منذ أن اقتحمت الجائحة الدول الكبرى، وأنا أراهن نفسي على أن منظمات المجتمع المدني لدينا ستدرك أبعاد وحجم الكارثة الإنسانية التي خلفتها الجائحة بتلك الدول رغم ما رصدته من إمكانات عالية لمواجهتها . كان لدي ثقة أن تلك الأهداف الإنسانية النبيلة التي أقرأها طيلة ساعات عملي في ثنايا الأنظمة الأساسية لتلك المنظمات ستكون الدافع الحقيقي والمحرك القوي لهبة جماعية تستطيع المنظمات المدنية المحلية عبرها أن تبني سياجا يمنع أو يعيق الجائحة من الوصل للبلاد والعباد. وحين أعلنت الدولة عبر رئاسة الوزراء اتخاذ العديد من التدابير الاحترازية همست لذاتي في سعادة بالغة ستندفع الآن المنظمات غير الحكومية المحلية ليس فقط لتلعب دورها بل ستتجاوزه بخلق تكتلات وأفكار ومبادرات وأفعال تتسق مع تلك التدابير الاحترازية . ولكن ... وآه من لكن . مرور الأيام دون أي تحرك حقيقي من قبلها خلف بأعماقي حالة من القلق ، أنجبت علامة استفهام بحجم الخوف المتربع بأعماقي. علامة استفهام محددة (بمتى) ؟ متى ستستشعر تلك المنظمات المحلية مسؤوليتها تجاه الجائحة الكارثية ؟ ومع السؤال الذي بات يجلدني ليل نهار لم أجد إلا خطوات هشة معظمها لا يخرج عن النطاق المألوف الذي اعتادت أن تمارسه تلك المنظمات في الأيام الاعتيادية ... بروشورات دعائية تتضمن إرشادات ورقية بخلفية شعار المنظمة المفترض أنها إنسانية . أو أفكار ذات طابع تقليدي لا يتجاوز البيانات أو التصريحات المذيلة بأسماء المنظمات المحلية ، وكأننا بفصل دراسي أو بمقر حكومي يتطلب إثبات الحضور. مجرد واجب إثبات الحضور فقط .. أو أفعال نمطية الغرض منها التقاط صور فوتوغرافية. عندها فقط أصبح السؤال في فمي طعمه كله مرار، وتلاشى الجواب في صدري الذي هزته أرقام الإصابات والوفيات القادمة إلينا من مواقع التواصل الاجتماعي أو القنوات الفضائية . لتنزاح بعدها علامة الاستفهام ( متى ) بفمي وتحل محلها ( هل ) قائلة: هل عجزت تلك المنظمات المحلية عن القيام بدورها؟ هل نضب معينها عن خلق أفكار حقيقة ؟ هل تكلف كل منظمة حسب إمكاناتها بعدد من الأسر في نطاقها الجغرافي فكرة خيالية ؟ هل النزول في حملات تنظيف ونظافة بمحيطها يحتاج إمكانات خرافية ؟ هل إيجاد تكتل صادق حقيقي للانطلاق لمنافذ الحدود لإنشاء مراكز حجر صحي فكرة خيالية؟ هل توفير المياه النقية لكل حي أمر مكلف من الناحية المادية ؟ هل توزيع الأدوات والمعقمات للأحياء الفقيرة يتعارض مع أهدافها المؤسسية ؟ هل إنشاء صيدليات صغيرة متحركة لتوزيع الفيتامينات والأدوات الصحية بأسعار رمزية معضلة مادية ؟ ومع علامة الاستفهام (هل) يتردد بأعماقي رجاء أو نداء للقائمين على كل المنظمات المحلية مفاده :» ابذر بذرة تنبت لك الأرض زهرة ، وأطلق فكرة تحفظ لك الأرض ثمرة».