ظاهرة الجريمة من المظاهر المرتبطة بأوضاع الناس اجتماعياً وسلوكياً واقتصادياً، وهي قديمة قدم الإنسان مُنذ أن خُلق أبونا آدم عليه السلام، وحتى يومنا هذا، وكلنا نعلم قصة قابيل وهابيل التي ذُكرت في القرآن الكريم جاء في الأثر النبوي"ما من عبدٍ إلا له بابان باب يخرج منه رزقه، وباب يدخل منه عمله، فإن مات فقداه وبكيا عليه وتلا رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام هذه الآية: (فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين) سورة الدخان (29) وقال عليه الصلاة والسلام "لا تُقتل نفس ظلماً إلاً كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه أول من سن القتل". وليعلم الجميع أن ابن آدم "قابيل" الذي قتل أخاه "هابيل" كان مؤمناً موحداً، ولم يكن كافراً، وإنما أرتكب هذه الجريمة المروعة بقتل أخيه هابيل ظلماً وعدواناً، وقد يتساءل الكثير لماذا يقتل الأخ أخاه.. أو الابن أباه أو أمه أو الزوجة زوجها أو العكس؟! هناك عدة أسباب وعوامل منها الأوضاع الاقتصادية المتردية أو الفقر المدقع أو الانحراف السلوكي أو نتيجة أمراض نفسية أو عقلية بسبب تعاطي المخدرات المتنوعة أو الحشيش أو مصاحبة أصدقاء السوء، رغم كثرة التساؤلات وتباين الأسباب تظل الجريمة قائمة ولها أساليبها وفنونها وخصائصها، ومهما هرب المجرم من يد العدالة، يظل في حالة نفسية قلقة غير مستقرة، وفي حالة تعذيب وهروب، وقد أكد خبراء الجريمة أن العامل الاقتصادي المتردي والفقر المدقع والبطالة لها أثرها الكبير بصورة مباشرة على ظاهرة انتشار الجرائم، أياً كان نوعها، وقد تظهر الجرائم حتى في المجتمعات المتحضرة والراقية نتيجة التطور، وحياة البذخ والتحديث والرفاهية، وهذا ما شهدته الكثير من مدن العالم المتقدم بسبب الطفرة العلمية والثقافية والحضارية والتكنولوجية الهائلة، لذا كان من الطبيعي أن تحدث مثل تلك الجرائم الشنعاء في تلك المجتمعات النامية والمتحضرة، وقد يؤدي الازدحام والبحث عن العمل إلى نشوب المنازعات بين الأفراد، ما يجعل البيئة الاجتماعية في حالة تشظي وصراع مما يدفع البعض إلى انتهاج أسلوب التنمر والعنف الذي يؤديان إلى ارتكاب الجريمة، ومن هنا تصبح إشباع الرغبات الإنسانية هي المسؤولة عن انحراف النفس البشرية في حالة قصور أو عدم إشباعها بالطرق المشروعة فتلجأ إلى الجنوح والانحراف لإشباع غرائزها إلى جانب عدة عوامل مرتبطة بحياة الناس منها الوضع الاقتصادي المتردي، والحالة النفسية القلقة المضطربة، وانتشار المخدرات بكافة أنواعها وأصدقاء السوء، وهناك عوامل مساعدة على أرتكاب الجرائم مثل تقلبات الأسعار، فتقلبات الأسعار تعني التأثير على حياة الناس اجتماعياً ومعيشياً، وقد أثبتت الإحصائيات الجنائية في دول صغرى وكبرى أن ارتفاع الأسعار، وخاصة أسعار المواد الغذائية الضرورية الأساسية كالقمح والأرز والحليب والزيوت وغيرها قد يؤدي إلى إنعاش الجرائم، وبالأخص جرائم السرقة والعنف والاعتداء على الأشخاص والضحية دائماً من ذوي الدخل المحدود. وقد أثبت خبراء الجريمة وعلماء الاجتماع أن ظاهرتي الفقر والبطالة لها صلة وثيقة بالجريمة، فالعلاقة بينهما علاقة تناسبية فالشخص الذي لا يستطيع أن يحقق الحد الأدنى من ضروريات واحتياجات الحياة قد لا يجد أمامه وسيلة لإشباع رغباته واحتياجاته الضرورية إلا بطرق غير مشروعة، فليجأ إلى الأسلوب الإجرامي، وقد تلجأ الزوجة في كثير من الأحيان إلى الخروج للعمل لسد احتياجات البيت ومساعدة زوجها، فينصرف الزوجان إلى العمل، ويتركان أطفالهما دون عناية أو رقابة مما يجعل ذلك سبباً في انحرافهم أو تشردهم أو انضمامهم إلى عصابة إجرامية تحت تأثير الإغراء بالمال، كما أن للبطالة آثارها الكارثية الخطيرة على الفرد والمجتمع والدولة، ومن هنا تتنوع الجرائم وتتطور، وتأخذ أساليب التفنن والتمييع والتمويه، ولذلك لابد من مواكبة التحديث والتطور في الأجهزة الأمنية الضبطية مع تطور الجرائم. صفوة القول: يبدو أن هناك قناعة تامة بأن الاقتصاد القائم على توزيع الثروات والحقوق والاحتياجات الضرورية على مستحقيها بصورة عادلة ونزيهة وبشفافية عالية هي أساس العدالة الاجتماعية، فهناك أعباء ومسؤوليات ضخمة ملقاة على عاتق مسؤولي الأمن، وخاصة رجال البحث الجنائي الذين تفرض عليهم مهامهم اليقظة التامة والقيام بدورهم في المراقبة الدائمة قبل وقوع الجريمة، من جهة أخرى لابد لكل مواطن مخلص أن يلتزم بدوره الوطني، وأن يكون عضواً فاعلاً ومساعداً لرجال الضبط الأمني في القضايا المخلة بالأمن الاجتماعي أو العام حفاظاً على أمن واستقرار الوطن. ومضات خاطفة! من القاع أناديك لساني جف واحترقت فراشاتي على فيك أهذا الثلج من برد لياليك..؟! أهذا الحجر الصامت من قبري ؟! أهذا الزمن المصلوب من عمري؟! أهذا أنت يا فقري..؟! بلا وجه بلا وطن. لو أن الفقر إنسان إذن لقتلته وشربت من دمه لو أن الفقر إنسان..!!