عبدالله العليمي عضو مجلس القيادة يستقبل سفراء الاتحاد الأوروبي لدى بلادنا    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الريال يخطط للتعاقد مع مدرب مؤقت خلال مونديال الأندية    جاذبية المعدن الأصفر تخفُت مع انحسار التوترات التجارية    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    عن الصور والناس    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    البيض: اليمن مقبل على مفترق طرق وتحولات تعيد تشكيل الواقع    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    غريم الشعب اليمني    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    منظمة العفو الدولية: إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية على الهواء مباشرة في غزة    تراجع أسعار النفط الى 65.61 دولار للبرميل    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    الحكومة تعبث ب 600 مليون دولار على كهرباء تعمل ل 6 ساعات في اليوم    "كاك بنك" وعالم الأعمال يوقعان مذكرة تفاهم لتأسيس صندوق استثماري لدعم الشركات الناشئة    لوحة "الركام"، بين الصمت والأنقاض: الفنان الأمريكي براين كارلسون يرسم خذلان العالم لفلسطين    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    رئيس كاك بنك يعزي وكيل وزارة المالية وعضو مجلس إدارة البنك الأستاذ ناجي جابر في وفاة والدته    اتحاد نقابات الجنوب يطالب بإسقاط الحكومة بشكل فوري    مئات الإصابات وأضرار واسعة جراء انفجار كبير في ميناء بجنوب إيران    برشلونة يفوز بالكلاسيكو الاسباني ويحافظ على صدارة الاكثر تتويجا    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    لتحرير صنعاء.. ليتقدم الصفوف أبناء مسئولي الرئاسة والمحافظين والوزراء وأصحاب رواتب الدولار    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسواق صنعاء القديمة عبق التاريخ واصالة الحاضر
نشر في 26 سبتمبر يوم 15 - 05 - 2022

صنعاء القديمة تشعرك بأنك في وحدة فنية متكاملة ومتناسقة، مصممة وفق أرقى فنون الهندسة والتنسيق وان ثمة عوامل ود وتكاتف ربطت كل جزئية من جزئيات المكان من أسواق وسماسرة وحوانيت تجارية بمحيطها المعماري الفريد.
بين باب اليمن جنوبا وباب شعوب شمالا طول صنعاء القديمة الذي لا يتجاوز 2 كيلو متر بين هذين البابين يوجد (1911) حانوتاً (محلاً تجارياً صغيراً) بحسب تعداد الجهات المختصة أي دون ذكر الحوانيت العشوائية والتي تنتشر كثيرا داخل سور صنعاء القديمة دون تراخيص أو وثائق من الجهات المختصة في البلدية وأمانة العاصمة وهيئة الحفاظ على مدينة صنعاء التاريخية . .
تتوزع هذه الحوانيت على قرابة 40 سوقاً متخصصاً تحتضنها أزقة وحواري صنعاء القديمة، وتشكل مربعاً تجارياً وإنتاجياً ضخماً ومترابطاً وفق هندسة بديعة أبدعتها يد البناء اليمني القديم وزينتها مهارة واحتراف التاجر المحنك العارف بمضمار التجارة وفقاً للمبادئ الأخلاقية لا الربحية
تلك هي أسواق صنعاء القديمة، المؤسسة التجارية الاقتصادية المتجذرة في صميم تاريخ وحضارة اليمن خاصة، والعرب وشعوب العالم عامة من خلال قدرتها على تغطية احتياجات السوق الأخرى بفائض الإنتاج قديماً.
أسواق صنعاء القديمة التي ذكرت في كتب التاريخ والبالغة (50) سوقاً والتي تناقصت مع مرور الزمن لتصل حالياً إلى 35 سوقاً متخصصاً فقط..وحسب دراسة للدكتور فرانك ميرمين أستاذ علم الاجتماع في معهد الهندسة المعمارية في فرساي (فرنسا) كانت أسواق صنعاء القديمة تمثل على المستوى الإقليمي مركزاً مهماً للإنتاج الحرفي ولتجارة المنتجات الريفية . . إلا إن تأثيره التجاري اكتسب بعداً دولياً لأن المدينة شاركت في تجارة القوافل التي كانت تربط موانئ البحر الأحمر والمحيط الهندي بشمال شبه الجزيرة العربية.
