هل تساءلت، أخي الكريم، عن سر القوة التي بلغتها الكثير من دول الغرب الكافر، والصين، ودول أخرى؟ وهل خطر ببالك تساؤلات عن المرجعية الثابتة التي تقف وراء رؤساء وزعماء وحكومات تلك الدول، تقودها وتوجهها لتنفيذ سياسات ثابتة، تصب في مصلحة بلدانهم، والنهوض بأوطانهم إلى مصاف الدول العظمى، دون أن تتأثر بتغير الحكام الذين ينحصر دورهم في تنفيذ وإدارة تلك السياسات؟ ومن تكون تلك القيادة والمرجعية التي تمتلك القوة ويمنحها كل أبناء الأمة التفويض الكامل، والولاء، والتسليم، لرسم السياسات والخطط المختلفة وفقًا لمنهج وضعي يحظى بالقداسة من الجميع، وتدير المشهد، فلا يكون أمام حكوماتهم إلا تنفيذ تلك السياسات المرسومة مسبقًا من قبل تلك المرجعية؟ وما دور الأمة وأهمية التفافها وتسليمها للقيادة، وتقديسها للمنهج الذي تؤمن يقينًا أنه الإطار الجامع والمخرج للجميع على اختلاف أفكارهم ومعتقداتهم، ويصطفون جميعًا حول برامجها النهضوية لتحقيق النجاح الكبير وبلوغ المرام؟. وما هي المؤثرات التي صنعت ذلك الإجماع الشعبي حول القيادة والمشروع من جانب، والقضاء على النفاق والعمالة والارتزاق من جانب آخر؟ إن الوعي الكبير الذي بلغته تلك الأمم وإدراكها أن مصلحتها وسر وحدتها وتكاتفها ونجاحها وقوتها تكمن في بناء المشروع والمنهج المحاط بالقداسة المطلقة، ولو أن ذلك المنهج وضعي إنساني يشوبه الكثير من النقص والعيوب، وإقامة القيادة التي تتحمل المسؤولية الكاملة والمشروعية الكاملة في حماية المنهج والتحرك من خلاله لتحقيق الأهداف المرجوة. وليس بمستبعد أن تكون تلك الأمم قد استفادت من القرآن الكريم، فصنعت لنفسها الأنموذج والآلية الخاصة بها لتحقيق غاياتها، في الوقت الذي كان الأجدر بأمتنا الإسلامية تقديم الأنموذج القرآني الريادي العالمي الذي أراده الله لعباده وارتضاه لهم، بما ورد في المنهج القرآني الذي يُعدُّ المشروع الإلهي المنزل من الله الأعلى الحكيم العليم بمصلحة عباده وما ينفعهم لتستقيم حياتهم. ولكن للأسف الشديد، فإن الأمة هي من جنت على نفسها وتخلفت وابتعدت عن دينها ومنهجها القرآني، وصارت إلى ما هي عليه من الذل والهوان والتشتت والفرقة والطائفية والمذهبية والصراعات التي ليس لها نهاية بين أبناء الأمة الواحدة والدين الواحد والمنهج الواحد، فتنكرت وجحدت توجيهات الله وأوامره التي فيها خيرها، وأقدمت على القيام بما نهى الله عنه. ولقد بات علينا اليوم إعادة قراءة أنفسنا وواقعنا، والعودة إلى ديننا ومنهجنا القرآني، والامتثال لإرادة الله ومشيئته والتسليم والطاعة له بأن نكون أمة واحدة نتمسك بديننا الإسلامي الحنيف، والانطلاق من وحي المنهج الإلهي الكامل الذي لو التزمنا به وتحركنا على ضوءه، وتوحدنا تحت رايته، وأقمنا فينا القيادة التي ارتضاها الله لنا وقرنها بالقرآن، وأمدها بالهدى والتبيان، وأمرنا سبحانه وتعالى بالتسليم والامتثال لها، وأن نأتمر بأمرها لما فيه خيرنا وسعادتنا ومصلحتنا ومصلحة أمتنا وأوطاننا وأجيالنا القادمة، فنحظى بالرعاية والعناية الإلهية، والنصر والتمكين والغلبة، ونقهر أعدائنا وكل طغيان، ونقيم الحق والعدل بالقسطاس والميزان. بيد أن الأمة ألقت بمنهجها وراء ظهرها، وتخلت عنه، وتنكرت له لقرون مضت، وهو الخير الكبير الذي فيه عزتنا وكرامتنا