من الأفضل في هذه المرحلة ان يكون هناك وعي عربي لخطورة التحديات التي تواجه القضية الفلسطينية. من دون ظهور مثل هذا الوعي لا امل في تحقيق اي تقدم على طريق اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. هذا اذا كان العرب يريدون بالفعل ان تكون هناك دولة فلسطينية ويعملون من اجل ذلك. لكن السؤال الأساسي يبقى هل هناك وعي فلسطيني لجدية المخاطر التي تتعرض لها قضيتهم؟ يفترض في الفلسطينيين ان يؤكدوا اولا انهم معنيون بقضيتهم قبل ان يتوقعوا من العرب شيئا او اي مساعدة او دعم من اي نوع كان. من بين ابرز التحديات التي تواجه القضية الفلسطينية وجود حكومة اسرائيلية برئاسة بنيامين نتانياهو تؤمن بكل شيء بأستثناء الوصول الى تسوية معقولة ومقبولة تقوم على انسحاب الى خطوط العام 1967 م.. علماً بأن هناك حاجة الى بعض التعديلات الضرورية في ضوء حاجة الفلسطينيين الى ممر ما يربط بين الضفة الغربية وقطاع غزة. هذا في حال هناك من لا يزال يعتقد ان الدولة الفلسطينية تضم الضفة والقطاع اللذين كانا منفصلين في العام 1967. يفترض في الفلسطينيين، بدل العيش على الأوهام والشعارات ان يسألوا انفسهم ما الذي يمكن عمله وما الذي لا بد لهم من تفاديه في هذه المرحلة الدقيقة التي يمر بها الشرق الأوسط. قبل كل شيء، عليهم استبعاد السلاح. كانت الانتفاضة الأولى التي انطلقت في العام 1987 ناجحة لأنها كانت انتفاضة "اطفال الحجارة". كشفت تلك الأنتفاضة ان اسرائيل ليست سوى قوة احتلال وان الفلسطيني هو الضحية. وقف العالم مع الشعب الفلسطيني الذي عرف وقتذاك تحقيق انتصارات سياسية على غير صعيد توجت بالحوار بين الأدارة الأميركية ومنظمة التحرير الفلسطينية. كانت تلك خطوة اولى على طريق استعادة الفلسطينيين ارضاً وذلك للمرة الأولى في تاريخهم الحديث. جاء استرجاع الأرض بعد توقيع اتفاق اوسلو الذي تضمن الكثير من الأيجابيات والسلبيات في الوقت ذاته. لكن الأتفاق يبقى اساساً يمكن البناء عليه، خصوصاً انه تضمن الاعتراف المتبادل بين منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة اسرائيل. مثل هذا الاعتراف المتبادل كان في الأمكان تطويره في اتجاه قيام الدولة الفلسطينية المستقلة لولا مجموعة من العوامل ادت في حينه الى ايجاد هوة بين الأسرائيليين والفلسطينيين. راحت هذه الهوة تتسع بعد القرار الخاطئ بعسكرة الانتفاضة في العام 2000 اثر فشل قمة كامب ديفيد بين الرئيس كلينتون وياسر عرفات، رحمه الله، وايهود باراك رئيس الوزراء الأسرائيلي وقتذاك. لا يزال الفسطينيون يدفعون ثمن القرار الخاطئ بعسكرة الأنتفاضة. قلة تحاول الآن الأستفادة من دروس الماضي القريب، فيما لا تزال هناك فئات لا تريد ان تتعلم من اي تجربة من التجارب التي مرت بها القضية الفلسطينية، بما في ذلك حرب غزة الأخيرة التي تمر هذه الأيام سنة على اندلاعها. هناك الآن بين العرب والفلسطينيين من لا يزال يعتقد ان تلك الحرب التي مارست خلالها اسرائيل ارهاب الدولة كانت انتصارا. دمرت اسرائيل ربع البنية التحتية لغزة وقتلت المئات، بمن فيهم نساء واطفال ومدنيون، وجرحت الآلاف. ليس امام الفلسطينيين سوى التحلي بالحكمة وترتيب اوضاعهم وبيتهم الداخلي على اي قطعة ارض فلسطينينة هم عليها. كان الانسحاب الأسرائيلي من جانب واحد من قطاع غزة فرصة لا تعوض لاظهار انهم قادرون على ان يحكموا انفسهم بطريقة حضارية. كان يمكن للقطاع أن يكون نموذجا ناجحا لما يمكن ان تكون عليه الدولة الفلسطينية المستقلة. لو كان تم ترتيب البيت الداخلي والابتعاد كل البعد عن السلاح ولعبة السلاح والتزام البرنامج الوطني، الطريق الوحيد المتاح للوصول الى هدف قيام الدولة المستقلة على الرغم من كل الصعوبات القائمة. لا مفر من بناء مؤسسات فلسطينية حديثة، مؤسسات مدنية وامنية في الوقت ذاته شرط ان يكون واضحا ان الهدف يتمثل في قيام دولة فلسطينية مستقلة على اساس خطوط 1967 تعيش بسلام وأمان مع محيطها وجيرانها. لا شك ان بلوغ الهدف ليس سهلاً، لكن الواضح ان المجتمع الدولي لا يزال يضغط في اتجاه قيام دولة فلسطينية مستقلة من زاوية حرصه على الاستقرار في المنطقة. الدليل على ذلك الموقف الأخير للاتحاد الأوروبي من القدس وتشديده على ضرورة التفاوض من اجل ان تكون عاصمة للدولة الفلسطينية ايضا. صحيح ان الموقف الأوروبي كان ضعيفاً وان اسرائيل استطاعت تمييع النص الأصلي للقرار، لكن الصحيح ايضاً انه لا يزال هناك، على الصعيد الدولي، من يولي اهمية لفلسطين. المهم ان يتذكر الفلسطينيون انفسهم ان الوقت لا يعمل بالضرورة لمصلحتهم، على الرغم من العامل الديموغرافي. عليهم ان يتذكروا ان الشرق الأوسط يغلي وان نشوء مشاكل جديدة في المنطقة لا يفيد قضيتهم، بل يطغى عليها. الوضع في العراق قابل للاشتعال مجدداً. افغانستان تبدو قصة لا نهاية لها قريبا. الملف النووي الايراني قنبلة موقوتة. هذا غيض من فيض. اكثر من ذلك، لم يعد الكلام عن حرب جديدة مجرد كلام، خصوصاً عندما يتحدث الرئيس باراك اوباما في خطاب تسلمه جائزة نوبل للسلام عن ان هناك حروباً لها ما يبررها.