هو أحمد بن الحسين الجعفي المكنى ب (أبي الطيب) والملقب بالمتنبي , نسبة إلى النبوة , كونه ادعاها كما تذكر بعض الروايات , ولد في (كندة) عام 303 915م في بيت فقر وبؤس لأن أباه كان يعمل سقاءً في أحد أحياء الكوفة وقد هجاه أحد الشعراء بقوله: متنبيكم ابن سقاء كوفا ن وبوحى من الكنيف إليه كان من فيه يسلح الشعر حتى سلحت فقحة الزمان عليه ظهرت عليه علامة النبوغ والذكاء مبكراً فحمله أبوه إلى إحدى مدارس العلويين هناك في الكوفة فدرس اللغة والشعر , وأتصل بائمة اللغة والأدب , مثل الزجاج وابن السراج والأخفش الأصغر وابن دريد وأبي علي الفارسي وغيرهم من أدباء عصره , كما طاف بين القبائل متأملاً لهجاتهم وفصاحتهم.. وفي هذه الأثناء توفي والده ولايزال شاباً يافعاً فكان لموت والده أثر في نفسه. والدارس لعصر المتنبي يجد أن عصره كان يضج بصنوف التيارات الفكرية والثقافية والمذهبية , كالاسماعيلية والشيعية والعلوية التي كانت لازالت في بدايتها والتي انضم إليها المتنبي بغذيها من بنات أفكاره ويذيعها بين الناس. ولشدة تأثيره فقد أسره أمير حمص آنذاك وسجنه هناك لمدة سنتين حتى أصيب بأمراض عدة داخل السجن , خرج على إثرها وقد انطفأت همته الفكرية في دعوته العلوية عاش بعد ذلك ظروفاً قاسية في شظف العيش وقلة المؤونة وأزدياد الحاجة في وقت انغمس كثير من الولاة والأمراء في لذة العيش وترف المادة فاجهد نفسه كثيراً باحثاً عن رزقة إلا أن حظه كان سيئاً ولم يجد غير الشعر يتكسب به في ذلك الوقت , إذ كان الشعر رأس مال فعال لدى الكثير ,خاصة وأن المتنبي قد نبغ في قول الشعر منذ يفاعته ,فمدح الولاة والأمراء وذوري الجاه والسلطان في كل مصر , ويبدو أنه لم يبلغ مناه أو ينل مقصود , كما رأينا ذلك في بعض أبيات له تصور شقاءه وسوء حظه: ضاق صدري وطال في طلب الرز ق قيامي وقل عنه قعودي ابداً اقطع البلاد ونجمي في نحوس وهمتي في سعود ولعلي مؤمل بعض ما ابلغ باللطف من عزيز حميد وتشير بعض المصادر أن البلدان التي رحل إليها بحثاً عن الرزق هي دمشق وبعلبك وحمص وطرابلس ومنبج وانطاكيه واللاذقية وطبريا والرملة وبغداد والبصرة ومصر وغير ذلك , إلا أن حلب في سوريا هي التي استقر فيها كثيراً بسبب تقدير سيف الدولة له وعطفه عليه ,وذلك لما سمع منه من رقيق الشعر وفصاحة البيان فقضى هنالك ثمان سنوات أو تسع سنوات مرافقاً لسيف الدولة في حله وترحاله في حربه وسلمه موثقاً بطولاته الحربية شعراً حتى طارت شهرته الآفاق بسبب شعر المتنبي الذي كاد أن يعطيه كل شعره: أحبك ياشمس الزمان وبدره وإن لامني فيك السهى والفراقد وذاك لأن الفضل عندك باهر وليس لأن العيش عندك بارد فإن قليل الحب بالعقل صالح وإن كثير الحب بالجهل فاسد ولذا فقد كان سيف الدولة كثير العطاء للمتنبي جزاء مدحه هذا والذي مثل له محطة إعلامية بالمفهوم المعاصر حتى إنه حصل على مايقارب أربعين ألف دينار في سنة واحدة , وعليه فقد كثر حساده والذين ازداد حسدهم وغيظهم عليه , فكادوا له المكائد وأكثروا عليه من الوشايات عند سيف الدولة حتى أثروا عليه. ويذكر أن سيف الدولة رماه بدواة كان يكتب بها حتى شج رأسه فحزن على إثر ذلك المتنبي حزناً شديداً , إذ لم يكن يتوقع ما سيصيبه من سيف الدولة جراء تلك الوشايات ومن هنا كانت ميميته المشهورة التي أنشدها مردداً فيها أنفاس الحزن. واحر قلباه ممن قلبه شبم ومن بجسمي وحالي منهم سقم فأعجب سيف الدولة به كثيراً وعاد إلى الرضا عنه كما كان سابقاً بألفي دينار. ولما كانت شهرته قد جاوزت الآفاق وصيته قد ذاع في انحاء البلاد , خاصة عند الولاة طلبه كافور الأخشيدي في مصر وجهز له داراً خاصة به , وكان المتنبي وقتها طامعاً في الولاية , حالماً بها خاصة وأن كافور قد وعده سابقاً ,إلا أنه نكث بوعده أمام المتنبي الأمر الذي جعل من المتنبي يقاطعه شهوراً تعبيراً عن غضبه , حتى أضطر المتنبي للرحيل عن مصر , إلا أن كافور سجنه حين علم بذلك , لكن المتنبي استطاع الفرار من السجن ليلة عيد الأضحى وقد نظم قصيدته المشهورة. عيد بأية حال عدت ياعيد بما مضى أم لأمر فيك تجديد أما الأحبة فالبيداء دونهم فليت دونك بيداً دونها بيد لولا العلا لم تجب ما أجوب بها وجناء حرف ولا جرداء قيدود ياساقيي أخمر في كؤوسكما أم في كؤوسكما هم وتسهيد أصخرة أنا؟ مالي لاتحركني هذي المدام ولا هذي الأغاريد إذا أردت كميت اللون صافية وجدتها وحبيب النفس مفقود ماذا لقيت من الدنيا وأعجبه أني بما أنا باك منه محسود أمسيت أروح مثر خازناً ويداً أنا الغني وأموالي المواعيد إني نزلت يكذابين ضيفهم عن القرى وعن الترحال محدود جود الرجال من الأيدي وجودهم عن اللسان فلا كانوا ولا الجود مايقبض الموت نفساً من نفوسهم إلا وفي يده من نتنها عود أكلما اغتال عبد السوء سيده أو خانه فله في مصر تمهيد صار الخصي إمام الآبقين بها فالحر مستعبد والعبد معبود نامت نواطير مصر عن ثعالبها فقد بشمن وما تفنى العناقيد العبد ليس لحر صالح بأخٍ لو أنه في ثياب الحر مولود لاتشتر العبد إلا والعصا معه إن العبيد لأنجاس مناكيد ماكنت أحسبني أحيا إلى زمن يسيء بي فيه عبد وهو محمود ولا توهمت أن الناس قد فقدوا وأن مثل أبي البيضاء موجود وأن ذا الأسود المثقوب مشفره تطيعه ذي العضاريط الرعاديد جوعان يأكل من زادي ويمسكني حتى يقال: عظيم القدر مقصود من علم الأسود المخصي مكرمة أقومه البيض أم آباؤه الصيد أم إذنه في يد النخاس دامية أم قدره وهو بالفلسين مردود أولى اللئام كويفير بمعذرة في كل يوم وبعض العذر تفنيد وذاك أن الفحول البيض عاجزة عن الجميل فكيف الخصية السود!؟ وهكذا خرج المتنبي من مصر يجر ذيول الخيبة كما يجر وراءه أيضاً قصيدة ذاعت شهرتها أكثر من شهرة كافور نفسه , وقد حاول الجند اللحاق به لكنهم لم يستطيعوا وكان المتنبي قد غادرها متوجهاً إلى الكوفة بلاده الأم , فعلم سيف الدولة بقدومه إليها فأرسل إليه بهدية مع أبنه داعياً إياه العودة إلى حلب , إلا أن المتنبي رفض ذلك لأنه كان ذا نفس عزيزة , وفي قفوله إلى حلب نوع من التنازل لاينبغي خاصة وأن حساده لايزالون هم حاشية سيف الدولة والذين كانوا هم السبب في عزوفه عن الرجوع كما يتضح ذلك من قوله: فهمت الكتاب ابر الكتب فسمعاً لأمر أمير العرب وما عاقني غير خوف الوشاة وأن الوشاة طريق الكذب وعاش بعد ذلك قريباً من ابن العميد وزير الدولة ثم في شيراز عند عضد الدولة. وقد ذكر ابن خلكان في وفاته أن نكوث كافور بوعده أمام المتنبي بعدم توليه راجع إلى توجس كافور منه لما رأى تعاليه في شعره واعتزازه بنفسه فقال: من أدعى النبوة بعد محمد صلى الله عليه وسلم أما يدعي المملكة مع كافور؟! وفاته: كانت وفاته بالصافية قرب بغداد حيث كان مع سبعين رجلاً من عشيرته وقيل أكثر من ذلك فهاجمه مجموعة من الناس يقودهم فاتك بن أبي جهل الأسدي وتقاتلوا معهم واستطاع أبو الطيب أن يفر من هذا الهجوم إلا أن غلامه (مفلح) قال له: لايتحدث الناس عنك بالفرار وأنت القائل: فالخيل والليل والبيداء تعرفني والحرب والضرب والقرطاس والقلم فتذكر المتنبي قصيدته هذه وكر راجعاً بسيفه مقاتلاً حتى قتل ,وكان هذا البيت من الشعر هو سبب مقتله كما ذكر ابن رشيق القيرواني في (عمدته) في منافع الشعر ومضاره ,وكان ذلك عام 354ه لليلتين بقيتا من شهر رمضان. وقد رثاه خلق كثير من محبيه وحزنوا على وفاته ومنهم أبو القاسم المظفر بن علي الطبسي بقوله: لارعى الله سرب هذا الزمان إذ دهانا في مثل ذاك اللسان ما رأي الناس ثاني المتنبي أي ثان يرى لبكر الزمان كان من نفسه الكبيرة في جيش وفي كبرياء ذي سلطان هو في شعره نبي ولكن ظهرت معجزاته في المعاني