مازال النهر الفياض بالخير والعطاء والسمو والكرم والاحسان ينبع بالكلام الطيب .. ومازالت المحاضرات الروحانية الايمانية القيمة تهل علينا من الصادق العلم والمرجع الاكرم السيد عبدالملك بن بدرالدين الحوثي قائد الثورة في محاضراته الرمضانية المباركة .. فتصفو النفس وتزهو المشاعر الطيبة في هذا الشهر الفضيل اعاده الله علينا بالخير واليمن والبركات وبالانتصارات على اعداء الله واعداء الاسلام .. أيها المرابطون المجاهدون الكرام خواتم مباركة وبعد: نستطيع أن نسمي شهر رمضان بشهر الصبر لان الذي يصوم رمضان يجب عليه أن يلتزم التزاما تاماً طيلة هذا الشهر في الابتعاد عن كثير من الرغبات والغرائز والحاجات الانسانية والصبر على مفارقتها وهو بذلك يكون قد اكتسب صفة الصبر، فالذي صبر عن الأكل والشرب، وصبر على كف اللسان والجوارح وعن كل ما نهى الله عنه .. ومن يصبر على هذه الأمور كلها ، ولا يخرج من رمضان الا رجلا صبورا محتسبا مومنا فانه قد فاته خير كثير، وحرم نفسه فرصة عظيمة جداً لاكتساب هذه الصفة، وهي صفة الصبر، والتي هي من أخلاق الأنبياء والرسل وهل هناك من هو أتعس ممن لا يقبل التخلق باخلاق الانبياء. أيها الإخوة المجاهدون المؤمنون يا أبناء الجيش واللجان الشعبية المرابطون في الثغور وميادين الكرامة والصمود .. إن من لوازم إيمان المؤمن أن يكون صابراً ، فضبط العين يحتاج إلى صبر، ضبط الأذن يحتاج إلى صبر، ضبط اللسان يحتاج إلى صبر ، فالصبر من لوازم الإيمان ، فمن أوقع حركته وفق الحيز الحلال نجح عند الله عز وجل . أخواني المجاهدون الأفاضل: لقد ورد ذكر الصبر في القرآن الكريم في تسعين موضعاً ، وقد أثنى الله تعالى على الصابرين فقال : (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) [البقرة : 177] وبين لنا سبحانه وتعالى في قوله: (وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) [آل عمران : 146] إن الإنسان الذي يصبر يحبه الله عز وجل ، بل فضلاً عن محبته فهو يكون معك إن كنت صابراً ، أي هو معك بالتأييد والنصر ، والحفظ والتوفيق ، هذه المعية الخاصة ، قال تعالى : (وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال : 46] وينصحنا الله بأن الصبر خير لنا، فيقول تعالى : (وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ )[النحل : 126] ويقول جل وعلا : (وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [النساء : 25] ويكافئنا الله خالقنا على صبرنا بأنه يجزينا بأحسن أعمالنا: (وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [النحل : 96] وكل شيء له عند الله اجر محدد، إلا الصابر فمكافأته مفتوحة ، قال تعالى : (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ) [الزمر : 10] وبشر الله الصابرين وبشرى الله هي أرقى وأعظم المبشرات التي لا يستطيع أي عقل بشري أن يتصور ماهيتها، قال تعالى : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) [البقرة : 155] , والصابر وحده هو الذي ينتفع بالآيات والعبر ، قال تعالى :( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ [إبراهيم : 5] والدنيا كلها لخصت بكلمة واحدة ، في قوله تعالى : (سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّار) [الرعد : 24]. أيها الإخوة الكرام ، لقد وجه الإسلام المؤمنين إلى الرضا بقضاء الله وقدره ، حيث روى البخاري ومسلم عن أبى سعيد وأبى هريرة -رضي الله تعالى عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه)). فالصبر هو الطريق الوحيد التي من شأنها أن ترفع معنويات المسلمين في الحياة، وتعلمهم الرضا بقضاء الله وقدره، ومراقبة الأجر العظيم الذي أعده الله للصابرين. حين نتأمل في المجالات التي تحتاج إلى صبر في حياة الإنسان يتبين لنا أن الصبر ضرورة حياتية لكل عمل نافع، فالقيام بالواجبات الدينية يحتاج إلى صبر قال الله تعالى: (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) [65 : مريم]. والتعامل مع شرائح متعددة من الناس والتعامل مع كل المواقف تحتاج إلى صبر، قال الله تعالى: (وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا) [20 : الفرقان] والمرابطة في سبيل الله تحتاج إلى صبر عظيم لما فيه من تعب ونصب وجهد وعرق واصطبار على المكاره والمتاعب واستعداد تام للتضحية بالنفس من اجل خير الناس ومن اجل اعلاء كلمة االله قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [200 : آل عمران] وقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ * وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [45-46 : الأنفال] حتى إن الله جل جلاله ربط بين الصبر والنصر وجعل النصر مع الصبر ، قال تعالى : ( بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ) [آل عمران : 125] وأرشدنا سبحانه وتعالى بان الصابرين هم أصحاب العزائم المتفوقين، قال تعالى : (وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) [الشورى : 43] وبين لنا إن أصحاب الحظوظ العالية وأصحاب المقامات الرفيعة لا ينالونها إلا بالصبر ، قال تعالى : (وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ) [القصص : 80] وقال تعالى :( وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) [فصلت : 35] . أيها المؤمنون المجاهدون . إن خلق الصبر من أ فضل واكرم الصفات التي يجب أن يتحلى بها الجندي المقاتل المجاهد لأن الذي لا يصبر على الشدائد سيواجه الفشل ويضعف في انجاز واداء مهمته والوصول إلى هدفه وغايته، يقول الله تعالى في سياق الكلام عن قصة يوسف -عليه السلام- :( قَالُواْ أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)[ 90: يوسف]. وقال تعالى في سورة الأعراف: ( وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَآئِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ) [137: الأعراف]. فاللهمَّ أعِنّا على ذكرك وشكرِك وحسن عبادتك وصيام رمضان صياما حقيقيا بما يليق به ويرضيك, ونصرنا على عدونا ومن تحالف معه ومن دار في فلكه وساعد في قتلنا وحصارنا اللهم تقبل شهداءنا واعد اسرانا وشافي جرحانا. اللهم أمنا في أوطاننا وأيد بالتوفيق والتسديد قائد ثورتنا السيد عبد الملك بن بدرالدين الحوثي ، اللهم احفظه بحفظك وأعزه بدينك ، وانصر على عدوه ومن تحالف ضده وعلى شعبه ، وأيده بالحق وايد الحق به يا قدير وصل اللهمّ وسلِّم وبارك على عبدِك ورسولِك محمّد وعلى اله ياكريم .