الملخص الجوهري: يُعد الاقتصاد منخفض الارتفاع أحد الاتجاهات العالمية الصاعدة، ويقوم على استغلال الفضاء الجوي القريب من سطح الأرض (120 وحتى 1000 متر) في أنشطة اقتصادية ذكية باستخدام الطائرات بدون طيار والمنظومات الجوية الخفيفة، خاصة في مجالات النقل الحضري والزراعة والصحة والبيئة. وفي ظل محدودية التقدم العربي في هذا المجال، تقترح هذه الورقة مشروع "ARALAS" كمبادرة إقليمية رائدة لتأسيس منظومة عربية موحدة تنظم وتدير هذا الاقتصاد الواعد، وتعزز التحول الرقمي والتنمية المستدامة في المنطقة. مقدمة: الاقتصاد منخفض الارتفاع – مفهوم صاعد بثقل المستقبل يشهد العالم اليوم انطلاقة متسارعة نحو توظيف الفضاء الجوي المنخفض (Low-Altitude Airspace) كمجال اقتصادي واعد، خاصة مع تصاعد استخدام الطائرات بدون طيار (UAVs)، والتطبيقات الذكية المرتبطة بالخدمات اللوجستية، والزراعة الدقيقة، والمراقبة البيئية، والنقل السريع. لقد أصبح هذا المجال، المعروف اصطلاحًا ب "الاقتصاد منخفض الارتفاع"، إحدى جبهات الابتكار الاقتصادي في القرن الحادي والعشرين، حيث تتقاطع فيه التكنولوجيا المتقدمة مع احتياجات المجتمعات والقطاعات الحيوية. مفهوم الاقتصاد منخفض الارتفاع الاقتصاد منخفض الارتفاع يُعرّف بأنه مجموع الأنشطة الاقتصادية والخدمية التي تُنفذ باستخدام منظومات جوية خفيفة أو غير مأهولة، مثل الطائرات بدون طيار والطائرات الكهربائية الصغيرة، ضمن نطاق ارتفاعات قريبة من سطح الأرض. النطاق العمودي للاقتصاد منخفض الارتفاع يُعد تحديد النطاق العمودي للاقتصاد منخفض الارتفاع من القضايا الجوهرية في بناء السياسات، حيث تختلف التعريفات بحسب الجهات التنظيمية. ففي حين تعتمد FAA وEASA حدًا أقصى يبلغ نحو 120–150 مترًا للطائرات بدون طيار التقليدية، تُشير العديد من الدراسات والممارسات الدولية الحديثة إلى أن المجال المناسب للاقتصاد منخفض الارتفاع يشمل الطبقة الجوية من 120 مترًا إلى 1000 متر فوق سطح الأرض، والتي تُعد غير مستغلة تجاريًا بشكل كاف ويشمل هذا الاقتصاد مجالات متنوعة مثل النقل الحضري والزراعة الذكية والتوصيل الجوي والرصد البيئي والأمن والإغاثة، ويعتمد بشكل كبير على تقنيات الذكاء الاصطناعي والاتصالات المتقدمة. النطاق الجوي دون 120 مترًا أما فيما يخص النطاق الجوي دون 120 مترًا يُصنَّف عالميًا ضمن "المجال الجوي المنخفض جدًا" (VLL)، ويُستخدم في الأنشطة الترفيهية والهواة وبعض العمليات المحدودة كالرش الزراعي أو التوصيل قصير المدى. ورغم خروجه من النطاق المؤسسي للاقتصاد منخفض الارتفاع، إلا أنه يُعد بيئة اختبار مبكرة وداعمة لتطوير المهارات والابتكار، خصوصًا في المناطق الريفية.. أمثلة تطبيقية ضمن منظومة ARALAS بحسب نوع النشاط يشمل الاقتصاد منخفض الارتفاع أنشطة جوية ذكية باستخدام الطائرات بدون طيار والمركبات الجوية الخفيفة ضمن ارتفاعات غالبًا أقل من 500 متر فوق سطح الأرض، منها: * النقل والخدمات اللوجستية النقل الحضري الجوي (UAM) باستخدام الطائرات الكهربائية العمودية والطائرات بدون طيار لنقل الركاب والبضائع داخل المدن. التوصيل السريع للبضائع والخدمات داخل المدن، بما في ذلك النقل الطبي الطارئ ونقل البضائع