وتقول الدراسة إن شهادة (ابن رسته) في القرن التاسع الميلادي (الثالث الهجري) تكشف إن سوق صنعاء كان يصدر الجلود والأحذية والسجاد والأردية المختلفة وآنية من (اليشب الأسمر).
وكان يوجد في سمسراتها (حاناتها) حرفيون عديدون يعملون بتشذيب العقيق اليماني والأحجار الكريمة.. وكانت القوافل تقدم من الشام ومن بلاد فارس محملة بالذهب والحرير والتوابل والعطورات والأقمشة لتباع في أسواق صنعاء القديمة.
فيما كانت الثياب المنسوجة في مناطق زبيد ويريم ووصاب وحضرموت تباع في سوق البز.
أما السلال والفخار المنتجة في القرى المجاورة كانت تباع في السوق الذي كانت تباع فيه المنتجات الزراعية لتلك القرى.. وشكلت تجارة البن الذي كان يخزن في سوق (البن) بصنعاء ويعاد توزيعه منها في القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين مصدر غنى للمدينة والدولة.
ويشير الدكتور فرانك يترمين في دراسته التي نوه عنها موقع «إيلاف» إلى إن تاريخ إنشاء العديد من الخانات (السماسر) يعود إلى تلك الفترة (أي القرن 71م 81م) أو إلى فترة الاحتلال العثماني الثاني . . ويقول: لكن المظهر الحالي للسوق يعود إلى الاحتلال العثماني الثاني الذي شيدت خلاله اغلب السماسر والدكاكين . . فمن بين 73 سمسرة جرى إحصاؤها في السوق أو بالقرب منه لم يحتفظ منها بوظيفته التقليدية سوى أسواق بيع الزبيب والبن.
ورغم مرور الزمن وتعاقب الأجيال على إدارة هذه الحوانيت والأسواق إلا إن ملامحها العريقة وبساطة الماضي وروح العصر لا تزال تهيمن على جوهرها ومظهرها الجميل رغم تحول حاناتها وسماسرها التي يشارف عددها 37 سمسرة إلى مستودعات للبضائع والمنتجات المستوردة، إلا إن أسواقها لا تزال تكتظ بالمنتج المحلي والقديم وتظل فرادتها في كون كل سوق وحدة مستقلة بذاتها لها خصائصها ومميزاتها ودلالاتها العميقة اجتماعياً وإنسانيا وتجارياً واقتصادياً.ومن الأسواق المتخصصة في التجارة سوق الحبوب والبهارات والزبيب وسوق النظارة والقات والمبساطة والحلقة والمعطارة والملح والصرافة والفتلة.
والأسواق الموسمية مثل سوق العنب و(دار الجامع) الذي تباع فيه الأضاحي.
والأسواق الإنتاجية الحرفية منها مازال باقياً مثل سوق الجنابي والخياطين والنجارة.
ومنها ما هو في طريقه إلى الاندثار مثل سوق المحدادة والمدايع والخراطة والسلب (الحبال) والحياكة، ومنها ما اندثر مثل سوق الخراطيش (الرصاص) والنحاس وسوق الصباغين والكوافي والإسكافيين والقمريات والمواقد والجص نتيجة لعدم قدرتها على التكيف مع المتغيرات الحياتية.
ولأخذ فكرة اكبر عن هذه الأسواق ينبغي أن نأخذ مرشدا سياحيا من أهل صنعاء القديمة حتى يسلط الأضواء على كل سوق منها على حده لكشف جمالياته وقيمته التاريخية والمعاصرة.
قصة الاسم
يقول ساري: تبدأ جولة التسوق في أسواق صنعاء القديمة، من سوق النظارة الذي يمتد من المدخل الجنوبي للمدينة القديمة (باب اليمن) إلى جوار إحدى معاصر السليط زيت السمسم الواقعة بعد سمسرة النحاس. وسوق النظارة عبارة عن ممر طويل يسمى (دهليز) صنعاء إشارة إلى مداخل بيوت المدينة القديمة (الممر الضيق بداية البيت في الطابق الأرضي) . .
