كما أسلفت وقلت أن صداقتي له قد تميزت منذ أبكاني, وإذا ما كنت سألت نفسي, كيف أجعل من صداقته مكاناً يزاحم من سبقوه في حبي وصداقتي لهم, كالمتنبي والمعري وأبي نواس.. فقد وجدت المبرر وعذرت نفسي, بعد توسعي في قراءة ومتابعة ما كتب عن عمر الخيام لكتاب وأدباء عرب وغير عرب, عذرت نفسي خاصة بعد أن وجدته قد احتل مكانة مرموقة كصديق لنخبة من خبرة الملوك والرؤساء والثوار في عصره, وفي عصرنا المعاش.. فهذا أفضل رئيس في تاريخ الولاياتالمتحدة العظيم ابراهام لنكولن.. كان غالباً ما يقرأ من ديوان عمر الخيام قبيل نومه, وقد قرأت أن الرئيس الروسي فلا ديمير بوتين, يفعل الشيء نفسه في عصرنا, أما الزعيم الزنجي مارتن لوثر فقد كان كثير الاستشهاد بشعر الخيام في خطاباته وكان يسبق استشهاداته بقوله: “صدق الخيام” ثم يلقي المقطع أو البيت المطلوب. نأتي إلى عصره فقد جاء في أهم المراجع أن الخاقان شمس الملوك في بخارى كان يعظمه ويجلسه إلى جواره في كرسيه, وأن جلال الدين ملكشاه قد استدعاه وكلفه بتعديل التقويم الإيراني وانزله منزلة ندمائه وخاصته, أما ما روي عنه وعن حساده وعلاقته بالملكشاه السلجوقي فتستحق الإعجاب وإكبار الخيام الذي رأى أن من حول الملوك والرؤساء من وزراء وأصحاب نفوذ يمكن إيجاد العشرات أمثالهم من قرية واحدة, لأنه كما نقول في عصرنا صنعهم قرار أو مرسوم, وقبل سرد الواقعة نشير إلى أن لقب “خواجة” كان يطلق في فارس على من يشغل منصب رئيس الديوان الملكي وكبير حاشية البلاط..أما الواقعة فتقول: أن ملكشاه – أي ملك الملوك – قد قرب عمر الخيام منه ومنحه راتباً مقداره عشرة آلاف دينار.. فاستكثر الخواجة الكاشاني على عمر الخيام ذلك, بل استفزه بقوله: بم تخدم سلطان العالم, حتى يمنحك عشرة آلاف دينار؟! فما كان من الخيام إلا أن رد عليه بالقول” يجب أن تتمخض السموات, وتدور الكواكب في المدارات نازلة صاعدة ألف عام, حتى تخرج من هذه الطاحونة حبة مثل عمر الخيام وان يظهر في مدن العلالي السبع حاد لقافلة الحكمة مثلي, أما إذا أردت من يقوم بهمام خواجة, فيمكنني أن استقدم من كل قرية بنواحي كاشان عشرة من هكذا خواجات”. هكذا كان رد الخيام على الخواجة, ومن الجميل أن هذه الحكاية عندما بلغت مسامع السلطان قد علق عليها بقول “ تالله لقد صدق الخيام”. عندما قرأت هذه الحكاية أكبرت الخيام لاعتزازه بنفسه, كما أكبرت السلطان لتقديره للمبدعين العباقرة.. وذكرتني بموقف للأستاذ المرحوم محمد عبدالوهاب جباري عندما كان وزيراً للاقتصداد وكنت شاهداً عليه, فقد أقيمت مأدبة غداء لمجموعة من الوزراء وكبار الدولة في فندق رمادا حدة, وعند دعوتهم إلى المائدة, قام الأستاذ جباري ودعا السائقين والمرافقين – الذين كانوا في الساحة – لتناول طعام الغداء مع الوزراء فلامه بعض الحضور على ذلك وكيف يدعو السائقين والمرافقين إلى مائدة الوزراء وكبار الدولة؟ فكان رد الأستاذ جباري هكذا: وما الفرق بيننا وبينهم, هل القرار الجمهوري؟ ولو صدر لأحدهم قرار بتعيينه وزيراً لصار مثلنا ولا فرق بيننا وبينه.. قد يكون للأستاذ جباري مغزاه ولكني لم أفهم إجابته, بأن بالإمكان أن تصنع وزيراً – وما فوق – بقرار جمهوري أو ملكي- ولكن لا تستطيع أن تصنع شاعراً ولا مفكراً أو عالماً بقرار.. وهذا أيضاً ما قصده عمر الخيام بجوابه أو برده على الخواجة. اختتم بالقول: انه الخيام العظيم الذي أضعه بمكانة أو مرتبة المتنبي والمعري وسأحدثكم عنه كثيراً, وإذا ما كان الخيام من أبكاني فصادفته فإن جباري من أحسن إليَّ فأحببته رحمه الله. وإذا ما كان قد ورد في الأثر القول “جبلت القلوب على حب من أحسن إليها” فإني أضيف “ والعكس صحيح تماماً.