الحساسة. * الزراعة والبيئة الموانئ الجوية الزراعية الذكية لخدمات الرش والمراقبة الزراعية وتوصيل المنتجات الطازجة. الرصد البيئي والجوي لدعم الاستدامة ومتابعة الكوارث الطبيعية. * الأمن والمراقبة مراقبة الحدود والمنشآت الحيوية، ودعم العمليات الأمنية والميدانية. * السياحة والإعلام تقديم جولات سياحية جوية مستدامة، واستخدام الطائرات المسيّرة في التغطيات الإعلامية والبث الحي. * الصناعة والتطوير التقني التصوير والمسح الجغرافي الدقيق لدعم التخطيط العمراني، وصيانة البنية التحتية الحيوية عبر الطائرات المسيّرة. الاقتصاد العالمي للطيران منخفض الارتفاع يشهد اقتصاد الطيران منخفض الارتفاع نموًا عالميًا متسارعًا، مدفوعًا بثورة الذكاء الاصطناعي، وانتشار تقنيات الاتصال المتقدمة 5G/6G)) والتحول الرقمي في الخدمات العامة وسلاسل الإمداد. ووفقًا لتقديرات PwC (2022) وMcKinsey (2023)، يُتوقع أن تتجاوز القيمة السوقية العالمية لهذا القطاع 1.5 تريليون دولار بحلول عام 2040، مع تسجيل معدل طلب سنوي يتجاوز 25% على خدمات النقل الجوي الحضري، والتوصيل الجوي، والزراعة الذكية، والمسح الجغرافي. ووفقًا لتقديرات أولية غير رسمية مستندة إلى نماذج السوق العالمية والتوجهات الإقليمية، يُتوقع أن يتجاوز حجم سوق الاقتصاد منخفض الارتفاع في الدول العربية والنامية حاجز 50 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2035، بمعدل نمو سنوي مركب يتجاوز 15%.. ورغم هذا النمو العالمي اللافت، يظل السؤال الأساسي حول مدى جاهزية الدول العربية للاستفادة من هذه الفرصة الاستراتيجية والتحديات التي تواجه تطوير هذا القطاع الحيوي في المنطقة. فجوة عربية... وفرصة استراتيجية رغم التقدم العالمي السريع في اقتصاد الطيران منخفض الارتفاع، يظل الحضور العربي محدودًا ومجزّأ بسبب غياب إطار تشريعي موحد ورؤية إقليمية متكاملة. تركزت المبادرات العربية الفردية على الاستخدامات الأمنية أو البحثية، مع محاولات تجارية محدودة لم تصل إلى التشغيل الواسع أو النموذج الاقتصادي المستدام. برزت تجارب متقدمة في بعض دول الخليج، إلى جانب مشاريع متوسطة النطاق في عدد من الدول العربية التي ركزت على الزراعة الذكية والرصد البيئي والمسح الجوي. في المقابل، تعاني معظم الدول العربية من تحديات مؤسسية وتشريعية وأمنية، إلى جانب ضعف الاستثمارات والبنية التحتية الرقمية، ونقص شبكات الاتصال الحديثة (G5/6G)، ونقص الكوادر الفنية، ما يُعيق تنسيق الجهود وتنظيم القطاع. في هذا السياق، يمثل مشروع المنظومة العربية للطيران منخفض الارتفاع والخدمات الجوية الذكية (ARALAS) فرصة استراتيجية فريدة لبناء منظومة عربية ذكية للطيران منخفض الارتفاع، ترسّخ إطارًا تنظيميًا موحدًا وتدعم التحول الرقمي والتنمية المستدامة وتعزز السيادة التكنولوجية. المشروع العربي الرائد: المنظومة العربية للطيران منخفض الارتفاع والخدمات الجوية الذكية Arab Regional Low-Altitude Aviation and Smart Air Services System (ARALAS) تُعد "ARALAS" مبادرة عربية متكاملة تُعنى بتنظيم وتطوير مجال الطيران منخفض الارتفاع والخدمات الجوية الذكية، ضمن إطار إقليمي موحد يعكس أولويات التحول الرقمي ويخدم أهداف التنمية