في ظل أنشغال حكومة صنعاء بالهدنة وسراب المفاوضات بدأت أطماع ما قبل 60 عاما تعود وتتجسد على أرض الواقع بل أنها اليوم اشد خطرا على خارطة اليمن السياسية و الجغرافية . فحضرموت اليوم وبسبب الظروف الدولية ومؤشرات نضوب نفط المنطقة وبالأخص النفط السعودي قد يدفع أمريكا للاعتراف بحضرموت كدولة مستقلة لاهميتها الاستراتيجية والاقتصادية فتاريخ واشنطن حافلا بسلخ اجزاء من اراضي دول والاعتراف باستقلالها لما يخدم اهدافها ومطامعها الاستعمارية . حضرموت - بنما جمهورية بنما واحدة من الدول التى لم يكن لها وجود كدولة حتى مطلع القرن العشرين . ففي أواخر القرن التاسع عشر الميلادي تجدد التفكير الأمريكي في شق قناة تربط بين المحيط الأطلنطي والمحيط الهادي فتحترق أمريكا الوسطى من الشمال إلى الجنوب في أضيق نقطة وعندما فشل الرئيس الأمريكي تيودور روزفلت في الاتفاق مع كولومبيا أو نيكاراجوا لحفر القناة قام بإرسال القوات الأمريكية إلى اقليم بنما من دولة كولومبيا لتصبح دولة مستقلة نالت اعتراف واشنطن مباشرة وما أن استقلت بنما حتى بدأت أمريكا تحفر القناة بها بعد أن اشترت منها منطقة تبلغ مساحتها 1500كم2 بمبلغ عشرة ملايين دولار واعلنتها منطقة سيادة أمريكية . وقابل ذلك احتجاج دولة كولومبيا جراء اقتطاع جزء من أراضيها والاعتراف بها كدولة مستقلة كان رد فعل واشنطن ان منحت كولومبيا بعض الجزر التابعة لدولة نيكاراجوا والتى كانت تحتلها أمريكا في ذلك الوقت . لذلك هناك دول تبرز الحاجة الاستعمارية إلى نحتها بالقوة على الخريطة السياسية والجغرافية لخدمة اهداف محددة . فمثلما خلق اقليم بنما أهمية استراتيجية لامريكا في مطلع القرن العشرين لتعترف به دولة مستقلة عن وطنه الأم كولومبيا قد يخلق نفط حضرموت اهمية اقتصادية لواشنطن بديلا عن نفط المنطقة التى بدأت التقارير توضح انه سوف ينضب في العقود المقبلة مع اخفاء لتقارير الشركات بالمخزون الهائل لنفط حضرموت ليدفع امريكا للاعتراف بحضرموت دولة مستقلة . شركات النفط فتاريخ واشنطن من الأطماع الاستعمارية بحضرموت تعود إلى ما قبل 60 عاما حيث دخلتها عبر شركات التنقيب عن النفط مطلع ستينيات القرن الماضي . ومنها شركة (البان أمريكان) في عام 1954م تحدث علماء الجيولوجيا في شركة ( البتروليوم كونسسيون ليمتد ) عن دلائل مشجعة بخصوص الأبحاث في جزيرة سقطرى . وسنة 1955م اعلنت الشركة عن اكتشاف مراكز معدنية في ثمود شمالي حضرموت . ومنذ ذلك الوقت بات من المؤكد أن مناطق شبوة وثمود بالاضافة إلى جزيرة سقطرى تخفى أضمن الوعود النفطية في البلد وبدأت الصحف المحلية تُشهر بسلبية الحكومات المحلية إزاء الشركة المتهمة بتأخير الاستغلال لاستخراج النفط عمدا وبإحاطة الأبحاث بالكتمان الكامل و قد انتقدت الصحف بعنف سلطنتا القعيطي والكثيري بصورة خاصة . وتحت ضغط الرأي العام فشلت المفاوضات التى دامت أكثر من خمس سنوات ( 1956 -1961م ) وانسحبت الشركة الإنجليزية (البتروليوم ) عندئذ قرر الامريكيون الذين كانوا يتابعون المفاوضات باهتمام أن يتدخلوا في منطقة النفوذ الانجليزي في حضرموت . ودخلت شركة النفط الامريكية ( البان امريكان ) بمفاوضات مع سلطنات حضرموت ( القعيطي والكثيري) وانتهت بانتزاع امتيازات إبحاث منجمية ونفطية من السلطنات رغم العوائق التى وضعها الانجليز لهذا التدخل الأمريكي في مناطق نفوذها فلم تدخل الاتفاقيات بين الشركة الامريكية والسلطات المحلية بحضرموت موضع العمل الا بعدما ضمن الامريكيون مصالح انجلترا بالمنطقة . وفي سنة 1962م تمكنت شركة البان امريكان من إرسال فرقها من البحاثين الى حضرموت . ناقوس الخطر منذ مطلع الألفية الثالثة والعديد من التقارير تدق ناقوس الخطر فيما يتعلق بالكارثة التى ستدمر دول الخليج العربي عامة والسعودية على وجه الخصوص خلال العقود القادمة .فقد اشارت التقارير الاقتصادية بإن المخزون النفطي في ظل الاستنزاف المتواصل مع عدم اكتشافات لآبار جديدة سيؤدي إلى نفاذ المخزون الاحتياطي قبل نصف الالفية الثالثة وبذلك تتواري تلك الدول عن دائرة الأهتمام . فمن تلك التقارير التى نشرت مطلع الألفية الثالثة والتى رصدت وضع المخزون كمن يدق ناقوس الخطر : ( المتابع للرصيد السعودي من البترول سوف يجد أنه لم يُعثر في السعودية في العشرين سنة الأخيرة على حقول جديدة تستحق الذكر وقد استخرج ما يقارب مائة مليار برميل وهذا الرقم يشكل ثلث الأحتياط السعودي من النفط . فالسعودية تنتج 9 مليون برميل يوميا أي 3,3 مليار برميل سنويا فإن ذلك معناه أنه في حالة ثبات الإنتاج حول هذا الرقم - والمرجح أن يزيد كنتيجة لزيادة الاستهلاك العالمي - فإن مخزون البترول لدى السعودية سوف ينتهى تماما قبل ستين عاما من الأن . وليس الحال بأفضل من ذلك في باق دول المنطقة حسنا . فما زال أمام السعودية نحو نصف قرن من البقاء في دائرة الاهتمام ) ِ. فكيف بالسنوات الأخيرة حيث يبلغ معدل الانتاج في السعودية 12 مليون برميل يوميا . استراتيجية واشنطن إن الولاياتالمتحدةالأمريكية تقلل من معدلات انتاجها من البترول وتحتفظ به مخزونا في باطن الأرض بسبب توقعها حدوث ندرة بترولية عالمية مفضلة بذلك إستيراد البترول من الخارج وهي بذلك تدخل السوق العالمي كمشترية فضلا عن عدم إستطاعتها امداد حلافائها في اوروبا بإحتياجاتهما المتزايدة من البترول - ويظهر ذلك جليا اليوم من خلال حرب روسيا و اوكرانيا وترك حلفائها يواجهون ازمة نغطية بعد ان فشلت بالضغط على مجموعة الاوبك وخاصة السعودية بزيادة انتاجها من النفط ولعل سبب رفض الرياض لزيادة الانتاج لمعرفتها بخطر نفاذ مخزونها النفطي بالمستقبل القريب وهذا ما دفع امريكا الى اعاده اطماعها القديمة في ستينيات القرن الماضي في حضرموت وهذه المرة إذا لم يدرك اليمنيون للخطر فإن النفط واهميته في الاستراتيجية للأمن القومي الأمريكي قد يدفع بواشنطن بالاعتراف بحضرموت دولة مستقلة في حين تنشغل صنعاء بالهدنة والمفاوضات .