أكثر البعض من الحديث طوال الفترة الماضية عن المواطنة المتساوية من منظور طغى عليه التوظيف السياسي والتكسب الحزبي والمزايدات الرخيصة والمكشوفة التي سرعان ما تم سحب البساط من تحت أقدام أصحابها بتكريس عدالة التنمية وقيام الدولة بتقليص الفجوة التنموية بين مختلف المحافظات، الأمر الذي حظيت معه المحافظات الجنوبية والشرقية بمعدل 60% من خطط التنمية خلال السنوات الماضية، ولما من شأنه تعويض هذه المحافظات عن سنوات الحرمان إبان العهد الشمولي ليصل اليها خير الثورة وثمار الوحدة في شتى مناحي الحياة سواء بسواء مع بقية المحافظات. وتتعرى أراجيف أولئك الذين ظلوا يمارسون أساليب الزيف من وراء أحاديثهم عن المواطنة المتساوية بصمتهم اليوم وعدم اكتراثهم تجاه ما تتعرض له قيم المواطنة من استهداف من قبل الانفصاليين الجدد الذين يعملون على نشر ثقافة الكراهية والبغضاء بين أبناء الوطن الواحد والسؤال: أين توارى أولئك المزايدون ولماذا أُخرست ألسنتهم حيال هذا السرطان الذي ينخر في الجسد اليمني بأسره؟ وكيف يمكن تبرير المواقف السلبية لهؤلاء الذين أصموا آذاننا بتنظيراتهم عن المواطنة المتساوية سواء في الفضائيات أو في وسائل الإعلام الأخرى حيال من يقومون بنهش جسد الوحدة الوطنية عبر التسويق لثقافة الكراهية والفرز المناطقي؟ وهنا تبرز أسوأ مظاهر التخلف الذهني، إذ أن من يتقوقع ويتخندق في الحفرة الضيقة فإنه الذي يصبح عدواً لنفسه ومجتمعه. وتزداد المسألة سوءاً وفداحة أن تأتي مثل هذه التصرفات من قبل عناصر حزبية تستمد مشروعيتها من مشروعية العهد الديمقراطي الوحدوي الذي انتقل إليه وطننا اليمني في خطوة تاريخية تحمل ملامح التحول الحضاري. ولا ميزة فيمن يدعي الوطنية فيما تأتي سلوكياته وممارساته متجردة من معاني الوطنية حيث وأن ازدواجية كتلك تمنحه الحق في أن يقدم نفسه على أنه الذي سيكون البديل وسيأتي بالأفضل، إذ كيف يمكن للأسوأ في ماضيه أن يكون الأفضل في الحاضر والمستقبل؟ كما أن من أظهر عجزاً يصل حد الفشل الذريع في تطبيع علاقاته مع المشروع الديمقراطي الوحدوي والتكيف مع أوضاعه ومتطلباته وشروطه بفعل انشداده إلى ثقافة الماضي يستحيل له التعايش مع التوجهات المنفتحة للدولة الحديثة المتحررة من موروثات النظام الكهنوتي الامامي والاستعمار الانجلوسلاطيني والماضي التشطيري البغيض. ومن هذا التفكير الأناني والقاصر فلا غرابة ان وجدنا مثل هؤلاء يفكرون بمصالحهم الذاتية والضيقة قبل مصلحة الوطن ويغلبون مصلحة أحزابهم على مصالح الشعب. وبالتالي فإنهم من قبل ومن بعد يتقلبون بين المواقف بامتياز دون إدراك بأن اليمن قد دخل بالوحدة والديمقراطية عصراً جديداً فتح أمامه الافق المستقبلي لامتلاك نواصي التطور الاستراتيجي، وليس هناك قوة على وجه الأرض يمكن لها إعادته إلى عهود التشرذم والتمزق والشتات.