ومجدنا وسؤددنا ونصرنا وتأييدنا من الله سبحانه وتعالى، فحق علينا بتركه الشقاء، وضرب الله على هذه الأمة الذلة والمسكنة، وباءت بغضب من الله، فظلت تدفع أثمانًا باهظة لقاء هذا الجحود للدين والنهج القرآني الحكيم. وهو الأمر الذي أدركه وتنبه إليه قادتنا الربانيون منذ انطلاق المسيرة القرآنية، حيث بدأ العمل الإيماني الجاد والصادق لاستعادة مجد وعزة ونصر الأمة من خلال إعادة بناء الأمة وفقًا للنهج القرآني والتوجيهات الربانية والتمسك بالدين الإسلامي الحنيف الكامل، لأنه الحق المطلق والفوز العظيم في الدنيا والآخرة.. ويقتضي ذلك لزوم تفعيل المعادلة القرآنية المتمثلة في "القيادة، والمنهج، والأمة" في واقع الأمة، وبناء الروابط الوثيقة بين هذه الثلاثية التي سيتحقق بموجبها البناء الحقيقي لخير أمة أخرجت للناس. وبفضل الله سبحانه وتعالى وعونه وتأييده، وبالتوكل عليه، تمكنت اليمن من تقديم الأنموذج القرآني الصحيح، وأصبح للأمة الإسلامية في اليمن القائد القرآني المفترض طاعته والتسليم له، مصداقًا لقول الله سبحانه وتعالى: [ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56)] المائدة. فقام في الأمة السيد القائد (عبد الملك بن بدر الدين الحوثي) "حفظه الله" وفقًا لمنهج الله القرآن الكريم، وتحرك به باعتباره المشروع الإلهي الكامل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وحقق بالفعل مصلحة الأمة، وعزتها وسيادتها ونصرها ومجدها وسؤددها. ولأنه قائد رباني وعلم هدى تمكن من بناء الأمة انطلاقًا من كتاب الله الحكيم لقوله تعالى: [وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ] آل عمران- آية (103). ثم عمل على توحيد صفوف أبناء الأمة انطلاقًا من قوله تعالى: [كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ] آل عمران- آية (110). فأصبح كل أبناء الأمة تحت سقف القرآن الكريم المنهج الرباني العظيم وقيادة قرناء القرآن الذين هم القيادة الحكيمة التي ترسم السياسات والثوابت المنطلقة من القرآن الكريم لما فيه خير ومصلحة الأمة. وينبغي على الأمة أن تلتف حول هذه القيادة الربانية الحكيمة وتنطلق وفقًا لمشروعها القرآني الرباني الحكيم. وهكذا انطلقت الأمم وصنعت لنفسها الأمجاد العظيمة، وأصبحت أمريكا الشيطان الأكبر، القوة الأكثر هيمنة في العالم، ناهيك عن القوى الأخرى المنافسة التي لم تكن لها منهج رباني كما لأمتنا التي حباها الله بالقرآن العظيم. وعلى الرغم من الواقع المأساوي للأمة من الشتات والضعف والهوان، تمكن اليمن الميمون بفضل الله سبحانه وتعالى والقيادة الربانية العظيمة والحكيمة، والوعي والبصيرة لأبناء الشعب اليمني الكريم، الذي قال عنه سيدنا رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه وآله" الإيمان يمان والحكمة يمانية ".. فهو شعب الإيمان والحكمة، وهو شعب إيمانه هوية، وهويته إيمان، ولأنه كذلك فقد أكرمه الله سبحانه وتعالى بقيادة ربانية حكيمة تحركت بهذا الشعب على منهج القرآن الحكيم، وتجلت الحكمة في اتحاد وائتلاف ثلاثية المنهج والقيادة والأمة. وغدا اليمن الشاهد والحجة على الأمة بأسرها، وأثبت مصاديق التحرك على هدى الله وفقاً لمنهجه وإرادته. وتجلت الحكمة والإيمان العظيم للقيادة الربانية بإعادة بناء اليمن