لأسواق صنعاء القديمة في الوقت الحاضر والتي يفضي إليها هذا الممر، حيث نجد كل سوق مختص ببيع وإنتاج سلعة معينة دون غيرها كما سيأتي.. وعلى جانبيه تتراص المحلات التجارية بنظام وترتيب..وتم تقسيم سوق النظارة إلى حوانيت متخصصة بحيث يكون كل 3-4 محلات تعرض سلعاً مختلفة عما تعرضه المحلات الأخرى المجاورة.. (التمور المجففة والرطبة بأنواعها، الحلي والمشغولات الفضية بكثرة، المكسرات والبهارات والحلويات والتمباك التبغ والجاز والسليط زيت السمسم والكوافي والصرافة والتحف والهدايا والمصاحف... و.. الخ).
وسمي بسوق النظارة لأنه اشتهر ومازال ببيع العطورات وأدوات التجميل والحنة والأقمشة والملبوسات الجاهزة وقيل لأنه أول سوق يقع نظر الزبائن المتسوقين عليه عند مدخل صنعاء القديمة من الجهة الجنوبية باب اليمن .
والغالب في سوق النظارة هو إن أكثر محلاته سماسر كانت مخصصة لبيع القشر قشرة البن والمفروشات والزعل القديم..
ولان سوق النظارة أشبه بسوبر ماركت راقي ومنظم وشامل لمختلف السلع التجارية فإن أهالي صنعاء القديمة كما اخبرنا الأخ محمد احمد الحمامي صاحب محل مشغولات فضية وحلي في سوق النظارة أطلقوا عليه قديماً اسم سوق (نسيت) من النسيان إشارة إلى لجوء الزبون إلى هذا السوق في طريق المغادرة لشراء السلع التي نسي إن يشتريها من الأسواق الداخلية المتخصصة.
الفضة والعقيق اليماني
للفضة سوق خاص اسمه سوق (المخلص) وهذه التسمية تأتي من التخليص حيث تعتبر بلادنا غنية بالخامات الفضية التي تجلب من مختلف المناطق إلى سوق (المخلص) لتخليصها (تصفيتها) من الشوائب والمعادن الأخر
يذكر خالد علي شامية احد تجار الفضة والحلي والمشغولات الفضية إن لفظ مخلص يطلق على الفضة النقية التي تتفاوت نسبة معادلتها بين 925 – 999 سبائك فضية.. أما اقل من هذه النسبة إلى حدود 65% يسمى فضة ثم تأتي بعد ذلك النصفي 50% والربعي 25% ومن هذا اشتق اسم سوق المخلص..
ويؤكد شامية إن سمسرة النحاس الواقعة في نهاية سوق النظارة أصبحت السوق الأساسية للفضة ويدخل في إطارها سوق العقيق حالياً.. ولكل تاجر فضة معمل خاص خارج المحل غالبا ما يكون في المنزل.. لتنقية الخامات وتشكيل المشغولات الفضية بالإضافة إلى تخصص هذا السوق في حل الأحجار الكريمة وقطعها.. حيث انه تم دمج سوق العقيق مع سوق الفضة..
وسوق العقيق متشعب إذ لا يختص التاجر في بيع العقيق فقط إنما الآن يتطرق إلى أكثر من مجال فهو إلى جانب العقيق اليماني المشهور يبيع الياقوت وأحجار كريمة مختلفة كالزمرد والكهرمان والمرجان وغيرها من الأحجار التي يتم بها تطعيم المشغولات الفضية.
سوق الحبوب والبهارات
سوق الحب والبهارات من الأسواق التجارية المعروفة في صنعاء وهو عبارة عن سقيفة كبيرة تجلب إليها جميع الحبوب من مختلف وديان اليمن وسهولها، فالسقيفة هي المخزن الرئيسي وأي مزارع يجلب الحبوب إلى السوق.
لا يحق لأي تاجر إن ينتظره خارج السوق أو يشتري منه داخل السوق وإنما يودع المزارع بضاعته في السمسرة حتى يحضر عاقل السوق.
