إذا كانت التعددية الحزبية تعني بالمفهوم السياسي وجود عدة أحزاب تتنافس في البرامج من أجل تقديم الأفضل لمجتمعها ووطنها.. فإن التنافس والتباين في الرؤى والتوجهات إذا ما تحول إلى وسيلة لإثارة الخلافات وتوليد الضغائن والإفرازات غير المرغوب فيها فإنه الذي يصبح عائقا لتطور الديمقراطية وعاملا ضارا بالسلم الاجتماعي والتماسك الداخلي. وإذا ما سلمنا بهذه الحقيقة فإن أبسط قواعد المنطق تدفعنا إلى السؤال عن جدوى التعبئة الخاطئة التي تتدافع إلى ساحتنا السياسية والحزبية سواء بحسن نية أو بدافع الكيد السياسي أو تحت تأثير التعصب الحزبي الضيق، على الرغم من أن أحداً لا يجهل أن مثل هذه التعبئة لم تفض إلا إلى الاحتقان وإشغال الناس بأمور جانبية ومعارك إعلامية يخشى أن تؤدي تراكماتها إلى إشعال حرائق الفوضى التي سندفع جميعا ثمنها!! وقبل الإجابة على ذلك السؤال وما يتفرع عنه من الأسئلة في السياق ذاته.. فإذا كان الخلاف والتباين من أجل الوصول إلى صيغة تعود بالنفع على الوطن ومصالحه العليا وتكريس مبدأ التداول السلمي للسلطة وإحلال النموذج الأفضل لإجراء انتخابات تنافسية في أجواء نزيهة وشفافة تحتكم إلى صناديق الاقتراع وإرادة الناخبين، فإن بلوغ هذه الغايات لا يمكن أن يتم إلاّ بالحوار والمكاشفة واحترام الحقائق وتجنب لغة الزيف والمغالطة، والصدق مع النفس، واستلهام روح العصر والوعي بحقائق الممارسة الديمقراطية. ولعل ذلك هو من يقود بالضرورة مجددا إلى سؤال جوهري آخر عَمَّنْ المستفيد من موجة الاحتقان الذي يلف الساحة السياسية والحزبية والذي يسعى إلى دغدغة مشاعر البسطاء عن طريق اللعب على وتر الفقر والدفاع عن حقوق الفقراء.. وبث روح الفرقة والانقسام عبر ترديد الشعارات والمفاهيم المناطقية والجهوية التي تذكي روح الفتنة.. وتصم الآذان بأفكار سبق وإن لفظها شعبنا العظيم وأهال عليها التراب. وأياً كانت التبريرات.. فإن ذلك ما قد يحرك لدى كل العقلاء التساؤل عمن سيتحمل مسؤولية هذا الاحتقان النفسي والإعلامي والسياسي؟ وما قد سيقود إليه من كوارث إذا ما انفرط العقد لا سمح الله!! وحل الفراغ المحفوف بالمخاطر والكوارث!! ولعلنا جميعا قد شاهدنا عبر الفضائيات ما حدث ويحدث في عدد من البلدان من مشاهد هذا الانفلات القبيح الذي يصيب بويلاته وأهواله كل أطياف المصفوفة الحزبية والسياسية والاجتماعية.. دون تفريق بين هذا وذاك!! فالكل يكتوون بنيران المعاناة.. والكل تلفهم الحسرة وآهات الندم على ما اقترفوه بحق شعوبهم وأوطانهم!! إن نظرة سريعة لما تشهده الساحة السياسية اليمنية من تعبئة خاطئة وغير شريفة واستغلال غير مسؤول لمناخات الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير لا يستهدف فقط إشاعة الضغائن بين أبناء الوطن الواحد.. بل أنه الذي بات ينخر في السلم الاجتماعي، وهذا ما يتطلب منا جميعا وبمسؤولية مجردة من الأهواء الحزبية والنوازع الذاتية الضيقة، الوقوف إلى جانب الوطن وتغليب مصالحه العليا انطلاقا من التأكيد على أن مصلحة الوطن فوق مصالح الأفراد والأشخاص وأن الديمقراطية ساحة مفتوحة يتنافس فيها كل المتنافسين بعيداً عن تأجيج المشاعر وإشعال الحرائق التي لا ينتج عنها سوى الأحقاد والصراعات والتي نعتقد جميعا أن الوطن في غنى عنها.. خاصة وأننا لا نجهل أن كل من سيتنافسون في الانتخابات القادمة هم من أبناء هذا الوطن. وأياًّ كان الفائز منهم فهو من أبناء هذه الأرض التي نعتز جميعا بالانتماء إليها إذ أن ما نحتاجه اليوم ليس ما لا يهضم أو لا يسهل اجتراره سواء جاء ذلك تحت شعارات الرأي والرأي الآخر.. أو تحت يافطة التنافس الحزبي غير المسؤول!! بل أن الحاجة أكبر لاستلهام حقائق الواقع والتفرغ للإسهام في بناء الوطن وتطوره.. فضلا عن ممارسة الديمقراطية وفق مبادئها وأخلاقياتها ومقاصدها النبيلة. حيث وأن هذه التجربة نحن من صنعها.. ونحن من وضع مداميكها وفق منظور وطني بهدف تمكين الشعب من حكم نفسه بنفسه وإحكام رقابته على منظومته السياسية والحزبية ومؤسسات دولته. ولأننا من اختار هذا النهج بمحض إرادتنا فعلينا أن نحميه من أية محاولة قد تصيبه بالشلل.. بما سيترتب على ذلك من عواقب وخيمة ستكون الأحزاب كلها هي المسؤولة عنها قبل غيرها.