صدر قبل أيام الجزء الثاني من مذكرات الرئيس الفرنسي جاك شيراك وكما كان متوقعا فقد شمل قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري وخروج الجيش السوري من لبنان وما تلا ذلك من تطورات ما زال لبنان يعاني من تداعياتها حتى اليوم. والواضح في رواية شيراك انه كان يعمل جنباً إلى جنب مع رفيق الحريري من اجل إخراج السوريين من لبنان ونزع سلاح المقاومة وان رئيس الوزراء الراحل دفع ثمناً باهظاً لهذه المبادرة. ونظراً لان شهادة شيراك مباشرة ومفصلية في تفسير تطورات الأزمة اللبنانية ولأنها تكشف بوضوح ما كانت سوريا وأصدقائها يسمونه "مؤامرة" أجنبية في ذلك الحين ولأنها أيضا يمكن أن تعكس طبيعة القرار الظني الذي سيصدر عن المحكمة الدولية الخاصةبجريمة الحريري فقدارتأيت أن تحتل هذه الشهادة كامل مقالي الأسبوعي وان بصيغة موجزة ومكثفة على أن أعود في وقت لاحق إلى الدروس التي يمكن استخراجها من هذه الوقائع . تبقى الإشارة إلى أن آرييل شارون قد عبر لشيراك- كما سنلاحظ في نهاية المقال عن امتنانه للمساعي التي بذلها من اجل سحب القوات السورية من لبنان فالى الشهادة: يبدأ شيراك هذا الفصل بالحديث عن وصية سمعها من الرئيس الراحل حافظ الأسد ".. " بشار هو كأبنك ويجب أن تعامله كما تعامل ابنك " قالها لي حافظ الأسد في حزيران يونيو قبل وفاته بقليل. كنت حريصاً على إقامة علاقات جيدة مع الأسد الأب نظراً لوزن بلاده في المنطقة وتأثيرها في لبنان وقد بدا لي انه يريد وصيا على ابنه وخليفته غير المجرب. عند زيارته في العام التالي إلى باريس قال لي بشار الأسد بدوره: "..أنت تعرف بان والدي يعتبر بأنني يجب أن أكون كأبنك بعد غيابه وأرجو إذن أن تكون لدينا علاقات من هذه الطبيعة " رغم ذلك بدا لي أنني لن أجد لدى بشار ذات النوعية من العلاقات التي احتفظت بها مع والده منذ التقيته عام 1996 في دمشق والتي تأكدت بعد عامين عندما ألتقيته في باريس. فهو مراوغ وعنيد ومتشدد في أوجه عديدة. وذلك بخلاف والده. فقد كنت اشعر دائما بان حافظ الأسد يحترم قوله وانه محاور صادق في رغبته في الحوار مع فرنسا" "في بداية العام 2004 باشرت العمل مع رفيق الحريري على قرار أممي يفرض سحب القوات السورية من لبنان. وبما أن القرار يحتاج إلى تعاون مكثف مع الولاياتالمتحدةالأمريكية فقد اغتنمت الفرصة في 5 حزيران يونيو» من العام نفسه حين جاء بوش إلى باريس في مناسبة ستين عاما على إنزال النورماندي في الحرب العالمية الثانية. وخلال عشاء في الاليزيه سربت موضوع لبنان الذي لم يكن مقررا في المحادثات قلت له " في الشرق الأوسط ديمقراطيتان الأولى قوية وهي إسرائيل وقادرة على الدفاع عن نفسها والثانية هشة وهي لبنان ويجب أن نساعدها " لم يكن بوش يعرف لبنان فشرحت له أهمية حصوله على الاستقلال تارة عن سوريا وتارة أخرى عن حزب الله. قلت لبوش أن لبنان سيشهد انتخابات رئاسية نهاية العام وبأنها يجب أن تكون حرة وان انسحاب سوريا من لبنان هو الشرط الأساسي لنزع العقوبات عنها. واتفقنا على العمل معا نحن والأمريكيين"ويضيف شيراك "..في هذا الوقت شعرنا رفيق الحريري وأنا أن بشار ولحود اتفقا على تعديلات دستورية تمدد ولاية الرئيس اللبناني. أدان الحريري هذا العمل فاستدعي إلى دمشق في 26 آب أغسطس وذلك بعد أيام من استقباله لمبعوثي الشخصي غوردو مونتاني من اجل قراءة نهائية لمشروع القرار 1559قبل إقراره في مجلس ألأمن" ويتابع "..