تعد الصين احدى الدول التى تتميز بالكثافة السكانية العالية ، فهي واحدة من أقدم الحضارات على مستوى العالم، كونها تتمتع بمواقع ثقافية وتاريخية زاخرة ومتفردة. وتعترف البشرية للصين أنها تصدرت مجال الابتكارات العلمية والعديد من الأختراعات كالبوصلة ، البارود ، الطباعة وصناعة الورق . وتمتلك ثلاث من أعظم المشاريع الهندسية القديمة ومنها على سبيل المثال : سور الصين العظيم ، القناة العظمى ومشروع الرى كاريز التى يرجع بناؤها الى 2000 عامًا مضت . فجمهورية الصين الشعبية دولة موحدة، تأسيس الجمهورية الشعبية الصينية عام 1949، ومتعددة الجنسيات تحوى 56 جنسية، فمنذ أن دخلت حقبة الأستقرار الشيوعى بدأت بتنفيذ سياسة الأنفتاح الاقتصادى فى عام 1978، فرئيس الدولة هو رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة هو رئيس الوزاء . تحولت الصين من النظام القائم على المركزية منذ السبعينيات، بينما حالياً النظام القائم على السوق، وهي عضوا منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (ابيك) وعضوا فى اتفاقية التجارة بين آسيا والمحيط الهادى (ابتا). فالصين اليوم تعد قوة عظمى فى الجانبين الاقتصادي والعسكري مما أدى الى تسارع الكثير من البلدان العربية إلى تقوية أواصر التعاون معها وخصوصا فى المجال الاقتصادى مما يصب فى مصلحة الدول العربية ومما يمكنها من تحقيق التوازن فى علاقاتها ما بين الشرق والغرب ويمكّنها من تنويع خياراتها، والمزاوجة بين نماذج مختلفة، خاصة في مجال التقنيات الحديثة والعناصر التي تحتاج إليها في إطار مساعيها إلى تحقيق النهضة واللحاق بركب التطور التكنولوجي، ويحمي أسواقها من أن تحتَكَر لمصلحة جانب معين، أو تكتل، أو منتج معيَّن، وسواء تعلَّق الأمر بالمواد الخام، أو بتلك المصنَّعة . لذلك تسعى الكثير من البلاد العربية إلى إحراز المزيد من التعاون فى العلاقات العربية - الصينية مما يهدف إلى دفع الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين نحو آفاق أكثر رحابةً واتساعاً؛ بحيث تشمل مختلف المجالات السياسية ،الثقافية ، الاجتماعية والاقتصادية، خصوصاً في ظل المعطيات التي تشير إلى تزايد اعتماد كل طرف على الآخر في تلبية المزيد من احتياجاته ؛ وهو الأمر الذي أدى إلى ارتفاع معدلات التبادل التجاري ؛ وهو الأمر الذي أدى إلى ارتفاع معدلات التبادل التجاري، التي لا بدَّ من أن تترافق مع مزيد من التطور في الجوانب الأخرى. وايضاً من خلال نظرة مبسَّطة إلى الجانب الاقتصادي من العلاقات ما بين الدول العربية والصين أن نلاحظ ارتفاع معدَّل التبادل التجاري بين الجانبين بنسبة وصلت إلى 9% خلال عام 2019 فقط، الذي وصلت فيه قيمة التجارة المتبادلة إلى نحو 266 مليار دولار؛ إذ ارتفعت الواردات الصينية من الدول العربية إلى نحو 146 مليار دولار، بزيادة نسبتها 4.8%، في حين بلغت واردات الدول العربية من الصين ما يقارب 120 مليار دولار، بزيادة قدرها 14% على أساس سنوي. فى الوقت نفسه فكون الصين ثانى أكبر قوة اقتصادية بالعالم بهذة السرعة المدوية يدفعنا إالى إلقاء نظرة حثيثة على تجربتها في الحكم الرشيد أو أسلوب الحوكمة الرشيدة والشفافية، الذي وضع بذرته الأولى الحزب الشيوعي الصيني منذ نشأة الجمهورية الجديدة وبالتامل فى هذة