أشعلت دماء أطفال ونساء قطاع غزة الشوارع في عدد من بلدان العالم الذين نددوا ولايزالون بالحصار الظالم والحرب العمياء وجرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها الصهاينة ضد المدنيين المحاصرين في قطاع غزة.. مذابح مروعة وفظيعة ترتكب على مدار الساعة تبثها شاشات التلفزة على الهواء مباشرة, وللشهر الرابع على التوالي تزايدت أعداد الضحايا المدنيين الذين بلغوا عشرات الألاف ما بين شهيد وجريح جلهم من الأطفال والنساء والشيوخ , هذه الجرائم المروعة والحصار المطبق على كل سبل العيش في غزة بشكل خاص وفلسطين بشكل عام لم تكن وليدة اللحظة ولا في سياق ما تسميه أمريكا وبريطانيا "حق الدفاع عن النفس" بل حلقة من سلسلة حلقات القتل والترويع والتمييز العنصري والتطهيري العرقي والتهجير القسري الذي دأب عليه جيش الاحتلال الصهيوني منذ الاحتلال البريطاني لفلسطين وما تلا وعد بلفور المشؤوم الذي غرس هذا الكيان الارهابي في خاصرة الأمة العربية والاسلامية وفي أطهر بقاع الأرض القدس (مسرى الرسول وثالث الحرمين الشريفين) وما يحصل اليوم من مذابح بحق المدنيين وجرائم الإبادة الجماعية على يد الاحتلال في قطاع غزة تعد امتدادا لاحتلال فلسطين في العام 1948م وما ترتبت عليه من ارتكاب مذبحة تلو مذبحة سنة الاحتلال وبعدها كمذبحة دير ياسين ومذبحة قبية ومذبحة كفر قاسم ومذبحة صبرا وشتيلا التي قتل فيها عشرات الألاف من المدنيين الابرياء, وتتواصل هذه الجرائم غير المسبوقة في قطاع غزة بدعم ومشاركة امريكية على مختلف الصعد العسكرية والسياسية والاقتصادية والدبلوماسية. وفي المقابل استطاعت المقاومة من خلال معركة الدفاع التي دشنتها في ال7 من اكتوبر من العام المنصرم ان تهزم جيش الاحتلال الصهيوني وان تنهي من عقول المخدوعين أسطورة "الجيش الذي لا يقهر" هذا من جانب ومن جانب آخر عززت وأحيت عملية طوفان الأقصى في نفوس الأجيال القضية الفلسطينية التي كادت ان تدخل مرحلة الموت السريري في ظل التآمر ومشاريع التطبيع مع كيان العدو, فمثلت هذه العملية العسكرية النوعية التي تخوضها المقاومة صحوة للضمير والروح الثورية والجهادية في نفوس احرار الأمة العربية والاسلامية بعد هذه المعادلة الجديدة التي فرضتها المقاومة معلنة عن بداية النهاية للعصابات الصهيونية المارقة التي تهاوت في دقائق معدودة وانكسرت هيبتها وسمعتها أمام العالم وتلقت ولاتزال ضربات قوية وموجعة وهزائم ماحقة.. على أيدي المقاومة في قطاع غزة, وبعد عملية طوفان الأقصى برزت المقاومة وأكدت للعالم اجمع بأنها أصبحت قوة صاعدة ولاعب دولي على المستويين السياسي والعسكري يصعب على أي من القوى الإمبريالية تجاهلها. وعلى فظاعة الجرائم والدعم اللا محدود بالجسر الجوي الامريكي المتواصل للاحتلال وتسخير الإعلام الاستعماري لبث الدعاية السوداء والتلاعب بالمسميات والألفاظ التي تروج لها الصهيونية ويتبناها البيت الأبيض بهدف نقل صورة سلبية عن المقاومة وحقها المشروع في مواجهة المحتل من خلال بث ونشر الدعاية السوداء الصهيونية وبثها عبر وسائل الإعلام الاستعماري في اوساط الشارع في دول الغرب والناتو إلا أن الحقيقة رغم التضليل المتعمد ظهرت كضوء الشمس وبرزت من بين ركام المباني في غزة وصاح الدم المسفوح لأطفال غزة عن جرائم وبشاعة الغطرسة الامريكية وتمادي الصهاينة وإيغالهم في سفك كل تلك الدماء التي لم يسبق أن شاهدها العالم في تاريخ الحروب المعاصرة. ومهما بلغت الجرائم ومهما ارتفعت ضريبة النصر وثمن الحرية فإن المقاوم الفلسطيني سيظل ثابتا ومتجذرا في أرضه لأنه الأصيل وصاحب الحق ومالك الأرض وحامي الأرض والعرض ومقدسات الأمة الإسلامية ضد كيان وعصابات إرهابية جلبها البريطاني والأمريكي من اشتات الأرض ليستوطنوا أرض فلسطين, التي ارتبكوا في مناطقها افظع الجرائم بحق الإنسانية, ولذلك فمقاومة المحتل حق مشروع مهما كانت التضحيات, ولأن عصابات الإرهاب الصهيونية دأبت على المجازر دون أن تجد قوة ردع توقفها عند حدها وترد لها