المستدامة في الدول العربية. وتهدف المبادرة إلى سد الفجوة المؤسسية والتشريعية في هذا القطاع، من خلال إنشاء بيئة تشغيلية مرنة وآمنة تُحفّز الابتكار والاستثمار، وتغطي الجوانب التنظيمية والتقنية والتشغيلية والاقتصادية ذات الصلة. وترتكز المنظومة على رؤية استراتيجية لبناء اقتصاد عربي جديد في الفضاء الجوي المنخفض، يُعزز السيادة الرقمية والتكنولوجية، ويُسهم في تحسين جودة الحياة، لا سيما في المناطق الريفية، عبر تمكين الاستخدامات الذكية للطائرات بدون طيار في الاستجابة للكوارث، ومراقبة الأوبئة، وتعزيز الأمن الغذائي. كما تُولي ARALAS أهمية خاصة لحوكمة البيانات والأمن السيبراني، من خلال تطبيق آليات رقابية صارمة واعتماد تقنيات تشفير متقدمة لضمان الاستخدام الآمن والمسؤول للأنظمة الجوية غير المأهولة. وتقوم فلسفة المبادرة على بناء منظومة إقليمية مترابطة، تجمع بين البنية التحتية الجوية الحديثة منخفضة الارتفاع، مثل الممرات والموانئ الجوية الذكية ومحطات التحكم، وبين التطبيقات والخدمات الذكية متعددة القطاعات، بما يُمهّد لتوطين تكنولوجيا الطيران الحديث وتحفيز الاقتصاد الرقمي العربي في مساراته المدنية والإنسانية والتنموية. الأهداف الاستراتيجية لمبادرة ARALAS: 1. تأسيس إطار تشريعي وتنظيمي عربي موحد لتنظيم استخدام الطائرات بدون طيار والخدمات الجوية الذكية. 2. تحفيز الاستثمار في البنية التحتية الجوية المنخفضة مثل الممرات الجوية، محطات الشحن، والموانئ الزراعية الذكية. 3. تطوير تطبيقات ذكية لقطاعات حيوية تشمل الزراعة الدقيقة، البيئة، الصحة، النقل الخفيف، والمراقبة الحدودية. 4. إنشاء قاعدة بيانات إقليمية موحدة لدعم التخطيط والرقابة الجوية وإدارة السلامة التشغيلية. 5. تأسيس مراكز إقليمية للبحث والتطوير والتدريب لتعزيز القدرات الفنية وتوطين التكنولوجيا. 6. إعداد خطة شاملة لإدارة المخاطر تشمل حوار منظم مع الجهات المعنية واعتماد تقنيات أمنية متقدمة لحماية الخصوصية وتأمين البيانات، ومواجهة الرفض المجتمعي لاستخدام الطائرات بدون طيار. عناصر تمكين نجاح منظومة ARALAS لضمان نجاح مستدام لمنظومة ARALAS وتطوير اقتصاد الطيران منخفض الارتفاع في المنطقة العربية، يجب اعتماد مجموعة متكاملة من عناصر التمكين تشمل: * إطار تشريعي موحد من خلال وضع "مدونة عربية للطيران منخفض الارتفاع" تنظم تراخيص التشغيل، معايير السلامة، وإجراءات الرقابة لتعزيز وضوح المسؤوليات والتنسيق الإقليمي. * شراكات استراتيجية متعددة الأطراف من اجل تعزيز التعاون بين القطاع الخاص والشركات الناشئة والمؤسسات الأكاديمية والمنظمات الإقليمية لتوظيف المواهب والموارد التقنية وتحفيز الابتكار. * آليات تمويل مخصصة ومرنة من خلال تأسيس صندوق استثماري عربي لدعم المشاريع التجريبية وتطوير البنية التحتية ومبادرات البحث من خلال شراكات مع صناديق التنمية الإقليمية وبرامج الابتكار الدولية. * حوكمة ذكية ورقمنة متقدمة بما في ذلك إنشاء منصة مركزية ذكية لإدارة الحركة الجوية منخفضة الارتفاع وتبادل البيانات في الوقت الحقيقي باستخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين السلامة والكفاءة والشفافية. يمثل هذا الإطار الركيزة الأساسية لتحويل