لي عتب شديد على صديقي الدكتور علي الموسى؛ لأنه أجبرني على قضاء وقت طويل وأنا أبحث عن المرأة التي «نثرت شعرها ولبست أحلى ما في دولابها وهي تتحدث على الشاشة الفرنسية الناطقة بالعربية» كما وصفها في مقال بصحيفة الوطن يوم الإثنين الماضي. حاولت مسح كل مقاطع اليوتيوب كي أجد «اليمنية التي تنثر شعرها في باريس وتلبس حجابها حين تعود لحزب الإصلاح في العاصمة اليمنية»، وبعد أن استنفدت قدراتي المتواضعة استعنت ببعض الأصدقاء المهرة في استخدام الإنترنت للعثور على تسجيل لليمنية التي أصابت صديقي بالدهشة وهي تتحدث «عكس حديثها تماماً حين أصبحت أحد نبلاء نوبل» لكنهم أكدوا لي بعد البحث والتقصي أنهم لم يجدوا توثيقاً لحوار مع امرأة يمنية نثرت شعرها ولبست أحلى ثيابها، واسمها «توكل كرمان».. أنا الذي أصبت بالدهشة لأني أعرف دقة أخي علي الموسى في البحث عن المعلومة، وطالما ال«يوتيوب» واحد ومشاع لكل البشر فإنني أرجوه أن يدلني على الطريقة التي عثر بها على ذلك التسجيل لتلك المرأة الأنيقة المغناج المتناقضة التي تسمى «توكل كرمان»!!.. صديقي أبا مازن كاتب يومي شهير في صحيفة مهمة، ومع ذلك يقر في مقاله ذاك بأنه لم يسمع باسم توكل كرمان من قبل، ولم يشاهدها على شاشات التلفزة إلا حين ظهر اسمها في خبر عاجل على شاشة العربية بعد إعلان فوزها بجائزة نوبل ومع أنه أنب نفسه على ضعف المتابعة، إلا أن ذلك لا يشفع لمثقف وكاتب صحفي يومي يتوجب عليه متابعة ورصد أهم ما يحدث في محيطه القريب والبعيد، وتوكل كرمان كانت من أهم الملامح في ثورة شعبية تحتدم في اليمن منذ تسعة أشهر. وحتى لو قبلنا تأنيب الأخ علي لنفسه على عدم المتابعة التي جعلته لا يعرف توكل كرمان، فإنه يصعب جداً أن نقبل تقليله من شأنها، بل والسخرية من اختيارها لجائزة نوبل للسلام وهو يقول: «هل اتصلت نوبل بها بالخطأ أم كان لدى اللجنة العتيدة لخبطة في ترتيب أرقام الجوال؟ هل كانوا يقصدونها بالضبط أم أنني لم أفهم ما يجري؟».. يؤسفني يا أبا مازن أن أقول لك رغم أنك تعرف أن لجنة نوبل لم تكن تتصل بأحد المطاعم أو المتاجر كي نفترض أنها أخطأت في الرقم، ولم تكن تتصل لتلقي تحية المساء على شخص فأخطأت في رقم غيره. لقد اتصلت لكي تعلن قرارها للعالم كله أنها اختارت توكل للفوز بالجائزة، ثالثة ثلاث، وفقاً لمقاييس ومعايير مبنية على الشخصية وقوة تأثيرها، ومدى استحقاقها وجدارتها بالجائزة.. «2/2» توكل كرمان ليست طارئة على النشاط الإنساني، فهي كاتبة ومثقفة وناشطة في مجال حقوق الإنسان منذ وقت طويل، وهي من أول المطالبين بالإصلاح السياسي في اليمن، والمنافحين عن حرية التعبير والمناهضين للفساد، وهي ابنة سياسي وقانوني ووزير سابق، كان بإمكانها أن تعيش الحياة النمطية التي تفضلها أي سيدة، لكنها اختارت الانحياز لمتاعب الإنسان بدلا من ممارسة الحياة كسيدة صوالين. كانت ترفع مطالب المظلومين أمام مبنى مجلس الوزراء أثناء انعقاده كل يوم ثلاثاء قبل أن يخطر في بال أحد أن ثورة ستشتعل في اليمن، وما بين عامي 2009/2010 قادت أكثر من 80 اعتصاماً من أجل حقوق الإنسان في اليمن. وليس مهماً أن نشير إلى اختيارها من قبل منظمة «مراسلون بلا حدود» كإحدى سبع نساء أحدثن تغييراً في العالم، أو اختيارها في موقع متقدم ضمن قائمة ال 100 شخصية الأكثر تأثيراً في العالم، ولكن الأهم أنها أم لثلاثة أولاد فضلت الوطن عليهم، وهجرت منزلها لتقيم في خيمة مهترئة منذ تسعة أشهر، من أجل الوطن، ولم تأبه بالاعتقال والتهديد بالقتل والإقامة الجبرية، وواصلت الصمود والثبات على المبدأ النبيل، فهل مثل هذه المناضلة يكون اتصال نوبل لها بالخطأ؟؟.. أخي أبا مازن: إذا كانت اليمن أصل العرب فإن تكريم فرد فيها هو تكريم لكل العرب، وإذا كنت تعتقد أن لجنة نوبل «لخبطت» بين رقمها ورقم الشاب المصري العظيم «وائل غنيم» كما توحي مقدمة مقالك فإن وائل كان أول المهنئين لتوكل والمعترفين بأنها تستحق الجائزة، فإذا كان المنافس لها قد هنأها، فلماذا أنت تتجاهلها، بل تلغيها؟؟.. إنها أول سيدة عربية تفوز بهذه الجائزة التي يترقبها العالم كلما حان موعدها. إذا كان جاءك نبأ من سبأ بفوز توكل وأنت تتابع «حراك المرأة السعودية في أسبوعها المثير» وضايقك ذلك النبأ، فإنه كان يجب أن يحلق بك في آفاق السعادة؛ لأن توكل هي نموذج لكل امرأة عربية تستحق التكريم.. عذراً أبا مازن: ضاع وقتي في البحث عن التي نثرت شعرها، وأيضاً ضاع في كتابة هذه السطور التي أتمنى أن تتقبلها بلياقة عالية.. عكاظ
ماذا قال الموسى عن توكل رابط المقال: http://www.alwatan.com.sa/articles/detail.aspx?articleid=7727