الصاع صاعين تمادت في غيها وواصلت سفك الدماء والتطهير العرقي وجرف الأراضي الزراعية والتوسع في الاستيطان وبث سموم الصهيونية في قلب وجسد العروبة والإسلام تارة بمشاريع التطبيع وتارة اخرى بجرائم الإبادة بحق المدنيين وإذكاء الفتن وإشعال الحروب بين ابناء الدول العربية لتصل الى توسيع هذه الصراع باستخدام أدوات متعددة ووسائل مختلفة حتى ينشغل العرب بقضايا بينية على مستوى الدولة الواحدة وتتفرغ الصهيونية لمشاريعها في تحقيق حلم التمدد والاستيطان حتى تصل الى مخططاتها واهدافها الرامية لاحتلال المساحة الجغرافية للدول العربية التي أعلنت عنها سابقا من النهر إلى البحر. وبالعودة إلى فظاعة الجرائم اليومية والإبادة الجماعية التي يتعرض لها سكان قطاع غزة, شاهدنا ولازلنا نشاهد مسيرات ومظاهرات غاضبة تجوب شوارع وعواصم دول شتى العواصم في كل من لندن وباريس وواشنطن وكوبنهاجن والمانيا رغم القمع الذي تشنه شرطة سلطات تلك الدول على المتظاهرين والزج بالبعض منهم في السجون, إلا أنهم أوصلوا صوت ومظلومية شعب فلسطين وكشفوا مجددا صورة الإرهاب الصهيوني المدعوم بشكل مباشر من الإدارة الأمريكية على مر عقود من الزمن . الغريب في الأمر هو موقف قيادات وأنظمة الشعوب العربية التي سادها الصمت المخزي ولم تهتز ضمائرهم ولم نسمع صدى لأصواتهم ولم نلحظ دور ملموس لجامعة الدول العربية التي انفرطت واخترقت مواثيقها بعد هرولة المطبعين للارتماء في الحضن الأمريكي والصهيوني, وحتى القول الذي أصبح غائبا لدى حكام انظمة الشعوب العربية عدا بضع قيادات الشعوب العربية, ولذلك كان لافتا ومبهرا موقف دولة جنوب افريقيا التي تقدمت برفع دعوى أمام محكمة العدل الدولية ضد جرائم الإبادة لجيش الاحتلال الصهيوني مطالبة بسرعة اصدار قرار عاجل احترازي لوقف مجازر العدو الاسرائيلي في قطاع غزة والاستمرار اصدار الحكم النهائي حول جرائم الإبادة لقيادات حكومة وجيش الاحتلال, وبينما جنوب افريقيا بموقف المشرف تخوض معركة القانونية ضد أقذر عصابات ارهابية عرفتها البشرية.. يخوض بعض قادة انظمة الدول العربية تحريك عجلة مسار التطبيع مع كيان العدو الصهيوني في الغرف المغلقة من خلال النقاش الذي تم مع بلينكن بعد جولته الخامسة إلى الشرق الأوسط, وقد تطرق وزير خارجية امريكا في تصريح له عن التطبيع وضرورة احياؤه مجددا كونه الحل الأمثل, لا ندري كيف يمكن ان يتجرأ قادة محسوبين على العرب والإسلام ان يهرولوا مجددا نحو التطبيع بعد كل المذابح المروعة التي لا تزال مستمرة ضد سكان قطاع غزة, الذين يذبحون بالسلاح الأمريكي المحرم دوليا.. تساؤلات نطرحها هنا عن المستوى البائس الذي وصل إليه حال قيادات وشعوب أغلب الدول العربية تجاه مقدساتهم التي تدنس وعن دماء أطفال ونساء فلسطين التي يسفكها المحتل والأعراض التي تنتهك في غزة المحاصرة ولم تحرك كل تلك الدماء والجرائم ضمائر اغلب شعوب و قيادات الأنظمة العربية العملية التي تماهت تماما مع الاحتلال الصهيوني ولم يصدر حتى عنها حتى موقفا سياسيا واضحا أو القيام بممارسة أي نوع من الضغط السياسي او الاقتصادي لتلك الدول التي اصحبت ترتبط مع كيان العدو سياسيا واقتصاديا ولم تجرؤ على إتخاذ موقف انساني في إطار التضامن مع مظلومية الشعب الفلسطيني ولكن ما نلاحظه من تخاذل فإنه بالتأكيد يبعث على الأسى الذي يثقل القلوب عن حال الأمة العربية, أمة القرآن والرسالات السماوية ومهد الحضارة والتاريخ العريق , مستوى مخيب لآمال وتطلعات احرار الشعوب في تطهير الاراضي المحتلة والمقدسات من الاحتلال الصهيوني الذي اقتربت نهايته بعون الله وتأييده ونصره للمرابطين في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس, حال العرب اليوم يذكرنا بالإعرابي عايش قبيلة مائة سنة واصفا تقلبات أحوالها بالقول: "كانوا يفعلون ولا يقولون, ثم أصبحوا يفعلون ويقولون, ثم صاروا يقولون ولا يفعلون, ثم صاروا لا يقولون ولا يفعلون, كانوا أعظم الناس, ثم من العظماء, ثم من الكذابين, ثم موتى لم يدفنوا".