كانت القمة الاخيرة لدول مجلس التعاون الخليجي التي استضافتها الكويت في غاية الاهمية وذلك بغض النظر عن الخلافات الحادة والنقاشات الحامية التي تخللتها، خصوصا عندما كان الموضوع المطروح مرتبطا بتسمية الامين العام الجديد للمجلس. كانت للقمة اهمية استثنائية نظرا الى انها كشفت ان هناك توافقا بين الاعضاء على اهمية معالجة الوضع اليمني. كان مهما التأكيد على اهمية وحدة اليمن واستقراره وامنه. السؤال الان، هل هناك خطوات عملية يمكن اتخاذها في المستقبل المنظور تساهم في استيعاب التطورات اليمنية، بما في ذلك الظاهرة الحوثية؟ تعتبر الظاهرة الحوثية في غاية التعقيد نظرا الى انها مرتبطة بعوامل عدة ذات طابع مذهبي ومناطقي وقبائلي في الوقت ذاته. لن يكون سهلا معالجة الظاهرة، التي بدأت المملكة العربية السعودية تعاني منها ايضا، ولا التطورات التي ولدتها من دون التطرق الى كل العوامل التي تعتبر في اساسها. تضاف الى هذه العوامل في طبيعة الحال الحاجة الى ايجاد طريقة لدعم الاقتصاد اليمني من جهة والحؤول دون تمدد "القاعدة" في الاراضي اليمنية من جهة اخرى. انه كابوس
حقيقي لمجلس التعاون الذي اهمل الوضع اليمني طويلا وسمح في السنوات العشرين الاخيرة في زيادة الهوة، من الناحية الافتصادية والاجتماعية خصوصا، بين دوله من جهة وبين دولة تحتل موقعا استراتيجيا وتمثل امتدادا طبيعيا له في شبه الجزيرة العربية من جهة اخرى. لم يكن ممكنا في اي وقت فصل امن دول مجلس التعاون عن امن اليمن. هل لا يزال في الامكان تعويض التقصير الذي حصل في الماضي، ام ان اوان ذلك قد فات؟ في كل الاحوال، ليس سهلا على اي طرف عربي كان ان يأخذ على عاتقه التعاطي مع اليمن بمفرده. لا بدّ من مقاربة جماعية للموضوع تأخذ في الاعتبار ان المطلوب قبل كل شيء فصل كل عامل من العوامل التي تسببت في نمو الظاهرة الحوثية عن الاخر. وهذا يعني بكل بساطة ان مقاربة الوضع اليمني اما تكون من كل دول مجلس التعاون او لا تكون نظرا الى ان كل دولة من الدول الست قادرة على المساهمة في المعالجة من زاوية معينة. لا داعي الى تحديد دور كل دولة من الدول الاعضاء في هذا المجال او ذاك. لكن الثابت ان لكل دولة دورها المكمل للأدوار التي يمكن للدول الاخرى لعبها. بكلام اكثر صراحة، يحتاج اليمن الى قمة خليجية تكرس له بعيدا عن اي نوع من الحساسيات. على سبيل المثال وليس الحصر، هناك دول خليجية قادرة على التأثير في الجنوب اكثر مما هي قادرة على التأثير في محافظات صعدة والجوف وعمران في اقصى الشمال حيث تدور المعارك مع الحوثيين. وهناك دول تستطيع المساهمة في معالجة الوضع في المحافظات الثلاث من زاوية القبائل المؤثرة في المنطقة. وهناك دول قادرة على التخفيف من المعاناة اليومية للمواطن اليمني في ضوء الازمة الاقتصادية التي يعاني منها البلد. ليس مطلوبا الاكتفاء بتقديم مساعدات مالية الى اليمن بمقدار ما ان المطلوب فتح الابواب مجددا امام العمالة اليمنية حيث امكن. في النهاية ان كل عامل يمني موجود في الخارج يساعد عائلة بكاملها قد يتجاوز عدد افرادها عشرة اشخاص. فضلا عن ذلك، يبدو مفيدا ان يكون هناك بحث حقيقي في كيفية اعادة اعمار محافظة صعدة عن طريق مشاريع مدروسة تؤدي الى خلق فرص عمل فيها. لقد استغل الحوثيون ومن يدعمهم الحرمان المزمن الذي تعاني منه المنطقة التي يتحركون فيها لتحقيق الاختراق الذي انجزوه. هذا الاختراق لا يضر اليمن فحسب، بل انه موجه ضد كل دول المنطقة ايضا. هناك حاجة، اليوم قبل غد، الى تفكير في ما يمكن عمله في اقصى الشمال اليمني كي يكون هناك استيعاب للظاهرة الحوثية بكل ابعادها. وهناك حاجة الى خطوات عملية تساهم في تخفيف الاحتقان في الجنوب، نظرا الى ان العبث بوحدة اليمن ليس في مصلحة احد، لا داخل اليمن ولا خارجه. اظهر القادة الخليجيون وعيا حقيقيا خلال القمة الاخيرة للأخطار التي تهدد مجلس التعاون لدول الخليج العربية. عكس ذلك خطاب الشيخ صُباح الاحمد امير دولة الكويت في افتتاح القمة. كان هناك، على وجه الخصوص وعي لخطورة اي مواجهة مع ايران بسبب ملفها النووي. لا مصلحة خليجية في اي مواجهة عسكرية مع ايران. بأختصار، كان الخطاب الذي القاه الشيخ صٌباح خطابا عقلانيا. المهم الان ان تلي القمة سلسلة من الخطوات العملية ان على الصعيد اليمني او على الصعيد الايراني. تكمن اهمية مجلس التعاون الخليجي في انه استطاع منذ تأسيسه تشكيل مظلة تحمي الدول الاعضاء في ايام الازمات الكبرى. ادى المجلس دوره على اكمل وجه خلال الحرب العراقية الايرانية بين العامين 1980 و1988، كذلك شكلت الدول الست جبهة متراصة عندما اقدم صدّام حسين على مغامرته المجنونة في العام 1990 حين احتل الكويت. هناك الان تحديات من نوع جديد مرتبطة بالوضع اليمني والازمة القائمة بين ايران والمجتمع الدولي بسبب ملفها النووي. لا يمكن الاكتفاء ببيان القمة على الرغم من انه صيغ بطريقة عقلانية. القمة الخليجية خطوة في الطريق الصحيح، لكن الحاجة الى خطوات اخرى وربما الى قمة اخرى لتأكيد ان مجلس التعاون لن يكتفي بلعب دور المراقب، فيما نار الازمات الاقليمية تقترب من حدود دوله