رؤية ARALAS إلى واقع عملي، مع اعتماد خارطة طريق ثلاثية المراحل تبدأ بالتشريع الموحد، تليها مشاريع نموذجية في دول مختارة، وتنتهي بإرساء شبكة إقليمية متكاملة للمجال الجوي المنخفض. الهوية المؤسسية المقترحة لمنظومة ARALAS "لضمان استدامة وحوكمة فعالة لمنظومة ARALAS، يُقترح اعتماد هيكل مؤسسي تدريجي يبدأ بوحدة تنسيقية في المنظمة العربية للطيران المدني ACAC))، تُنسق مع لجنة فنية من وزارات النقل والاقتصاد والتكنولوجيا العربية، يتبعها إنشاء مركز متخصص للطيران منخفض الارتفاع لتطوير السياسات وإدارة البيانات وتنظيم الشراكات وصولًا إلى كيان إقليمي مستقل يُعنى بتنسيق المشاريع واحتضان الابتكار. الأثر الاجتماعي والاقتصادي المتوقع لمبادرة ARALAS تُتوقع مبادرة ARALAS أن تُحدث تحولًا اقتصاديًا واجتماعيًا في العقد المقبل عبر خلق آلاف الوظائف التقنية وتمكين الشباب في مجالات الذكاء الاصطناعي والطيران الذكي، مع زيادة مساهمة قطاع الطيران في الناتج المحلي الإقليمي بنسبة 0.5% إلى 1.2% (وفقًا لبيانات IATA والبنك الدولي). كما تسهم في تحسين الخدمات العامة وتعزيز الشمول الجغرافي ودعم الشركات الناشئة وتقليل الفجوات التنموية، إلى جانب دعم تقنيات الطيران منخفض الانبعاثات ومراقبة البيئة بما يتوافق مع أهداف التنمية المستدامة. تجارب دولية ملهمة * الصين: أطلقت خطة خمسية ضخمة لتحفيز الاقتصاد منخفض الارتفاع، بما يشمل إنشاء أكثر من 500 مطار للطائرات بدون طيار. * الاتحاد الأوروبي: اعتمد برنامج "U-Space" لإدارة الحركة الجوية منخفضة الارتفاع، مع تركيز على الأمان والتكامل المدني. * الولاياتالمتحدة: أنشأت FAA إطارًا تنظيميًا لتكامل الطائرات بدون طيار في المجال الجوي التجاري. ختامًا، تمثل منظومة ARALAS نقلة نوعية تجمع بين الابتكار التقني، والاستثمار الاقتصادي المستدام، والحفاظ البيئي، حيث تعتمد على تقنيات متطورة مثل إدارة الحركة الجوية منخفضة الارتفاع، وشبكات الاتصال الحديثة، وحوكمة أمن سيبراني متقدمة لضمان سلامة وكفاءة العمليات. كما تفتح المجال أمام فرص استثمارية واسعة، وتدعم نمو الشركات الناشئة وتعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي، في وقت تسهم فيه المنظومة في تقليل الانبعاثات الكربونية، وتعزيز الزراعة الدقيقة، وتخفيف الازدحام والتلوث الحضري عبر حلول النقل الجوي الذكي. كل هذه العوامل تؤكد على دور ARALAS في دفع التنمية المستدامة وتعزيز مكانة العالم العربي في مستقبل الطيران الذكي. التوصيات 1. دعوة المنظمة العربية للطيران المدني ACAC إلى تبني مشروع ARALAS كمبادرة إقليمية استراتيجية والعمل على إدراجه ضمن خطط العمل المستقبلية للمنظمة. 2. اقتراح تعاون مؤسسي بين المنظمة وجامعة الدول العربية والمجالس الوزارية العربية المعنية (النقل، الاقتصاد، التكنولوجيا) لضمان التكامل في التخطيط والتنفيذ. 3. إدراج المبادرة ضمن أجندة التحول الرقمي والاقتصادي العربي حتى عام 2045، لتكون إحدى ركائز الاستراتيجية العربية المشتركة للتحول التقني. 