعر عظمة وأهمية اللحظة التاريخية من خلال الإلتقاء عند الحاجة لتغيير معادلات الواقع العام وخوض معركتهم المفروضة ضد كل قوى الجهل والتخلف والسلالة والمذهب التي كشرت عن أنيابها وعبرت عن نفسها بوضوح أكثر ودون أي مساحيق وطنية هذه المرة.
ظننا بأن عهود الظلم ستوحد خطانا وبوصلة أهدافنا من خلال تقديم صورة فريدة لقيادة عمل مقاوم في منهجه ومضمونه، وأننا سنبني نموذجاً مصغراً لدولة طالما ظلينا نحلم بها على طريق بناء الدولة العصرية في كل الجغرافيا اليمنية. لكن وللاسف ما حدث في معظمه هو العكس تماماً، فقد وجد من يقاتل أبناء محافظته ويحاصر مدينته وبعض أريافها إلى جانب قوى السلالة والمذهب، بل ولديه الاستعداد للقيام بأسوأ ما يرتكبه القادمون من شمال الشمال.. وهاهي بعض اشكال المقاومة التي كنا نعلق عليها آمالنا وآلامنا ترتكب من الأخطاء والجرم تجاه بعضها والمحافظة ما يشعرنا بالخجل قبل الألم، وحالة الذهول من القيام بما لم يكن في الحسبان، في تأكيد واضح على أننا لم نتعلم او نستفيد من 100 عام من البهذلة، وأن جيب المخلوع وسياساته وخبثه مازال حاضراً بيننا, وأكثر من ذلك أن الجماعات الدينية بمختلف مذاهبها ومدارسها تمثل أصل وجذر وصلب المشكة في الوطن العربي عموما. كثرت أشكال المقاومة وتعددت ولاءاتها ومراجعها، وتضاعف التنظير عن "الظروف الموضوعية والظروف الذاتية والظروف التي لم تنضج بعد". كثرت البيانات والمكونات والتسميات، وسادت الفوضى ودوافع التخوين والاقتتال البيني.. وكل جماعه تتمرجل على الأخرى في تأكيد للمثل الشعبي "كل على من قدر وانا على حمار خالتي ". وعليكم أن تعوا في النهاية بأنكم تقدمون خدمات مجانية للطرف الآخر .. خزيتم بنا الله يخزيكم يا جعانن.