أحمد بن علي الكدس تاجر قديم في سوق الحبوب قال إن السقيفة عمرها أكثر من 300 عام.. وهي المخزن الرئيسي للسوق . . هي التي تقوم بتموين المحلات التجارية وتغطية الأسواق الخارجية بل والتصدير إلى دول الخليج وبأسعار موحدة ونظام معين.. وسار التجار في سوق الحبوب على هذا النظام إلى وقت بعيد..
ويؤكد الكدس إن سوق الحبوب اختل نظامه مؤخراً بسبب تغير الظروف وصار التجار يتعاملون مع البهارات أكثر من تعاملهم مع الحبوب إذ إن البهارات تتوفر بكميات كبيرة بينما الحبوب، صارت حكرا على تجار كبار في صنعاء خارج الأسواق القديمة.. ولهذا اندمج سوق الحبوب مع سوق البهارات..والسوقان مجتمعان يبيعان الذرة البيضاء والحمراء، الشعير، البر، الدخن، البقوليات بأنواعها، والثوم، والفلفل، والحلبة، والقرفة، السنوت، والزنجبيل، والبن، وغيرها . . . بالإضافة إلى بيع البهارات المستوردة..
تجدر الإشارة إلى إن البهارات ظل سوقها متخصصاً لفترات زمنية طويلة وقبل إن يطلق عليه سوق البهارات كان يسمى سوق الملح وهي التسمية التي أطلقت على المنطقة القديمة كاملة . . حيث كان في هذا السوق مطاحن متخصصة في طحن الملح الذي يجلب بكميات كبيرة من الأحواض المتبخرة في السواحل اليمنية . . وكان السوق صغيرا ويبيع الملح فقط، ثم دخلت عليه البهارات وتوسع واتخذ اسمها..
الخنجر اليمني
يعتبر هذا السوق من أكثر أسواق صنعاء القديمة شهرة وأهمية كون الجنبية رمزا مهما للمجتمع اليمني عامة ويرتبط بالرجولة.. بل ولها دلالات على المراكز الاجتماعية للمواطنين، وعلى الغني والفقير. . وهي تحفة ثمينة انفرد اليمنيون منذ القدم بصناعتها فهي موروث حضاري عريق ومدهش . . ومجد الجنبية هو شهر رمضان والمناسبات الدينية كالأعياد، والمناسبات الأخرى كالأعراس، وهذا فيما يتعلق بعواصم المحافظات الرئيسية.. أما الأرياف فيعتبرون الخروج إلى الشارع بدون جنبية وصمة وت**** من شأن الفرد وأسرته..
في سوقي الجنابي والعسوب (حزام الجنبية) تتفاوت الأسعار وتنقسم إلى مستويات عدة فهناك جنابي عادية ورخيصة، وهناك مستوى وسطي، وهناك مستوى رفيع وغالٍ خاص بالأثرياء والمقتدرين.. وفي كل الأحوال فإن السوق يلبي كافة طلبات المواطنين..
والقيمة المادية والفنية للجنبية تكمن في نوع المادة المصنوع منها الجنبية والعسيب . . مثلا الجنابي الأصلية والنادرة وهي التي تصنع مقابض خناجرها من سن الفيل او من قرن وحيد القرن.. وتطرز بحروف الذهب والفضة.. ويقتنيها الأثرياء..
كما إن هناك جنابي تصنع مقابضها من قرون البقر والماعز وأحيانا من الخشب أو البلاستيك وهذه يقتنيها البسطاء والفقراء..
وعن النصلة (حديدة الخنجر) فإنها تصنع خارج صنعاء في منطقة رداع وغيرها من المناطق اليمنية، والبعض يصنعها في سوق الجنابي وكانت من قبل تصنع في سوق المحدادة، والنصلة المتميزة هي المصنوعة من الحديد الصلب كجنازير المدرعات.. وهناك نصلات عادية ليس لها أي قيمة يشتريها ذوو الدخل المحدود.
أما العسيب (الغمد والحزام) فإن للغمد عدة أنواع، ربما لكل نوع دلالات انتمائية مناطقية أو عشائرية . . وهي من صميم التراث اليمني.. مثل العسيب الصنعاني (الأخضر) والمأربي (الأبيض) والمسيفل (أبيض متوج بثلاث ظفائز جلدية حمراء) والتوزة (ذات صدر فضي)..
