لا يبدو أن أحوال العرب الرياضية أفضل بكثير من أحوالهم السياسية على المسرح الدولي.والدليل ما شاهدناه جميعاً على شاشات التلفزة في التصفيات الأولى في مباريات كأس العالم لكرة القدم في ألمانيا أو ما يعرف بلغة المونديال بالدور الأول حيث تتبارى فرق أربعة في كل مجموعة من اصل 32 فريقاً ليتأهل فريقان من كل منها إلى دور ال 16 وهكذا الى دور الثمانية ومن ثم الى نهائيات الاربعة. فريقان شجاعان من المشرق والمغرب العربيين خاضا كفاحاً مريراً للتأهل للدور الثاني فكان سوء الحظ في صفهما إذ قضت القرعة أن يصنفا في المجموعة نفسها وان يلعبا أولاً ضد بعضهما البعض ومن ثم أن يتنافس كل منهما مع فريق رفيع المستوى ويتحلى بروح وطنية عالية فكان أن هزم الفريق التونسي بمواجهة أسبانيا في الدقائق العشرين الأخيرة بفارق ثلاثة أهداف إلى هدف واحد بعد أن حافظ على تقدمه بهدف دون مقابل طيلة القسم الأكبر من المباراة أما الفريق السعودي فكان عليه أن يرضخ لهزيمة قاسية بمواجهة الفريق الأوكراني بنتيجة أربعة أهداف دون مقابل وكان يحتاج كل من الفريقين إلى معجزة حقيقية للتأهل كأن يهزم السعوديون أسبانيا بفارق كبير من الأهداف وهو أمر لم يكن مرجحاً أو أن يهزم التوانسة أوكرانيا وهو أمر كان مشكوكاً فيه بالقياس إلى عروضهم السابقة فكانت الهزيمة التي نعرف والتي تعرفون وبالتالي مغادرة العرب مونديال المانيا كالعادة بنتائج متواضعة للغاية. ثمة من يعتقد أن الأفارقة ليسوا أفضل حالاً من العرب وان أمريكا زعيمة العالم لم تحقق النتائج المرجوة ناهيك عن إيران وغيرها من الأمم الأخرى وهذا صحيح لكن الصحيح أيضاً هو أن من المعيب أن نقارن أنفسنا بفريق «توغو» الذي كاد يغادر المونديال بسبب تأخر منح التأهل المالية العائدة للفريق أو بالولايات المتحدةالأمريكية التي ما كانت يوماً تعشق هذه اللعبة في حين تتصدر خلال المباريات الرياضية الاولمبية الأمم الأخرى على الدوام، أما إيران فإنها على الرغم من خساراتها المتكررة والمشرفة تجد أبناءها يحتشدون إلى جانب فريق بلادهم في ملاعب المشجعين ويقفون إلى جانبه خاسراً أم رابحاً وبعضهم من معارضي النظام في الخارج وهو أمر نادر في حالة الفرق العربية التي تبدو أثناء المباريات وكأنها بلا مؤيدين وان حضرت قبضة منهم فهي بالكاد تشاهد وسط حشود التأييد للفريق المنافس. مع الإشارة إلى أن عشرات الملايين من العرب يعيشون في أوروبا وبعضهم في ألمانيا ناهيك عن السياح في فصل الصيف لكننا لا نراهم يحتشدون بعشرات الآلاف خلف هذا الفريق العربي أو ذاك. وثمة من يقول أيضاً أن دولاً عريقة في كرة القدم لم تتأهل أصلاً للمونديال كروسيا الاتحادية، فلماذا يكون العرب أفضل حالاً من الروس وهو أيضاً قول صحيح مع فارق أن الروس إن غابوا هذه الدورة فهم حاضرون في دورات سابقة بقوة ناهيك عن أنهم يتصدرون المسرح الرياضي العالمي في ألعاب مختلفة وهي ليست حال العرب. يطرح الحال الرياضي العربي المتواضع أسئلة عديدة عن الأسباب التي تجعلنا نسجل حضوراً عابراً كل أربع سنوات في مباريات كأس العالم لكرة القدم وذلك على الرغم من وجود مدربين عالميين لفرقنا سبق لهم أن برهنوا عن جدارة فائقة في بلدانهم ومع فرقهم الوطنية وعلى الرغم أيضاً من الوسائل الهامة التي توفرها