وأمام هذا التاريخ الطويل والممتد من الحروب والصراعات الذي يبدو ملاصقا ومقترنا باليمن على الدوام , ومع يقيننا بحقيقته الدامغة التي لايمكن لأحد تجاوزها والقفز من فوق أسوارها وإنكارها مطلقا لايمكننا مع ذلك أن نغفل عن حقيقة أخرى مؤكدة تفيد وتشير صراحة في كل الأحوال إلى أن تفرد وأهمية وغنى الموقع الجغرافي لبلد كاليمن كان , وما يزال جانيا عليها وسببا لتزايد أطماع الطامعين بها والمتدخلين في شؤونها من القوى الخارجية بحجج مختلفة تنسجم مع مصالحهم وتتماهى مع أطماعهم ومخططاتهم ومشاريعهم الخاصة بهم التي ليس لليمن واليمنيين مصلحة منها وفيها وإن أدعى أصحاب تلك الأطماع والمصالح خلاف ذلك .. وما من شك على الإطلاق أن موقع اليمن الإستراتيجي الهام والمتميز , قد جعلها على مر التاريخ هدفا مغريا لأطماع الطامعين من المستعمرين والمحتلين قديما , وحديثا . بل إن موقع.اليمن الجغرافي الذي يتوسط العالم ويربط بين قاراته ويطل على طرق التجارة العالمية قد جعل من هذا البلد العربي الغني بالثروات الطبيعية المختلفة مدعى ومجالا خصبا ومنطقة تجاذب وجذب دائمة ومستمرة بجميع مغرياتها بغية الحصول على الثروات من قبل الدول الإستعمارية والتدخلات الدولية والإقليمية في شؤونه, وساحة صراع مفتوح للمصالح والنفوذ والإرادات الدولية والإقليمية وتصفية الحسابات بين الدول والقوى الخارجية المتدخلة في الشأن اليمني , وكل لها مصالحها وحساباتها الخاصة بها عادة , وهذا مايجعلني متفقا مع الرأي والمنطق الذي يقول :" إن لعنة الجغرافيا , أوقعتتا في اليمن بين قرنين , على اليسار القرن الإفريقي , وعلى اليمين قرن الشيطان ممثلا بمملكة آل سعود " , والحقيقة والواقع يؤكدان لنا هنا حقيقة تلك اللعنة التي صبها الموقع الجغرافي على اليمن من خلال جعلها دوما غاية الطامعين ووجهة وهدف المستعمرين قديما وحديثا ولا مفر لنا ولها من تلك اللعنة وما ترتب ويترتب عليها من آثار وبما لها من نتائج وتداعيات وتفاعلات لاتعد ولا تحصى , وكلها كانت ولا زالت تمسك بمخانق اليمنيين وتفرض عليهم مالا يطاق ولا يحتمل أبدا . وبالرجوع إلى التاريخ والتأكيد على أهمية اليمن موقعا وتاريخا وجغرافية , تتسق الآراء أن أهمية اليمن تاريخيا وجغرافيا تكمن في حقيقة ماجاء بشأنها وفيها وهو ثابت ودائم ومستمر رغم عوامل التعرية والتغييرات المتعمدة في الماضي والحاضر والتي تقول مامفاده وصفها لها وتعريفا بها : " اليمن الكبرى , أو اليمن التاريخية , هي تلك الأرض الواقعة جنوب / جنوب شرق / جنوب غرب الجزيرة العربية , تمتد من الطائف وتخوم مكة شمالا إلى عدن في أقصى الجنوب , إلى باب المندب غربا , إلى مضيق هرمز شرقا " . أما تسمية اليمن بهذا الإسم فقد تعددت أسبابه , وووجد في الكتابات السبأية القديمة ذكر اليمن بلفظ (يمنات) , وقيل إن إسم اليمن يعني أنها : بلاد اليمن والبركة , ويعني أنها بلاد الخير الكثير الوفير الذي لاينقطع , وقد سميت أيضا بأرض وبلاد البركة لأنها اشتهرت بإنتاج جميع المواد التي كانت تستخدم في الطقوس الدينية القديمة مثل البخور واللبان وغيرها قبل وبعد بناء الكعبة المشرفة في الحجاز وهناك.سبب آخر لتسمية اليمن بهذا الإسم يتمثل في وقوعها يمين الكعبة المشرفة . ومن المعلوم , أن اليمن التي يسيل مجرد الإشارة إليها لعاب الطامعين بخيراتها وثرواتها الهائلة , قد ذكرت في الكثير من الكتب القديمة الدينية منها والتاريخية , ومنها التوراة والقرآن , وكتب التاريخ الإغريقي والروماني وغيرها , ووصفت في تلك المصادر المختلفة , بالبلدة الطيبة , وباليمن السعيد , ولم.