4. اقتراح عرض المبادرة في القمة العربية الاقتصادية القادمة أو إطلاق منتدى سنوي عربي للطيران الذكي، يُشكل منصة تنسيقية دائمة لمتابعة التنفيذ وتبادل المعرفة وتحفيز الابتكار العربي المشترك في هذا المجال الحيوي. وختامًا، نُعرب عن بالغ التقدير للمنظمة العربية للطيران المدني على دورها الريادي في دعم مسيرة التطوير التقني والتنظيمي لقطاع الطيران العربي، ونأمل أن تحظى هذه الورقة باهتمامها الكريم، وأن تتبناها كإطار استرشادي لمبادرة عربية مشتركة تُسهم في تأسيس منظومة إقليمية للطيران منخفض الارتفاع والخدمات الجوية الذكية. *مدير عام النقل الجوي – الجمهورية اليمنية دكتوراه في مجال اقتصاد وادارة مؤسسات الطيران : *بقلم: د. مازن أحمد غانم/ الملخص الجوهري: يُعد الاقتصاد منخفض الارتفاع أحد الاتجاهات العالمية الصاعدة، ويقوم على استغلال الفضاء الجوي القريب من سطح الأرض (120 وحتى 1000 متر) في أنشطة اقتصادية ذكية باستخدام الطائرات بدون طيار والمنظومات الجوية الخفيفة، خاصة في مجالات النقل الحضري والزراعة والصحة والبيئة. وفي ظل محدودية التقدم العربي في هذا المجال، تقترح هذه الورقة مشروع "ARALAS" كمبادرة إقليمية رائدة لتأسيس منظومة عربية موحدة تنظم وتدير هذا الاقتصاد الواعد، وتعزز التحول الرقمي والتنمية المستدامة في المنطقة. مقدمة: الاقتصاد منخفض الارتفاع – مفهوم صاعد بثقل المستقبل يشهد العالم اليوم انطلاقة متسارعة نحو توظيف الفضاء الجوي المنخفض (Low-Altitude Airspace) كمجال اقتصادي واعد، خاصة مع تصاعد استخدام الطائرات بدون طيار (UAVs)، والتطبيقات الذكية المرتبطة بالخدمات اللوجستية، والزراعة الدقيقة، والمراقبة البيئية، والنقل السريع. لقد أصبح هذا المجال، المعروف اصطلاحًا ب "الاقتصاد منخفض الارتفاع"، إحدى جبهات الابتكار الاقتصادي في القرن الحادي والعشرين، حيث تتقاطع فيه التكنولوجيا المتقدمة مع احتياجات المجتمعات والقطاعات الحيوية. مفهوم الاقتصاد منخفض الارتفاع الاقتصاد منخفض الارتفاع يُعرّف بأنه مجموع الأنشطة الاقتصادية والخدمية التي تُنفذ باستخدام منظومات جوية خفيفة أو غير مأهولة، مثل الطائرات بدون طيار والطائرات الكهربائية الصغيرة، ضمن نطاق ارتفاعات قريبة من سطح الأرض. النطاق العمودي للاقتصاد منخفض الارتفاع يُعد تحديد النطاق العمودي للاقتصاد منخفض الارتفاع من القضايا الجوهرية في بناء السياسات، حيث تختلف التعريفات بحسب الجهات التنظيمية. ففي حين تعتمد FAA وEASA حدًا أقصى يبلغ نحو 120–150 مترًا للطائرات بدون طيار التقليدية، تُشير العديد من الدراسات والممارسات الدولية الحديثة إلى أن المجال المناسب للاقتصاد منخفض الارتفاع يشمل الطبقة الجوية من 120 مترًا إلى 1000 متر فوق سطح الأرض، والتي تُعد غير مستغلة تجاريًا بشكل كاف ويشمل هذا الاقتصاد مجالات متنوعة مثل النقل الحضري والزراعة الذكية والتوصيل الجوي والرصد البيئي والأمن والإغاثة، ويعتمد بشكل كبير على تقنيات الذكاء الاصطناعي والاتصالات المتقدمة. النطاق الجوي دون 120 مترًا أما فيما يخص النطاق الجوي دون 120 مترًا يُصنَّف عالميًا ضمن "المجال الجوي المنخفض جدًا" (VLL)، ويُستخدم في الأنشطة الترفيهية والهواة وبعض العمليات المحدودة كالرش الزراعي أو التوصيل قصير المدى. ورغم خروجه من النطاق المؤسسي للاقتصاد منخفض الارتفاع، إلا أنه يُعد بيئة اختبار مبكرة وداعمة لتطوير المهارات