عرض لي الحريري بالضبط ما جرى داخل مكتب بشار الأسد بحضور نائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام الذي أكد على التفاصيل نفسها في شهادته عام 2005 أمام لجنة التحقيق الدولية في اغتيال رئيس الوزراء الفرنسي السابق. بدأ الحريري بتذكير الأسد بتعهده له بعدم التجديد ل«أميل لحود» فرد بشار بطريقة جافة معتبراً أن الموقف السياسي قد تغير وبان قراره اتخذ وانتهى الأمر. وتابع بان لحود يجب أن يعامل بوصفه ممثله الشخصي في بيروت وبان معارضته هي معارضة الأسد شخصياً. وهدد الحريري ووليد جنبلاط إذا ما وقفا ضد التعديل الدستوري وضد انتخاب لحود. وقال " إذا أراد شيراك إخراجي من لبنان سأحطم لبنان. إما أن تنفذوا ما أقول أو ألاحقكم انتم وعائلاتكم أينما كنتم في العالم. .." ويواصل شيراك".. أخطرني الحريري في اليوم نفسه بما جرى فطلبت منه أن يحرص تماماً على أمنه الشخصي. واتفقنا على تسريع التصويت على مشروع القرار 1559 في مجلس الأمن" ويتابع الرئيس الفرنسي السابق ".. في 2 سبتمبر صدر القرار الذي ينص على خروج القوات السورية من لبنان وعلى نزع سلاح المليشيات ( حزب الله ) فرد الأسد بالتمديد للحود وصب جام غضبه على الحريري الذي استقال من الحكومة في 21 أكتوبر تشرين الأول. وفي 8 شباط فبراير عام 2005 قلت لكوندي رايس يجب ألا نسمح للأسد بخنق لبنان.علينا تهديد سوريا بعقوبات اقتصادية وتطبيق القرار 1559 . وحذرتها من أن لا مصلحة لنا في أن يستقر هلال شيعي في الشرق الأوسط انطلاقاً من إيران وصولا إلى حزب الله ومرورا بدمشق وبغداد .. وبعد أيام فقط أي في 14 شباط اغتيل الحريري وسيتغير مجرى الأحداث وكانت تلك واحدة من أبشع الصدمات في حياتي"والكلام دائما لشيراك الذي أكد ".. لم أشارك في مراسم العزاء الرسمية حتى لا اضطر إلى مجاورة الرئيس إميل لحود الذي يتحمل مسؤولية كبيرة في التدهور الذي أدى إلى هذا العنف " ويؤكد شيراك دون تردد"..أن مسؤولية بشار الأسد في اغتيال رفيق الحريري لاتتحمل الشك بنظري رغم إنني لا املك البرهان المطلق. غداة الاغتيال طلبت من جان مارك دو لا سابليير بان يبذل قصارى جهده من اجل تشكيل لجنة تحقيق دولية لتحديد هوية المسؤولين عن هذا الحادث ومحرضيهم.وفي 25 فبراير قلت لبوش في بروكسيل بان قناعتي أن هذا العمل ما كان ممكناً أن يتم الا من طرف أجهزة منظمة ومجربة.إن من يعرف طريقة عمل النظام ... في دمشق لا يداخله الشك في أن قرار اغتيال الحريري اتخذ من طرف الأسد وكل فرضية أخرى لا معنى لها . " في 6 مارس آذار أعلن الأسد سحب جنوده من لبنان. وهذا انتصار للحريري بعد موته. وبعد شهر وافق مجلس الأمن الدولي على إنشاء لجنة تحقيق دولية لطالما تمنيت تشكيلها" ويتابع قائلا" في20 أكتوبر تشرين الاول حمل ديتليف ميلس سوريا مسؤولية اغتيال الحريري وفي هذا الوقت دعمت باريس وواشنطن مشروع إنشاء محكمة دولية في اغتيال الحريري صادق مجلس الأمن على إنشائها في 30 مايو أيار 2007 أي بعد أيام من انتهاء ولايتي الرئاسية. وفي 27 تموز 2005 التقيت شارون في باريس الذي أدرك إنني لست عدوا لإسرائيل و قال لي انه يقدر جهودي التي أدت إلى انسحاب سوريا من لبنان. وفي نوفمبر تشرين الثاني و قبل إصابته بجلطة دماغية طلب مني شارون أن أتدخل لدى الحكومة اللبنانية حتى لا يخطف حزب الله جنودا إسرائيليين. الأمر الذي سيتم من بعد وسيؤدي إلى حرب 2006 . "