هكذا تمر دورات الحياة، شروق وغروب، وأيام وليالٍ تمر من أعمارنا دون أن نشعر، وكل يوم يمر يبعدنا عن الدنيا ويقربنا إلى الآخرة، فطوبى لمن أحسن فيه وعمل صالحاً وويل لمن أساء فيه وانحرف عن جادة الطريق السوي.. أليس في شروق الشمس وغروبها عظات وعبر بأن هذه الحياة الدنيا ليست بدار بقاء وقرار، بل دار فناء واندثار، ألم تروا هذه الأعوام كيف ترحل عاماً بعد عام وأنتم تودعون عاماً مضى، وتستقبلون عاماً جديداً لا ندرى ما الله صانع بنا، فليقف كل منا على محاسبة نفسه قبل أن يحاسب، وليراجع أوراق أعماله الماضية قبل الرحيل وحينها لا تنفع نفس إيمانها ما قد آمنت من قبل.. فاللبيب الفطن من أطاع ربه واستقام على طريق الهدى، والشقي المحروم من ضل الطريق وسلك سبل العصاة وارتكب الإجرام وعاث في الأرض فساداً. فاللبيب من أخذ من دنياه لآخرته وأدرك أن الحياة هي خطوات يخطوها إلى قبره.. وصدق المولى العلي القدير القائل: (ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون) سورة ياسين:68، لذا علينا أن ندرك بأن رحيل العام وانقضاء أيامه حلوها ومرها، مرتبط بانقضاء عمر الإنسان وقربه من الأجل، وكل يوم يمر لن يعود، وكل خطوة نقطعها من سفرنا تقربنا إلى القبر وصدق العلي القدير القائل: (يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولى الأبصار) النور:44، وهكذا أوصانا رسولنا الأعظم باغتنام الفرص في الأعمال الصالحة وأعمال البر والإحسان وجبر الخواطر.. عام مضى بكل ما فيه من أفراح وأتراح، وآلام وأحزان فما أحوجنا أن نحاسب أنفسنا وأعمالنا قبل الرحيل أياً كانت على ماضٍ رحل بكل معاناته وأوجاعه وآلامه ونستعرض فيه كل ما قدمناه من عمل صالحاً كان أم صالحاً، ونستدرك ما فات ونحاسب أنفسنا على العثرات ونصلح ما أعوج من الهفوات، ونستقبل عامنا الجديد بقلوبٍ مؤمنةٍ، ونيات صادقة، ونفوس نقية وسرائر بيضاء ورغبة أكيدة في فعل الخير، وأعمال البر الإحسان وجبر الخواطر، فاعتبروا يا أولى الأبصار فإن سفينة الحياة لابد لها من رسو، ولابد لها أن ترسو إلى شاطئ الموت والفناء شاءت أم أبت وصدق المولى القدير القائل: (كل من عليها فانٍ ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) الرحمن:27. فالدنيا وما فيها لا تزن عند الله جناح بعوضةَ إلاَّ الأعمال الصالحة وتقوى الله وصدق العلي القدير القائل: (قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلاً) النساء:77. صفوة القول: ليدرك الناس جميعاً أنهم راحلون عن هذه الدنيا الفانية، وتاركون كل ما لذَّ وطاب من زخارفها ومباهجها إلى دار القرار والجزاء وصدق المولى عز وجل القائل: (أفحسبتم أنَّما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون) المؤمنون:115، فطوبي لمن علم أن أيامه معدودة وسويعات عمره محصورة، وأدرك أن الموت حق وكل مخلوق شارب كأسه عن يدٍ وهو صاغر وحسير.. وصدق عز وجل القائل (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) الأعراف:24، لذا فلنكن على حذر ولنأخذ الدروس والعبر من الأمم السابقة التي جاء ذكرها في القرآن الكريم كيف كانوا وكيف صاروا؟!.. شادوا القصور وناطحات السحاب وبين عشية وضحاها أصبحوا أثراً بعد عين.. فلنعمل للآخرة الباقية لا الدنيا الفانية اليوم عمل بلا حساب وغداً حساب بلا عمل..!! كلمات مضيئة: ورد عن بعض الصالحين من كثرت نعم الله عليه، كُثرت حوائج الناس إليه، وهذه من إحدى علامات أولياء الله الصالحين، وجاء في الحديث النبوي الشريف "من أدخل على أهل بيت من المسلمين سروراً لم يرض له الله ثواباً دون الجنة" فقضاء حوائج الناس وتنفيس كروباتهم، وتفريج معاناتهم من أفضل أعمال البر والإحسان، كما جاء في الحديث النبوي الشريف "إن لله خلقاً خلقهم لقضاء حوائج الناس يفزع الناس إليهم في حوائجهم أولئك هم الآمنون من عذاب الله" فيا فوزاه للذين يسر الله لهم خدمة الناس وقضاء حوائجهم، فهذه نعمة من نعم الله لعباده الصالحين أنعم الله بها عليهم واستعدوا ليوم لا بيع فيه ولا خلال قبل فوات الأوان.