وبالنسبة للأحزمة منها ما هو تراثي ويطلق عليها (التزجة) مصنوعة من السيم الفضي وتتدلى منها الجيشيات والحروز والمحافظ (الكتاب) وكلها مشغولات فضية.. ومعظم مواد تصنيع العسوب محلية و****ها مستورد، لان الحرفيين في هذا السوق يتفنون في إبداع تشكيلات نقوشات الأحزمة التي كانت سابقا تصنع من الجلود وتطرز بالسيم الفضي أو الأحمر أو الأصفر أو الذهبي، والحزام المذهب لا يستطيع شراؤه إلا أصحاب الثروات.. وقد طغت على سوق العسوب حاليا الأحزمة المستوردة الرخيصة للعامة والفقراء.
صنعاء القديمة تشعرك بأنك في وحدة فنية متكاملة ومتناسقة، مصممة وفق أرقى فنون الهندسة والتنسيق وان ثمة عوامل ود وتكاتف ربطت كل جزئية من جزئيات المكان من أسواق وسماسرة وحوانيت تجارية بمحيطها المعماري الفريد.
بين باب اليمن جنوبا وباب شعوب شمالا طول صنعاء القديمة الذي لا يتجاوز 2 كيلو متر بين هذين البابين يوجد (1911) حانوتاً (محلاً تجارياً صغيراً) بحسب تعداد الجهات المختصة أي دون ذكر الحوانيت العشوائية والتي تنتشر كثيرا داخل سور صنعاء القديمة دون تراخيص أو وثائق من الجهات المختصة في البلدية وأمانة العاصمة وهيئة الحفاظ على مدينة صنعاء التاريخية . .
تتوزع هذه الحوانيت على قرابة 40 سوقاً متخصصاً تحتضنها أزقة وحواري صنعاء القديمة، وتشكل مربعاً تجارياً وإنتاجياً ضخماً ومترابطاً وفق هندسة بديعة أبدعتها يد البناء اليمني القديم وزينتها مهارة واحتراف التاجر المحنك العارف بمضمار التجارة وفقاً للمبادئ الأخلاقية لا الربحية
تلك هي أسواق صنعاء القديمة، المؤسسة التجارية الاقتصادية المتجذرة في صميم تاريخ وحضارة اليمن خاصة، والعرب وشعوب العالم عامة من خلال قدرتها على تغطية احتياجات السوق الأخرى بفائض الإنتاج قديماً.
أسواق صنعاء القديمة التي ذكرت في كتب التاريخ والبالغة (50) سوقاً والتي تناقصت مع مرور الزمن لتصل حالياً إلى 35 سوقاً متخصصاً فقط..وحسب دراسة للدكتور فرانك ميرمين أستاذ علم الاجتماع في معهد الهندسة المعمارية في فرساي (فرنسا) كانت أسواق صنعاء القديمة تمثل على المستوى الإقليمي مركزاً مهماً للإنتاج الحرفي ولتجارة المنتجات الريفية . . إلا إن تأثيره التجاري اكتسب بعداً دولياً لأن المدينة شاركت في تجارة القوافل التي كانت تربط موانئ البحر الأحمر والمحيط الهندي بشمال شبه الجزيرة العربية.
وتقول الدراسة إن شهادة (ابن رسته) في القرن التاسع الميلادي (الثالث الهجري) تكشف إن سوق صنعاء كان يصدر الجلود والأحذية والسجاد والأردية المختلفة وآنية من (اليشب الأسمر).
وكان يوجد في سمسراتها (حاناتها) حرفيون عديدون يعملون بتشذيب العقيق اليماني والأحجار الكريمة.. وكانت القوافل تقدم من الشام ومن بلاد فارس محملة بالذهب والحرير والتوابل والعطورات والأقمشة لتباع في أسواق صنعاء القديمة.
فيما كانت الثياب المنسوجة في مناطق زبيد ويريم ووصاب وحضرموت تباع في سوق البز.