الدول العربية لفرقها والتي تؤدي منذ عقود ثلاثة إلى أن تطرق الفرق العربية أبواب كأس العالم دون أن تتوغل بعيداً في المنافسة عليها. حتى لا نغرق في تفاصيل فنية لا نملك فيها معرفة كبيرة نكتفي بجوانب أساسية نرى أنها تلعب دوراً مهماً في هذا الاستعراض العالمي من بينها ما أشرنا إليه سابقاً- أي سيطرة الأحاسيس القومية على الملاعب واللاعبين والمدربين، لذا من الصعب أن تجد مدرباً أجنبياً للفريق الفرنسي أو الألماني أو الأسباني .. الخ ومن الصعب أن ينجو فريق من هذه الفرق من حملة شنيعة في بلاده إذا ما عاد من المباريات ب«خفي حنين» فكل خسارة هي خسارة قومية شنيعة بالنسبة لهذه الفرق وكل فوز هو فوز قومي مبارك وفي الحالتين يتم التعاطي مع الرياضة بوصفها فعلاً وطنياً وليس تقنياً. في السياق يلاحظ أن أغنياء العالم وأممه القوية والفخورة تتصدر المراتب الأولى على الدوام وان تقدم غيرها فهو استثناء يؤكد القاعدة ولا ينفيها أما إن هزم فريق من فرق اسياد العالم في مباراة واحدة من طرف فريق ينتمي الى دولة فقيرة فتكون هزيمته في بلاده وكأنها هزيمة أمة وليس خسارة رياضية بحتة وقد يحدث أن تتولد ردود فعل بشعة في البلد المعني ضد أهالي الفريق الرابح كما جرى في دولة اوروبية اواخر القرن الماضي عندما تعرض جزائريون ومغاربة مهاجرين للضرب والاعتداء انتقاماً من فوز بلادهم على فريق الدولة المعنية في مباراة واحدة لا غير. في الخلاصة يمكن القول ان الروح الرياضية ليست الأصل في مباريات كأس العالم لكرة القدم بل الروح القومية معطوفة على الروح المركنتيلية ذلك ان هذه المباريات صارت مناسبة تتمحور حولها رهانات مالية تقدر بمليارات الدولارات وتتكرس خلالها موازين القوى الرياضية على الدوام بين الأقوياء والضعفاء بين الاغنياء والفقراء ويتجدد خلالها في لاوعي الشعوب منطق المنتصر أبداً والمهزوم أبداً، لذا لابد من الاعتراف بالنسبة لنا نحن العرب انه على الرغم من مساعينا الناجحة في طرق ابواب كأس العالم لكرة القدم والمباريات الرياضية الدولية الأخرى، فإن هذه المساعي تظل ناقصة ومعزولة ما لم تكن نتاجاً لنهضة شاملة تتجلى في مختلف مناحي وجودنا وتنعكس حضوراً قوياً في المونديال والألعاب الاولمبية وغيرها. يبقى القول أنه حتى وان رغبنا في الانكباب على الرياضة دون غيرها واعتبرنا ان النجاح فيها ينعكس ايجاباً على النهوض في غيرها.. اقول حتى وان سلمنا بهذا المنطق فمن الضروري في هذه الحالة أن نعد العدّة الكافية -أي ان نؤسس لبنية تحتية قوية وقابلة للحياة من دورة إلى أخرى وان نؤسس لوعي رياضي نهضوي وليس تقنياً بحتاً. عندما يلعب الاوروبي في مباريات نهائية يخاطبه مدربه بلغة شبيهة بلغة يخاطب بها قائد عسكري جنوده خلال الحرب: الامة تنظر اليك وانت اليوم تؤدي دوراً وطنياً وليس رياضياً فحسب. في الرياضة كما في الموسيقى كما في الثقافة والاقتصاد والعمران يكون الابداع شاملاً ومتكاملاً او لايكون.. حتى وان وجد جزئياً هذه الحقيقة تفسر ما يجري لنا وما جرى من قبل في المونديال وتفسر ايضاً تلك الخفة التي نرفع فيها أعلام الدول انتصاراً لفرقها فنغدو كالجنود البائسين الذين كانوا يقاتلون تحت اعلام الدول التي تستعمر بلادهم خلال حقبة الاستعمار القديم. mfjalloul|@hotmail.com