إجرامٌ وتوحُّش أمريكي جسَّدته سلسلة الغارات التي استهدفت ميناء رأس عيسى بمحافظة الحديدة، راح ضحيتها عشرات الشهداء وأكثر من 150 جريحاً، وهذه الجريمة تجسّد الفشل والهزيمة للإمبراطورية العُظمى المُسماة أمريكا. ميناء رأس عيسى والمنشآت النفطية فيه، بنية تحتية خدمية، وهذا معروف للقاصي والداني، ومع ذلك تتفاخر ما تُسمى بالقيادة الأمريكية الوسطى أنها استهدفت هذه المنشأة وتحاول أن تقدّم صورة إنجاز سوف يرتد على هذه الإمبراطورية وعلى كيان الصهاينة في المدى القصير والمتوسط والطويل.. الأهم أن تصريحات القيادة الوسطى تعترف بأنها استهدفت منشأة اقتصادية مدنية للإضرار بالشعب اليمني والأحرار من أبنائه الصامدين المواجهين انتصاراً لغزة وأبنائها وفلسطين والمقدسات فيها؛ في حين أن طائرات وقاذفات من نوع شبح تمارس وحشيتها وهمجيتها على الشعب اليمني من أجل حماية كيان الصهاينة ولن تحميه.. والاعتقاد أن غزةواليمن في هذه المواجهة وحيدان لن يحقق نصراً بل يعمّق الهزيمة لهذه الامبراطورية التي قامت على التوحُّش، ويسرّع من انكشاف الكيان الصهيوني وأمريكا والغرب الأطلسي؛ وكلما أوغروا في الدم اليمني والفلسطيني كان الثمن الذي سيدفعونه أكبر؛ وكل السرديات الصهيونية والأمريكية لم يعد لها معنى.. ترامب يستدعي نتنياهو على عجل لمناقشة ملفات حملها النازي الصهيوني رئيس حكومة الكيان لمواصلة مخططاتهم وإعادة توزيع الأدوار؛ في حين أن الإعلام الأعرابي العبري كان يتحدث عن المفاوضات حول الملف النووي الإيراني وتأجيل الحرب على طهران واستهداف منشآتها النووية، لتأتي القنوات الإعلامية الصهيونية وتعطي إشارات حول حقيقة ما دار.. في هذا السياق، علينا أن لا نغفل تريليونات أنظمة البترودولار التي قدمتها بشكل صريح السعودية والإمارات، وبشكل خفي بعض الأنظمة الخليجية تحت غطاء استثمارات، بينما هي بالحقيقة لتمويل حروب كيان العدو الصهيوني وأمريكا، ونَفْيُهم أنهم غير متورطين بالحرب الأمريكية على اليمن تأكيدٌ حسب قوانين المنطق وتفسّره تحرُّكات المسئولين السعوديين والإماراتيين والاستقبالات لمسئولين أمريكيين وغربيين وصهاينة، واصطحاب وزير الدفاع السعودي بمن يُسمى سفير المملكة في اليمن هو مؤشر إضافي لِما ذهبنا إليه، ولا فرق إنْ كانت هذه الزيارات لواشنطن أو طهران.. بعد زيارة بن سلمان الصغير لأمريكا تصاعدت الهجمات الوحشية على اليمن، وأصبحت الشراكة السعودية والإماراتية واضحة فيها، واستهداف المنشآت المدنية والمدنيين يبيّن الدور السعودي والإماراتي وقيادة أمريكا له طوال السنوات الماضية، ولا يمكن فصله عن مخططات تأمين الكيان الصهيوني وتمكينه ليكون وكيلاً حصرياً للإمبريالية الأمريكية ليتفرغ لما هو أكبر، ونقصد هنا بدرجة رئيسية مواجهة الصين وحرب الرسوم الجمركية الأمريكية التي هي ظاهرياً على الأعداء والأصدقاء، وفي جوهرها تستهدف الصين، وهُزِمت فيها أمريكا قبل أن تبدأ.. رَدُّ اليمن -قيادةً وشعباً- على جريمة رأس عيسى جاء سريعاً ومن ميدان السبعين، ولعل إعلان البيان العسكري باستهداف الكيان الصهيوني في عُمقه وضرب حاملات الطائرات القديمة "ترومان" والحديثة "فينسون" في البحرين الأحمر والعربي، وإسقاط الطائرة ال20 المُسيَّرة "إم كيو-9"، يعبّر عن وعي هذا الشعب وتمسُّكه بموقفه وصحة وصوابية هذا الموقف الذي جعل أمريكا تتخبط وتلجأ إلى المجازر مكرّرةً ما تعرَّض له الشعب اليمني طوال السنوات العشر الماضية، وما تعرَّض ويتعرض له الشعب الفلسطيني في غزة.. واستهداف المنقذين والمسعفين في رأس عيسى يبيّن أن الأمريكي والصهيوني والسعودي والإماراتي ومن يدور في فلكهم هم شيء واحد، وأن التوحُّش والإرهاب صناعة أمريكية تعكس طبيعة هزيمتها من فيتنام، مروراً بأفغانستان والعراق، وصولاً إلى اليمن.. ويبقى التذكير بأن ثمن المواجهة والتصدّي لهذا الإجرام والتوحُّش أقل بما لا يقارَن بثمن الاستسلام لأولئك البُغاة المنحطين عسكرياً وسياسياً وأخلاقياً وإنسانياً.