وفي خضم الخلافات الكبيرة التي برزت بين أقطاب النظام الجمهوري الوليد ، وتمحورت على كيفية وإدارة شؤون البلاد بعد الإطاحة بنظام أسرة حميد الدين الملكي ، أخذت سياسة التحالفات والمحاور والإستقطابات داخل المعسكر الجمهوري نفسه ومن ضمنه المصريين لاسيما مع بروز قوى صاعدة وتكون مراكز نفوذ مصلحية أخذت ، منحى آخر أكثر خطورة تمثل بالتخلص من بعض الرموز الثورية الجمهورية في ظروف غامضة ، وفي حوادث مختلفة بدأت بإغتيال الشهيد علي عبد الغني بمنطقة مأرب ، ثم اغتيال الشاعر والسياسي البارز القاضي محمد محمود الزبيري أحد أبرز المعارضين والخارجين على النظام الإمامي الملكي في شمال اليمن ، والذي أغتيل كما سبق وذكرنا في منطقة برط العنان في إبريل 1965 م على أيدي مجهولين اطلقوا عليه النار آنذاك . وفي أعقاب حادثة اغتيال الزبيري سارعت القبائل اليمنية ، إلى اتهام المشير عبدالله السلال ، وهو أول رئيس جمهورية في اليمن ، والجيش المصري بتدبير عملية الإغتيال هذه ، وهدد عدد من مشائخ القبائل ومنها حاشد بإقتحام العاصمة صنعاء ، واشترطوا على السلال تعيين أحمد محمد نعمان ،وهو صديق حميم للزبيري ورفيق دربه النضالي لفترة طويلة رئيسا للوزراء ، وقد استجاب السلال لتلك الضغوط والمطالب . في حين بادر النعمان كنوع من رد الجميل للقبائل ، بعقد المؤتمرات القبلية وتواصل مع السعودية وبريطانيا حينها ، وهذا ماشكل فرصة ذهبية مواتية للعاهل السعودي فيصل بن عبد العزيز لإختراق المربعات الجمهورية والنفاذ للعمق اليمني الداخلي ، وكسب ولاء عدد من الزعامات القبلية ، واغرائها بالأموال السعودية وتطويعها لخدمة مصالح الرياض وسياستها المناهضة لعبد الناصر والمد الثوري والقومي في اليمن وعموم المنطقة . وفعلا بدأ السعوديون بدعم هذا الطرف الثالث الغير جمهوري ، والغير ملكي في اليمن ، أو الطرف الإسلامي كما كان يسمي نفسه ممثلا بجماعة الزبيري ، لإن قيام دولة تابعة للرياض في اليمن أفضل بكثير من عودة المملكة المتوكلية اليمنية التي لم يجمعها بالسعودية سوى العداء المشترك لجمال عبدالناصر وتوجهاته القومية والتحررية في المنطقة بحسب قناعة الملك فيصل نفسه. ثم أخذت الأحداث المتسارعة في اليمن في تلك الفترة ، أكثر من منحى خطر خاصة مع تفاقم الخلافات داخل المعسكر الجمهوري ، وضيق الكثيرين من تدخل المصريين في شؤون البلاد ، واتهام رئيس الجمهورية بالإستلاب والتبعية المفرطة للقاهرة والدوران في فلكها ، حتى وصلت الأمور المتأزمة إلى لحظتها الفارقة ، والمتمثلة بتحالف واتفاق مراكز القوى التي برزت آنذاك إلى اتخاذ القرار بعزل الرئيس المشير عبدالله السلال في الخامس من نوفمبر 1967 م ، وتولي القاضي عبد الرحمن الإرياني رئاسة الجمهورية العربية اليمنية خلفا له ، تلا ذلك توقف المعارك المحتدمة بين الجمهوريين والملكيين رسميا عام 1970 م بعد اعتراف المملكة العربية السعودية بالجمهورية ، وتوقف الرياض الكامل عن دعم أسرة بيت حميد الدين. وقد جاءت هذه التطورات وسط صعود قوى لم تكن جمهورية ولا ملكية في اليمن وصفت نفسها بالإسلامية . وقد رأت الرياض ضرورة دعم.هذه القوى بالأموال عن طريق لجنة خاصة رأسها الأمير سلطان بن عبد العزيز وقد استقطبت هذه اللجنة عدد.من مشائخ القبائل الكبار وضمتهم إلى كشوفها وفي مقدمتهم شيخ قبيلة حاشد عبدالله بن حسين الأحمر ، حيث اعتمدت لهم الرياض مخصصات مالية شهرية وسنوية سالت عليها لعابهم وجعلت منهم دولة داخل الدولة في اليمن وخدام لمصالح المملكة وسياستها وقد حاول القاضي الإرياني جاهدا الحد من ذلك واسترداد الدولة المفقودة وتحريرها من هؤلاء دون جدوى ، واستمر الوضع الذي لايطاق على ماهو عليه إلى أن وجد القاضي الإرياني نفسه كرئيس جمهورية مجرد من حق اتخاذ القرار ومحاصر بكرادلة الفوضى من القوى القبلية المتخلفة حتى أجبر على الإستقالة وترك السلطة والذهاب إلى منفاه السوري الذي اختاره في دمشق وخلفه في الحكم المقدم الشاب إبراهيم الحمدي الذي قاد.ضده انقلابا أبيض اسماه حركة 13 يونيو التصحيحية في عام 1974م. ..... يتبع ......