في السابع من ديسمبر، يحتفل العالم باليوم العالمي للطيران المدني، هذه المناسبة التي تحمل في ذكراها ال81 منذ تأسيس منظمة الطيران المدني الدولي (ICAO) عام 1944، تذكّرنا بالدور الحيوي للطيران في ربط الشعوب وتعزيز السلام والتنمية المستدامة. وفي هذا اليوم، الذي تتجه فيه أنظار العالم نحو السماء، نطرح السؤال الأعمق: كيف نصنع سماءً آمنة وطيرانًا مستدامًا وعادلاً للجميع؟ فكل رحلة، وكل مسار جوي، ليس مجرد وسيلة انتقال، بل لغة كونية تربط البشر و تختصر المسافات، وتمنحنا فرصة لرؤية العالم بزاوية أعلى وأكثر شمولًا. ويأتي احتفال هذا العام تحت شعار: "سماء آمنة... مستقبل مستدام: معًا للثمانين عامًا القادمة" وفي قلب هذا الاحتفال، نجد شعار الإيكاو الذي يحمل أجنحة طائرة فوق خريطة العالم محاطة بغصني زيتون، رمزًا للسلام والتعاون الدولي في أجواء آمنة. إنه ليس مجرد شعار، بل مبدأ عالمي يذكّرنا بأن الطيران يجب أن يبقى جسرًا للسلام، و ليس امتيازًا تمنحه السياسة لمن تشاء، بل حق إنساني تحفظه السماء وتحرسه المواثيق الدولية السماء الآمنة: حقّ إنساني قبل أن تكون إنجازًا تقنيًا السماء الأمنه ليس مجرد رادارات وأبراج مراقبة وإجراءات تفتيش بل الأمن الحقيقي يبدأ من فلسفة تقول إن:- سلامة الإنسان أي إنسان على الأرض أو في الجو هي القيمة العليا لكل منظومة الطيران. السماء الآمنة تعني: * أن تصل كل طائرة بسلام، دون أن يُنتقص من حق المسافر أي شيء. * ان تحفظ القوانين الدولية كرامة وحرية تنقل الانسان . * أن تُحترم القوانين الدولية بعيدًا عن التسيس والحصار والعقاب الجماعي. * أن تظل المطارات ممرًا للنجاة والتواصل الإنساني، لا ساحة للصراعات. وفي عالم تتفاقم فيه النزاعات والتحديات، لا يمكن أن نتحدث عن سماء آمنة دون أن نستحضر معاناة الملايين ممن حُرموا من حقهم الطبيعي في السفر والتنقل فأمن وسلامة الطيران يجب ان تكون مسؤولية مشتركة بين الحكومات والمنظمات الإقليمية والدولية ، والمجتمع الدولي ككل فالحياد الجوي ليس ترفًا قانونيًا، بل أساس لمنظومة الطيران العالمي. فالسماء ملكٌ للبشرية جمعاء، وحمايتها واجب إنساني وأخلاقي. طيران مستدام للجميع: عندما تصبح التكنولوجيا أخلاقًا الطيران المستدام ايضا ليس مجرد شعار يتردد في المؤتمرات، بل هو مسار تحوّل عالمي يعيد رسم ملامح مستقبل الصناعة بالكامل. إنه وعد بأن نُقلّل الانبعاثات دون أن ننتقص من حق الإنسان في السفر، وأن نطور تقنيات نظيفة وأذكى، دون أن تظل أي دولة وخاصة الدول النامية خارج دائرة التقدم. اليوم، يشهد عالم الطيران ثورة حقيقية ترتكز على: * الوقود المستدام (SAF) وتقنيات الهيدروجين الأخضر. * الطائرات الكهربائية والهجينة ووسائل النقل الجوي ذاتية القيادة. * استراتيجيات التحول الأخضر وبناء مطارات محايدة كربونيًا. * الذكاء الاصطناعي، البيانات الضخمة، والحلول الرقمية المتقدمة. * الاقتصاد منخفض الارتفاع والتكنولوجيا الحديثة متعددة التطبيقات. * الحوكمة والشفافية ومكافحة اقتصاد الظل في منظومة الطيران. لكن الاستدامة الحقيقية لا تُقاس بالتكنولوجيا وحدها... بل بالفرص التي نوفرها، والعدالة التي نحققها، والحق في السفر الذي نحافظ عليه للجميع. الطيران المستدام للجميع يعني أن السماء ليست حكرًا على الأغنياء أو الأقوياء، بل مساحة متاحة لكل المسافرين، ولكل الدول، ولكل المجتمعات فضاء يتساوى فيه الإنسان مع الإنسان، ويحلّق فيه الأمل مع كل رحلة. الإنسان... هو محور السماء كلها في نهاية المطاف، ليس الهدف أن نملأ السماء بالطائرات، بل أن نملأ العالم بالأمل. أن يشعر الإنسان — أي إنسان — أن السماء ليست بعيدة عنه. أن يثق أن الرحلة التي يبدأها من مطار صغير في مدينة مهمشة... يمكن أن تصله بالعالم دون خوف، ودون تمييز، ودون أن يُثقل كوكبنا بالمزيد من الأعباء. ان يقر العالم بان الثورة الحقيقية للطيران ليست في المحركات والوقود فقط، بل في فلسفة الطيران ذاتها... ثورة تجعل كل رحلة أخفّ على الغلاف الجوي وأقرب لوجدان الإنسان. فالطيران صناعة البشر... قبل أن يكون صناعة الحديد والأجنحة. واخيرا ندعو إلى مستقبل نظيف وعادل نقول للعالم في اليوم العالمي للطيران المدني،: نعم... نريد سماءً آمنة. نعم... نريد طيرانًا مستدامًا. نعم... نريد أن يكون ذلك للجميع... بلا استثناء. فالسماء لا تعرف الحدود، ولا تنحاز إلا للسلام. فالسماء حين تُفتح للجميع تصبح طريقًا للسلام، وحين تُغلق تصبح جرحًا إنسانيًا لا يمكن للعالم تجاهله. دعونا جميعًا نحوّل الطموح إلى واقع ملموس: سماء آمنة، وطيران مستدام، وفرص متاحة للجميع. فما نزرعه اليوم من التزام وعدالة، سوف تحصده الأجيال القادمة إلى أفق أفضل.... *مدير عام النقل الجوي- اليمن