والابتكار، خصوصًا في المناطق الريفية.. أمثلة تطبيقية ضمن منظومة ARALAS بحسب نوع النشاط يشمل الاقتصاد منخفض الارتفاع أنشطة جوية ذكية باستخدام الطائرات بدون طيار والمركبات الجوية الخفيفة ضمن ارتفاعات غالبًا أقل من 500 متر فوق سطح الأرض، منها: * النقل والخدمات اللوجستية النقل الحضري الجوي (UAM) باستخدام الطائرات الكهربائية العمودية والطائرات بدون طيار لنقل الركاب والبضائع داخل المدن. التوصيل السريع للبضائع والخدمات داخل المدن، بما في ذلك النقل الطبي الطارئ ونقل البضائع الحساسة. * الزراعة والبيئة الموانئ الجوية الزراعية الذكية لخدمات الرش والمراقبة الزراعية وتوصيل المنتجات الطازجة. الرصد البيئي والجوي لدعم الاستدامة ومتابعة الكوارث الطبيعية. * الأمن والمراقبة مراقبة الحدود والمنشآت الحيوية، ودعم العمليات الأمنية والميدانية. * السياحة والإعلام تقديم جولات سياحية جوية مستدامة، واستخدام الطائرات المسيّرة في التغطيات الإعلامية والبث الحي. * الصناعة والتطوير التقني التصوير والمسح الجغرافي الدقيق لدعم التخطيط العمراني، وصيانة البنية التحتية الحيوية عبر الطائرات المسيّرة. الاقتصاد العالمي للطيران منخفض الارتفاع يشهد اقتصاد الطيران منخفض الارتفاع نموًا عالميًا متسارعًا، مدفوعًا بثورة الذكاء الاصطناعي، وانتشار تقنيات الاتصال المتقدمة 5G/6G)) والتحول الرقمي في الخدمات العامة وسلاسل الإمداد. ووفقًا لتقديرات PwC (2022) وMcKinsey (2023)، يُتوقع أن تتجاوز القيمة السوقية العالمية لهذا القطاع 1.5 تريليون دولار بحلول عام 2040، مع تسجيل معدل طلب سنوي يتجاوز 25% على خدمات النقل الجوي الحضري، والتوصيل الجوي، والزراعة الذكية، والمسح الجغرافي. ووفقًا لتقديرات أولية غير رسمية مستندة إلى نماذج السوق العالمية والتوجهات الإقليمية، يُتوقع أن يتجاوز حجم سوق الاقتصاد منخفض الارتفاع في الدول العربية والنامية حاجز 50 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2035، بمعدل نمو سنوي مركب يتجاوز 15%.. ورغم هذا النمو العالمي اللافت، يظل السؤال الأساسي حول مدى جاهزية الدول العربية للاستفادة من هذه الفرصة الاستراتيجية والتحديات التي تواجه تطوير هذا القطاع الحيوي في المنطقة. فجوة عربية... وفرصة استراتيجية رغم التقدم العالمي السريع في اقتصاد الطيران منخفض الارتفاع، يظل الحضور العربي محدودًا ومجزّأ بسبب غياب إطار تشريعي موحد ورؤية إقليمية متكاملة. تركزت المبادرات العربية الفردية على الاستخدامات الأمنية أو البحثية، مع محاولات تجارية محدودة لم تصل إلى التشغيل الواسع أو النموذج الاقتصادي المستدام. برزت تجارب متقدمة في بعض دول الخليج، إلى جانب مشاريع متوسطة النطاق في عدد من الدول العربية التي ركزت على الزراعة الذكية والرصد البيئي والمسح الجوي. في المقابل، تعاني معظم الدول العربية من تحديات مؤسسية وتشريعية وأمنية، إلى جانب ضعف الاستثمارات والبنية التحتية الرقمية، ونقص شبكات الاتصال الحديثة (G5/6G)، ونقص الكوادر الفنية، ما يُعيق تنسيق الجهود وتنظيم القطاع. في هذا السياق، يمثل مشروع المنظومة العربية للطيران منخفض الارتفاع والخدمات الجوية الذكية (ARALAS) فرصة استراتيجية فريدة