بات من الواضح أن هناك مخططاً يستهدف مقومات الاقتصاد الوطني وهياكله المرتبطة بحياة الناس، وأن هذا المخطط يجري تنفيذه من قبل أكثر من طرف، وبتنسيق مريب يؤكد أن الأزمة التي بدأت في اليمن تحت غطاء حزبي وسياسي لتأخذ سياقاً آخر بعد الأحداث التي جرت في تونس ومصر، تبدو اليوم أكثر وبالاً وهي تنصب في بعض معالمها على الوجهة الاقتصادية التي تمس بشكل مباشر المجريات الحياتية والمعيشية للمواطنين. ويتجلى هذا التطور التدميري في أعمال التخريب التي طالت خط أنابيب النفط بمحافظة مأرب مما أدى إلى توقف عملية الإنتاج في الحقول النفطية وحرمان خزينة الدولة المورد الرئيسي من الدخل، وكذا حرمان المواطنين من الحصول على احتياجاتهم من المشتقات النفطية والغاز، واللجوء إلى تغطية بعض هذه الاحتياجات عن طريق الاستيراد من الخارج وبمبالغ مهولة ضاعفت الأعباء على البلاد واقتصادها. وفي إطار هذا المسلسل التدميري والتخريبي عمدت بعض العناصر الخارجة على النظام والقانون إلى استهداف أبراج وخطوط الكهرباء في اعتداءات متكررة ومتتالية وصل عددها إلى أكثر من خمسين اعتداء خلال الأشهر الأربعة الماضية كلف إصلاحها مئات الملايين من الريالات، فضلاً عن الخسائر التي لحقت بالمواطنين جراء استمرار انقطاع التيار الكهربائي عنهم، وما تزال هذه الاعتداءات مستمرة حتى اليوم رغم الإجراءات التي اتخذتها الأجهزة المختصة، ومن ذلك ملاحقة المتورطين في هذه الأعمال التخريبية، الذين ربما صاروا يجدون من يوفر لهم الحماية، بل ويحرضهم ويشجعهم على الاستمرار في هذا المسلك الإجرامي. والمؤسف حقاً أن عدوى هذه الممارسات التخريبية أخذت منحى الانتشار وكأن تعميماً قد صدر من بعض القوى السياسية والحزبية إلى كوادرها والمنتمين إليها بتدمير كل ما تتلقفه أيديهم من مشاريع خدمية، وآخر الشواهد على ذلك قيام عناصر مسلحة من أحزاب اللقاء المشترك بحرق محول كهربائي بمنطقة الشَّعَابْ بمدينة إب يوم أمس. والشيء اللافت أن تتزامن هذه الأفعال التخريبية مع النشاط الإرهابي المحموم لعناصر تنظيم القاعدة، التي تركز هي الأخرى على ضرب المنشآت الاقتصادية. ولم يكن التفجير الانتحاري الإرهابي بمنطقة كالتكس، الذي استهدف المنطقة الحرة بعدن يوم أمس سوى دليل جديد على أن بعض القوى، وإن اختلفت في الأهداف والغايات، تتفق على قاسم مشترك هو ضرب الاقتصاد الوطني وتدمير مكوناته، باعتبار أن ذلك هو السبيل لتدمير مقومات الدولة ومؤسساتها وإدخال البلاد في فوضى عارمة يصعب العيش في ظلها. والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا تصمت أحزاب اللقاء المشترك وترفض إدانة مثل هذه الأعمال التخريبية إذا كانت بريئة من ذلك، ولا تربطها أية علاقة بمن يقترفون مثل هذه الجرائم؟. ولماذا تميل هذه الأحزاب إلى إغماض عيونها أمام تلك الأفعال الإجرامية؟ هل لأنها فرحةُ بما يتعرض له الوطن واقتصاده؟ أم أنها شريك فعلي في ذلك المخطط التدميري من خلال بعض عناصرها ولهذا فهي تمسك بالعصا من المنتصف..؟. ولأننا لا نستحسن أن تظل مثل هذه التساؤلات تتداولها الألسن، فإننا نتمنى على هذه القوى السياسية والحزبية أن تسارع إلى تحديد موقفها الواضح والصريح من تخريب الكهرباء وأنابيب النفط والأعمال الإرهابية لعناصر القاعدة، خاصة وأن ما تضمنه بيانها الأخير في هذا الجانب من ضبابية لم يؤدّ إلاَّ إلى مزيد من الضبابية حول مواقفها، إن لم يكن قد كشف عن عمق حالة الارتباك التي تعاني منها هذه الأحزاب، إلى درجة بدت فيها لا تميز بين خلافها مع الحزب الحاكم والخلاف مع الوطن. ويبقى الأمل أن تدرك هذه الأحزاب أن الوطن على مفترق طرق، واقتصاده يتعرض لتدمير منظم، وأنها معنية بالوقوف إلى جانب الدولة في إيقاف الانتهاكات والتجاوزات للنظام والقانون، ووضع حدّ لمن يريد الزج باليمن في أتون الانفلات الماحق، وذلك يبدأ بإيقاف مليشياتها المسلحة عن القيام بأية ممارسات ضارة بالاقتصاد والوطن والمجتمع، خاصة وأن الكارثة إذا ما حلت فإنها ستصيب الجميع ولن ينجو منها أحدٌ بما فيهم الضالعون في أعمال التخريب ومن يقفون وراءهم.