أما السلال والفخار المنتجة في القرى المجاورة كانت تباع في السوق الذي كانت تباع فيه المنتجات الزراعية لتلك القرى.. وشكلت تجارة البن الذي كان يخزن في سوق (البن) بصنعاء ويعاد توزيعه منها في القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين مصدر غنى للمدينة والدولة.
ويشير الدكتور فرانك يترمين في دراسته التي نوه عنها موقع «إيلاف» إلى إن تاريخ إنشاء العديد من الخانات (السماسر) يعود إلى تلك الفترة (أي القرن 71م 81م) أو إلى فترة الاحتلال العثماني الثاني . . ويقول: لكن المظهر الحالي للسوق يعود إلى الاحتلال العثماني الثاني الذي شيدت خلاله اغلب السماسر والدكاكين . . فمن بين 73 سمسرة جرى إحصاؤها في السوق أو بالقرب منه لم يحتفظ منها بوظيفته التقليدية سوى أسواق بيع الزبيب والبن.
ورغم مرور الزمن وتعاقب الأجيال على إدارة هذه الحوانيت والأسواق إلا إن ملامحها العريقة وبساطة الماضي وروح العصر لا تزال تهيمن على جوهرها ومظهرها الجميل رغم تحول حاناتها وسماسرها التي يشارف عددها 37 سمسرة إلى مستودعات للبضائع والمنتجات المستوردة، إلا إن أسواقها لا تزال تكتظ بالمنتج المحلي والقديم وتظل فرادتها في كون كل سوق وحدة مستقلة بذاتها لها خصائصها ومميزاتها ودلالاتها العميقة اجتماعياً وإنسانيا وتجارياً واقتصادياً.ومن الأسواق المتخصصة في التجارة سوق الحبوب والبهارات والزبيب وسوق النظارة والقات والمبساطة والحلقة والمعطارة والملح والصرافة والفتلة.
والأسواق الموسمية مثل سوق العنب و(دار الجامع) الذي تباع فيه الأضاحي.
والأسواق الإنتاجية الحرفية منها مازال باقياً مثل سوق الجنابي والخياطين والنجارة.
ومنها ما هو في طريقه إلى الاندثار مثل سوق المحدادة والمدايع والخراطة والسلب (الحبال) والحياكة، ومنها ما اندثر مثل سوق الخراطيش (الرصاص) والنحاس وسوق الصباغين والكوافي والإسكافيين والقمريات والمواقد والجص نتيجة لعدم قدرتها على التكيف مع المتغيرات الحياتية.
ولأخذ فكرة اكبر عن هذه الأسواق ينبغي أن نأخذ مرشدا سياحيا من أهل صنعاء القديمة حتى يسلط الأضواء على كل سوق منها على حده لكشف جمالياته وقيمته التاريخية والمعاصرة.
قصة الاسم
يقول ساري: تبدأ جولة التسوق في أسواق صنعاء القديمة، من سوق النظارة الذي يمتد من المدخل الجنوبي للمدينة القديمة (باب اليمن) إلى جوار إحدى معاصر السليط زيت السمسم الواقعة بعد سمسرة النحاس. وسوق النظارة عبارة عن ممر طويل يسمى (دهليز) صنعاء إشارة إلى مداخل بيوت المدينة القديمة (الممر الضيق بداية البيت في الطابق الأرضي) . .
لأسواق صنعاء القديمة في الوقت الحاضر والتي يفضي إليها هذا الممر، حيث نجد كل سوق مختص ببيع وإنتاج سلعة معينة دون غيرها كما سيأتي.. وعلى جانبيه تتراص المحلات التجارية بنظام وترتيب..وتم تقسيم سوق النظارة إلى حوانيت متخصصة بحيث يكون كل 3-4 محلات تعرض سلعاً مختلفة عما تعرضه المحلات الأخرى المجاورة.. (التمور المجففة والرطبة بأنواعها، الحلي والمشغولات الفضية بكثرة، المكسرات والبهارات والحلويات والتمباك التبغ والجاز والسليط زيت السمسم والكوافي والصرافة والتحف والهدايا والمصاحف... و.. الخ).