التجربة الفريدة نستكشف النجاح الساحق فى التحول من النظام الشيوعى إلى النظام الشيوعى المرن على الصعيد السياسى فى الصين . وقد بدأ التحول الأكبر في عام 1979، ودخل حيز التنفيذ على يد الزعيم المجدد دينج شياو بينج ، وهي السياسة التي طورها الزعيم الحالي شي جين بينج وأطلق أحدث موجاتها من خلال حزمة إجراءات أهمها مبادرة الحزام والطريق التي تسعى لمشاركة التنمية والربح مع العالم، وفتح الأسواق الصينية أمام الدول، مع اتخاذ إجراءات تعزز من دخول البضائع والاستثمارات الأجنبية إلى البلاد. وفى ضوء الأصلاح الاقتصادى المشروح سالفًا ، وما نتج عن ذلك من تغيير نظرة الشرق الوسط الى تجربة الحزب الشيوعي، ودفعت كثير من الدول للسعي لنقل تلك التجربة إلى بلدانهم خصوصًا ما يتعلق بالتنمية المستدامة ، لكن بدراسة حالة الحزب الشيوعي الصيني، وُجد أن الأمر هنا مختلف تمامًا فهو حزب واحد لكنه يحتضن الجميع تحت مظلته. فالزعيم التاريخي ماوتسي تونج قد بنى أساس الحزب على اتحاد مجموعة من الأحزاب المتعاونة، تفاديًا لتكرارتجربة تعدد الأحزاب المريرة التي شهدت اضطرابات سياسية بسبب النزاعات بين الأحزاب، ما جعل الحزب الشيوعي الصين ليس فقط أقوى وأفضل من الدول ذات الحزبين كما في الولاياتالمتحدة أو الأحزاب المتعددة . حقًا أصبح الحزب يجدد شبابه باستمرار من خلال آلية متميزة من الإبتكار والنقد الذاتيين، مع العمل على اكتساب الخبرات ومنح الفرصة للموهوبين والأفكار الجديدة. ليس هناك مجال للشك في أن الصين تسعى بنشاط إلى توسيع نفوذها في المنطقة ، ليس فقط اقتصادياً ولكن أيضاً عسكرياً ودبلوماسياً وسياسياً، متحدية بشدة الدور الطويل الأمد للولايات المتحدة كقوة مهيمنة في المنطقة. ويتزايد نفوذ الصين في الشرق الأوسط منذ سنوات، لا سيما من خلال مبادرة "الحزام والطريق"، وهي مشروع عالمي ضخم للبنية التحتية والتنمية الاقتصادية أطلقه الرئيس الصيني شي جين بينغ في عام 2013، ويبدو أن هدفها هو بناء شبكة اقتصادية وهياكل أساسية تربط آسيا بأوروبا وأفريقيا وما وراء ذلك. وتسعى هذه المبادرة الضخمة للتنمية والاستثمار بشكل كبير إلى تعزيز النفوذ العالمي للصين من شرق آسيا إلى أوروبا من خلال جعل الدول في جميع أنحاء العالم تعتمد بشكل متزايد على الصين. لقد وقعت الصين وثائق بشأن التعاون ضمن الحزام والطريق مع 19 دولة في الشرق الأوسط، وحققت تعاوناً مميزاً مع كل منها . وقد أبدت استعدادها لتقاسم الفرص السوقية مع دول الشرق الأوسط، والعمل مع الدول العربية لتقوية أواصر التعاون لأحراز مزيدًا من النمو مثل التكنولوجيات العالية والجديدة هذا إلى جانب تعزيز شراكة تجارية ضخمة مع معظم دول المنطقة. فمنذ عهودًا طويلة الآمد تكتسب العلاقات اليمنية - الصينية بعداً استراتيجياً وتاريخياً لما تمثله هذه العلاقة من تطور و نماء وشراكة وبناء جذروها ضاربة في أعماق التاريخ، ومازال التاريخ يذكر جمهورية الصين الشعبية الصديقة التى كانت من أولى الدول التي بادرت في مساعدة اليمن منذ ما يزيد عن نصف قرن بأهم شريانين حيويين هما طريمنق (صنعاء - الحديدة)، وطريق (عدن - المكلا)، إضافة إلى العديد من المشاريع الخدمية والتنموية التي قدمتها الصين الشعبية لليمن منذ ما يقارب من 58 عاماً وحتى الآن. وهناك العديد