الجديد وقواته المسلحة، وبناء ترسانة عسكرية تمكن من خلالها اليمن من إسناد الشعب الفلسطيني المظلوم ومواجهة وردع طواغيت الأرض وقوى الطغيان، وعلى رأسها الشيطان الأمريكي والصهيونية العالمية التي طالما أحكمت سيطرتها وهيمنتها على العالم باعتبارها القوة العظمى التي يحسب لها العتلم ألف حساب، لكنها وقفت عاجزة أمام البأس اليماني، وأخفقت في تطويع وتركيع اليمن العزيز الذي اعتز بعزة الله، وتمكن من كسر شوكتها والانتصار عليها. وبالحكمة التي تجلت في القيادة والشعب، تمكنت قيادتنا الربانية بفضل الله وتأييده وعونه، وبالمدد والإلهام الإلهي ، من قلب المعادلات وتحويل كل مصادر قوة الشيطان الأكبر الأمريكي في البر والبحر والجو إلى مصادر ضعف وقلق وخوف وذعر لدى الشيطان الأكبر والغرب الكافر والكيان الغاصب وحلفائهم أجمعين. حتى لاذ الشيطان الأمريكي بالفرار والهروب بحاملات الطائرات والبوارج والمدمرات التي أضحت فريسة وصيداً سهلاً للقوات المسلحة اليمنية، وباتت عبئاً على الأمريكي الذي لا همَّ له سوى الهروب خوفاً من ضربات القوات المسلحة اليمنية القاصمة. وكذلك بات الأمريكي اللعين ذليلاً حائراً عاجزاً أمام قواتنا المسلحة اليمنية، ولم يعد يرى أي أمل في تنكيس راية اليمن الجديد، يمن الحكمة والإيمان. وكما هو حال الشيطان الأكبر الأمريكي، بات الكيان اللعين أسوأ منه حالًا، ولم يجد من يستنقذه من بأس الله وبأس رجال الله. والحقيقة أن من أهم مفاعيل الولاء لله ورسوله وأوليائه هو هذا النصر العظيم والشجاعة المنقطعة النظير للقيادة الربانية والقوات المسلحة والشعب العظيم، التي ستجعل قوى الاستكبار والصهيونية تركع وتخضع للإرادة اليمنية الصلبة المستمدة من بأس الله وقوته. وعليه أن يتوقف عن جرائمه بحق أبناء الضفة وغزة وكل بلاد الأمة، فلم يعد له أي أمل في البقاء في أرض فلسطين، وعليه أن يدرك يقيناً أنه لا خيار له إلا الرحيل، ولن ينفعه المرتزقة والخونة والمنافقون الذين عليهم أن يتوبوا إلى الله قبل أن يحل عليهم غضب الله ومقته وسخطه. ولن يفيده أي تحالف معهم ولا مع دول التطبيع والنفاق، لأنهم سيكونون عرضة للضربات اليمنية التي لن توفرهم حال تماديهم في غيهم وتحالفهم مع أعداء الله وأعدى أعداء الأمة، الصهيوني اليهودي اللعين. وعليه أن يضع في حسبانه أن الشعب اليمني العظيم قادم لا محالة لتحرير مقدسات الأمة من رجسه ودنسه وظلمه وطغيانه وجبروته. فيا كل طواغيت الأرض من الكفار والمنافقين والعملاء والمرتزقة والجواسيس، اعلموا أنه لا سلطان لكم على أبناء الشعب اليمني العظيم، فقد شب عن الطوق من بعد أن أدرك أنه لا يمكن أن يكون قويًا إلا بارتباطه بالله وتوكله عليه والسير على هدى الله والتسليم لعلم الهدى والتحرك بالمنهج القرآني العظيم.. فالنصر والتمكين له وعد الله وفضل الله وقدر الله الذي لا يخلف الميعاد. وهيهات أن تخوفوا شعبنا بقصفكم واستهدافكم بالغارات للساحات والميادين، ولن يزداد إلا عنفوانًا وثباتًا وصمودًا وتمسكًا بخياراته وإصرارًا على الحشد والتحشيد انتصارًا للمظلومين في كل الأرض واستعدادًا للمواجهة مهما بلغت التضحيات. وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم، والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين، والعاقبة للمتقين.