وسمي بسوق النظارة لأنه اشتهر ومازال ببيع العطورات وأدوات التجميل والحنة والأقمشة والملبوسات الجاهزة وقيل لأنه أول سوق يقع نظر الزبائن المتسوقين عليه عند مدخل صنعاء القديمة من الجهة الجنوبية باب اليمن .
والغالب في سوق النظارة هو إن أكثر محلاته سماسر كانت مخصصة لبيع القشر قشرة البن والمفروشات والزعل القديم..
ولان سوق النظارة أشبه بسوبر ماركت راقي ومنظم وشامل لمختلف السلع التجارية فإن أهالي صنعاء القديمة كما اخبرنا الأخ محمد احمد الحمامي صاحب محل مشغولات فضية وحلي في سوق النظارة أطلقوا عليه قديماً اسم سوق (نسيت) من النسيان إشارة إلى لجوء الزبون إلى هذا السوق في طريق المغادرة لشراء السلع التي نسي إن يشتريها من الأسواق الداخلية المتخصصة.
الفضة والعقيق اليماني
للفضة سوق خاص اسمه سوق (المخلص) وهذه التسمية تأتي من التخليص حيث تعتبر بلادنا غنية بالخامات الفضية التي تجلب من مختلف المناطق إلى سوق (المخلص) لتخليصها (تصفيتها) من الشوائب والمعادن الأخر
يذكر خالد علي شامية احد تجار الفضة والحلي والمشغولات الفضية إن لفظ مخلص يطلق على الفضة النقية التي تتفاوت نسبة معادلتها بين 925 – 999 سبائك فضية.. أما اقل من هذه النسبة إلى حدود 65% يسمى فضة ثم تأتي بعد ذلك النصفي 50% والربعي 25% ومن هذا اشتق اسم سوق المخلص..
ويؤكد شامية إن سمسرة النحاس الواقعة في نهاية سوق النظارة أصبحت السوق الأساسية للفضة ويدخل في إطارها سوق العقيق حالياً.. ولكل تاجر فضة معمل خاص خارج المحل غالبا ما يكون في المنزل.. لتنقية الخامات وتشكيل المشغولات الفضية بالإضافة إلى تخصص هذا السوق في حل الأحجار الكريمة وقطعها.. حيث انه تم دمج سوق العقيق مع سوق الفضة..
وسوق العقيق متشعب إذ لا يختص التاجر في بيع العقيق فقط إنما الآن يتطرق إلى أكثر من مجال فهو إلى جانب العقيق اليماني المشهور يبيع الياقوت وأحجار كريمة مختلفة كالزمرد والكهرمان والمرجان وغيرها من الأحجار التي يتم بها تطعيم المشغولات الفضية.
سوق الحبوب والبهارات
سوق الحب والبهارات من الأسواق التجارية المعروفة في صنعاء وهو عبارة عن سقيفة كبيرة تجلب إليها جميع الحبوب من مختلف وديان اليمن وسهولها، فالسقيفة هي المخزن الرئيسي وأي مزارع يجلب الحبوب إلى السوق.
لا يحق لأي تاجر إن ينتظره خارج السوق أو يشتري منه داخل السوق وإنما يودع المزارع بضاعته في السمسرة حتى يحضر عاقل السوق.
أحمد بن علي الكدس تاجر قديم في سوق الحبوب قال إن السقيفة عمرها أكثر من 300 عام.. وهي المخزن الرئيسي للسوق . . هي التي تقوم بتموين المحلات التجارية وتغطية الأسواق الخارجية بل والتصدير إلى دول الخليج وبأسعار موحدة ونظام معين.. وسار التجار في سوق الحبوب على هذا النظام إلى وقت بعيد..
ويؤكد الكدس إن سوق الحبوب اختل نظامه مؤخراً بسبب تغير الظروف وصار التجار يتعاملون مع البهارات أكثر من تعاملهم مع الحبوب إذ إن البهارات تتوفر بكميات كبيرة بينما الحبوب، صارت حكرا على تجار كبار في صنعاء خارج الأسواق القديمة.. ولهذا اندمج سوق الحبوب مع سوق البهارات..والسوقان مجتمعان يبيعان الذرة البيضاء والحمراء، الشعير، البر، الدخن، البقوليات بأنواعها، والثوم، والفلفل، والحلبة، والقرفة، السنوت، والزنجبيل، والبن، وغيرها . . . بالإضافة إلى بيع البهارات المستوردة..