من العلاقات التى تجمع بين البلدين ترجع جذورها إلى عهد الإمبراطور تشو دي عندما أرسل البحار المسلم تشنغ خه على رأس أضخم أسطول تجاري على مدى التاريخ والذي تجاوز أكثر من مائة سفينة ضخمة بغرض تعزيز العلاقات التجارية والدبلوماسية بين البلدين ووصولة إلى ميناء عدن عام 1416 م. وقام الحكام اليمنيون بالرد على هذه الزيارة بإرسال بعثة إلى البلاط الصيني مع خطاب وهدايا ثمينة إلى إمبراطور الصين أنذاك، وتعززت تلك العلاقات بزيارة أربع بعثات يمنية الصين خلال فترة حكم أسرة مينغ 1644م عن طريق تجارة الحرير والبخور واللبان البحري الذي ربط الموانئ الصينية بالموانئ اليمنية خلال تلك الفترة، والذي مازال النصب التذكاري للبحار الصيني المسلم موجود حالياً في عدن شاهداً للعيان على متانة العلاقات التاريخية التي تربط البلدين الصديقين منذ القدم. وكانت العلاقات الدبلوماسية المجال الثانى فى العلاقات بين البلدين منذ القرن الماضى، إلى أن جاء مؤتمر باندونغ بإندونيسيا في 18 إبريل عام 1955م، والذي كان له آثار ايجابية على توطيد العلاقات بين كافة الدول العربية والصين، و فتح الباب على مصراعيه لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين جميع الدول العربية و الصين ، والذي كان من أهم نتائجه إعلان الوفد الصيني المشارك في المؤتمر فتح صفحة جديدة ومد يد التعاون والصداقة لتسع دول عربية كانت اليمن من أولى البلدان التي أقامت علاقات دبلوماسية مع الصين في 24 سبتمبر عام 1956م. وقد تأتي العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والتجارية بين اليمن - والصين امتداداً للعلاقات التاريخية القديمة بينهما بهدف تنشيط أوجه التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين الصديقين . ويشهد التعاون التجاري بين اليمنوالصين اليوم نتائج ملحوظة فقد أصبحت الصين الشريك التجاري الأكبر لليمن، وفي العام الماضي وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى رقم قياسي بلغ خمسة مليارات و مائتين وخمسين مليون دولار أمريكي . ايضًا يوجد العديد من المشاريع الطموحة بين البلدين ومنها اتفاقية توسيع وتعميق محطة الحاويات بميناء عدن بتكلفة 507 مليون دولار، ، فضلاً عن مكرمة الرئيس الصيني شي جين بينغ بإعلانه عن تقديم منحة مالية مجانية لليمن بمبلغ 100 مليون يوان بمناسبة زيارة رئيس الجمهورية للصين و 50 مليون يوان هدية لوزارة الدفاع اليمنية و 200 مليون يوان قرضاً طويل الأجل دون فوائد، لتصل إجمالي تكلفة المشاريع التي ستقدمها وتنفذها الصين في اليمن خلال الفترة القادمة ب700 مليون دولار تقريباً في مختلف المجالات. ذلك بالإضافة إلى القناة الملاحية الداخلية بطول 3800 متر وعرض 230 متر وعمق 18 متر، ليصل قدرة المناولة في الميناء إلى مليون و500 ألف حاوية في العام الواحد، وكذا في إنتاج الطاقة والكهرباء والبنية التحتية والمطارات واستخراج النفط والغاز والجسور والطرقات والصحة ، وكذا مشروعى مستشفى الصداقة اليمنية – الصينية وكذا مشروع المكتبة الوطنية الكبرى بأمانة العاصمة . وخلاصة القول أن جمهورية الصين الشعبية بلد عريقة بشعبها الصالح الذى يمتلك إرادة حديدية لبناء بلد مثالى رافضًا الأستمرارية فى الفساد والظلم . * أمين عام تيار نهضة اليمن