توصف أي أرض في الدنيا بوصف كهذا غيرها , وقد جاء وصفها بذلك لتمتعها بوفرة والخضرة , ولطبيعتها الخلابة ولأرضها الخصبة التي باركها الله , ولأنها أيضا أرض لمعظم الأنبياء وأنصارهم , ولتعدد حضاراتها المهمة في تاريخ الجنس البشري , ولدورها وبيوتها وقصورها الفخمة ولجسارة وقوة وبأس شعبها الذي صنع من الجبال قصورا شامخة ومدرجات زراعية تعتلي قمم الجبال الشاهقة في منظر جمالي بديع قل أن تجد له مثيلا في أي بلد آخر من بلدان العالم , أضف إلى ذلك تعتبر اليمن بحسب مصادر وكتب التاريخ المختلفة , وبحسب ماتوصل إليه العلم الحديث مؤخرا , بعد سلسلة بحوث ودراسات متعددة الموطن الأول للجنس البشري على الأرض ونقطة التجمع والإنطلاق الأولى للهجرات البشرية , فضلا عن كونها تعتبر أرض العرب الأولى وموطنهم المهد , والشعب اليمني هو أصل الجنس العربي , واليمنيون هم أول من تكلم باللسان العربي , وقبائل اليمن الشهيرة (عاد وثمود وطسم وجديس وجرهم والعمالقة وأميم وغيرها) هي قبائل العرب القديمة التي أنتشرت في الجزيرة العربية والعراق والشام ومصر وشمال أفريقيا والقرن الأفريقي وغيرها , وظهر منها العرب العاربة , قبائل قحطان , والعرب المستعربة , قبائل عدنان , وهذا مايؤكد حقيقة تاريخية تقول :" ومن.يعتقد أن عدنان مستعرب فهو خاطئ , لأن عدنان يعود إلى قبائل العرب القديمة التي قدمت من اليمن , لذلك فإن عدنان عربي يمني , وبالتالي فإن نبي الله إبراهيم عليه السلام عربي وليس أعجمي كما يزعم اليهود ,وإن الرسول محمد عليه الصلاة والسلام عربيا وليس له أي أصل أعجمي بعكس ماقاله عدد من المؤرخين الذين نسبوا الرسول محمد لنبي الله إبراهيم الذي وصفوه بالأعجمي" وهناك .الكثير من الأشياء والمميزات التي تعطي اليمن وتمنحها الأفضلية على سواها وغيرها من بلدان الأرض الأخرى لايتسع المجال لذكرها جميعا بعضها مميزات طبيعية وبعضها تاريخية وجغرافية تجعل اليمن بكل ذلك وبموقعها الهام الذي يتوسط قارات العالم القديم آسيا .أفريقيا وأوروبا وبثرواتها العظيمة دائما وأبدا مطمع الطامعين ودافع المستعمرين لجعلها وجهتهم للسيطرة عليها ونهب واستغلال ثرواتها , وما حدث بالأمس البعيد والقريب ويحدث اليوم وسيحدث غدا دليل واضح على ذلك وتأكيد على ماأسلفنا ذكره والإشارة إليه آنفا . وتبدو دول تحالف العدوان التي تشن حربها اليوم على اليمن وفي مقدمتها أمريكا والسعودية والأمارات وإسرائيل وغيرها , لكل دولة من هذه الدول مصالحها وحساباتها . فعلى سبيل المثال لم تخف أمريكا أطماعها ومساعيها لإقامة قواعد عسكرية لها في جزيرة سقطرى على البحر العربي وفي غيرها للسيطرة على باب المندب وكذلك الأمر بالنسبة لروسيا ودولة الكيان الصهيوني وحتى الصين وبريطانيا وفرنسا. كذلك تطمع وتسعى السعودية للسيطرة على حضرموت وغيرها لمد انبوب نفطي كما تسعى شريكتها في الحرب العدوانية على اليمن الأمارات لإقامة قواعد لها في عدن والساحل الغربي وغيرها وتحرص على السيطرة واستغلال موانئ عدن ولها حساباتها وطموحاتها وأطماعها الإقتصادية التي لاتخفى , ولأن اليمن أرض لاتزال بكر لم تستغل ثرواتها الطبيعية استغلالا أمثل وفي مقدمتها النفط والمعادن وأرض زراعية خصبة ومنطقة جذب سياحي واستثماري عالمي يمكن ان تدر ترليونات الدولارات تبقى وتظل هدف الطامعين والمستعمرين وتدخل المتدخلين في شؤونها اقليميين ودوليين والوجهة الأمثل والأسهل بالنسبة لهم أجمعين , وهذا مايحتم على أبناء شعبها في المقابل أن يهبوا هبة رجل واحد ويجمعون أمرهم ورأيهم ويوحدون صفوفهم وقواهم ويتناسون خلافاتهم ويلقونها وراء ظهورهم , ويتجهون بلا ابطاء وتردد للدفاع عن أرضهم وبلادهم وصد من أتاها غزاة محتلين وطامعين بها وبهم , فاليمن بلدة طيبة تستحق أن يبذلوا من أجلها ويدافعون عنها كل غال ونفيس , واليمن أسمى وأعظم وأكبر من أن نتناحر ونتازع على أمور جانبية فيها ونتركها لقمة سائغة للأعداء والغزاة والطامعين من كل جنس ولون ونوع وقد أتوها اليوم بكل شرورهم وبغيهم ومكرهم وكيدهم آثمين , مجرمين وعلينا أن لا ننتظر من يأتي للدفاع عنا وعن اليمن , ولن يأتي وإن أتى هذا المعين المنتظر فله ولاشك أطماعه ومآربه وحساباته التي سيلزمنا بدفعها كسابقيه !. ....... يتبع ......