تجدر الإشارة إلى إن البهارات ظل سوقها متخصصاً لفترات زمنية طويلة وقبل إن يطلق عليه سوق البهارات كان يسمى سوق الملح وهي التسمية التي أطلقت على المنطقة القديمة كاملة . . حيث كان في هذا السوق مطاحن متخصصة في طحن الملح الذي يجلب بكميات كبيرة من الأحواض المتبخرة في السواحل اليمنية . . وكان السوق صغيرا ويبيع الملح فقط، ثم دخلت عليه البهارات وتوسع واتخذ اسمها..
الخنجر اليمني
يعتبر هذا السوق من أكثر أسواق صنعاء القديمة شهرة وأهمية كون الجنبية رمزا مهما للمجتمع اليمني عامة ويرتبط بالرجولة.. بل ولها دلالات على المراكز الاجتماعية للمواطنين، وعلى الغني والفقير. . وهي تحفة ثمينة انفرد اليمنيون منذ القدم بصناعتها فهي موروث حضاري عريق ومدهش . . ومجد الجنبية هو شهر رمضان والمناسبات الدينية كالأعياد، والمناسبات الأخرى كالأعراس، وهذا فيما يتعلق بعواصم المحافظات الرئيسية.. أما الأرياف فيعتبرون الخروج إلى الشارع بدون جنبية وصمة وت**** من شأن الفرد وأسرته..
في سوقي الجنابي والعسوب (حزام الجنبية) تتفاوت الأسعار وتنقسم إلى مستويات عدة فهناك جنابي عادية ورخيصة، وهناك مستوى وسطي، وهناك مستوى رفيع وغالٍ خاص بالأثرياء والمقتدرين.. وفي كل الأحوال فإن السوق يلبي كافة طلبات المواطنين..
والقيمة المادية والفنية للجنبية تكمن في نوع المادة المصنوع منها الجنبية والعسيب . . مثلا الجنابي الأصلية والنادرة وهي التي تصنع مقابض خناجرها من سن الفيل او من قرن وحيد القرن.. وتطرز بحروف الذهب والفضة.. ويقتنيها الأثرياء..
كما إن هناك جنابي تصنع مقابضها من قرون البقر والماعز وأحيانا من الخشب أو البلاستيك وهذه يقتنيها البسطاء والفقراء..
وعن النصلة (حديدة الخنجر) فإنها تصنع خارج صنعاء في منطقة رداع وغيرها من المناطق اليمنية، والبعض يصنعها في سوق الجنابي وكانت من قبل تصنع في سوق المحدادة، والنصلة المتميزة هي المصنوعة من الحديد الصلب كجنازير المدرعات.. وهناك نصلات عادية ليس لها أي قيمة يشتريها ذوو الدخل المحدود.
أما العسيب (الغمد والحزام) فإن للغمد عدة أنواع، ربما لكل نوع دلالات انتمائية مناطقية أو عشائرية . . وهي من صميم التراث اليمني.. مثل العسيب الصنعاني (الأخضر) والمأربي (الأبيض) والمسيفل (أبيض متوج بثلاث ظفائز جلدية حمراء) والتوزة (ذات صدر فضي)..
وبالنسبة للأحزمة منها ما هو تراثي ويطلق عليها (التزجة) مصنوعة من السيم الفضي وتتدلى منها الجيشيات والحروز والمحافظ (الكتاب) وكلها مشغولات فضية.. ومعظم مواد تصنيع العسوب محلية و****ها مستورد، لان الحرفيين في هذا السوق يتفنون في إبداع تشكيلات نقوشات الأحزمة التي كانت سابقا تصنع من الجلود وتطرز بالسيم الفضي أو الأحمر أو الأصفر أو الذهبي، والحزام المذهب لا يستطيع شراؤه إلا أصحاب الثروات.. وقد طغت على سوق العسوب حاليا الأحزمة المستوردة الرخيصة للعامة والفقراء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.