لبناء منظومة عربية ذكية للطيران منخفض الارتفاع، ترسّخ إطارًا تنظيميًا موحدًا وتدعم التحول الرقمي والتنمية المستدامة وتعزز السيادة التكنولوجية. المشروع العربي الرائد: المنظومة العربية للطيران منخفض الارتفاع والخدمات الجوية الذكية Arab Regional Low-Altitude Aviation and Smart Air Services System (ARALAS) تُعد "ARALAS" مبادرة عربية متكاملة تُعنى بتنظيم وتطوير مجال الطيران منخفض الارتفاع والخدمات الجوية الذكية، ضمن إطار إقليمي موحد يعكس أولويات التحول الرقمي ويخدم أهداف التنمية المستدامة في الدول العربية. وتهدف المبادرة إلى سد الفجوة المؤسسية والتشريعية في هذا القطاع، من خلال إنشاء بيئة تشغيلية مرنة وآمنة تُحفّز الابتكار والاستثمار، وتغطي الجوانب التنظيمية والتقنية والتشغيلية والاقتصادية ذات الصلة. وترتكز المنظومة على رؤية استراتيجية لبناء اقتصاد عربي جديد في الفضاء الجوي المنخفض، يُعزز السيادة الرقمية والتكنولوجية، ويُسهم في تحسين جودة الحياة، لا سيما في المناطق الريفية، عبر تمكين الاستخدامات الذكية للطائرات بدون طيار في الاستجابة للكوارث، ومراقبة الأوبئة، وتعزيز الأمن الغذائي. كما تُولي ARALAS أهمية خاصة لحوكمة البيانات والأمن السيبراني، من خلال تطبيق آليات رقابية صارمة واعتماد تقنيات تشفير متقدمة لضمان الاستخدام الآمن والمسؤول للأنظمة الجوية غير المأهولة. وتقوم فلسفة المبادرة على بناء منظومة إقليمية مترابطة، تجمع بين البنية التحتية الجوية الحديثة منخفضة الارتفاع، مثل الممرات والموانئ الجوية الذكية ومحطات التحكم، وبين التطبيقات والخدمات الذكية متعددة القطاعات، بما يُمهّد لتوطين تكنولوجيا الطيران الحديث وتحفيز الاقتصاد الرقمي العربي في مساراته المدنية والإنسانية والتنموية. الأهداف الاستراتيجية لمبادرة ARALAS: 1. تأسيس إطار تشريعي وتنظيمي عربي موحد لتنظيم استخدام الطائرات بدون طيار والخدمات الجوية الذكية. 2. تحفيز الاستثمار في البنية التحتية الجوية المنخفضة مثل الممرات الجوية، محطات الشحن، والموانئ الزراعية الذكية. 3. تطوير تطبيقات ذكية لقطاعات حيوية تشمل الزراعة الدقيقة، البيئة، الصحة، النقل الخفيف، والمراقبة الحدودية. 4. إنشاء قاعدة بيانات إقليمية موحدة لدعم التخطيط والرقابة الجوية وإدارة السلامة التشغيلية. 5. تأسيس مراكز إقليمية للبحث والتطوير والتدريب لتعزيز القدرات الفنية وتوطين التكنولوجيا. 6. إعداد خطة شاملة لإدارة المخاطر تشمل حوار منظم مع الجهات المعنية واعتماد تقنيات أمنية متقدمة لحماية الخصوصية وتأمين البيانات، ومواجهة الرفض المجتمعي لاستخدام الطائرات بدون طيار. عناصر تمكين نجاح منظومة ARALAS لضمان نجاح مستدام لمنظومة ARALAS وتطوير اقتصاد الطيران منخفض الارتفاع في المنطقة العربية، يجب اعتماد مجموعة متكاملة من عناصر التمكين تشمل: * إطار تشريعي موحد من خلال وضع "مدونة عربية للطيران منخفض الارتفاع" تنظم تراخيص التشغيل، معايير السلامة، وإجراءات الرقابة لتعزيز وضوح المسؤوليات والتنسيق الإقليمي. * شراكات استراتيجية متعددة الأطراف من اجل تعزيز التعاون بين القطاع الخاص والشركات الناشئة والمؤسسات الأكاديمية والمنظمات الإقليمية لتوظيف المواهب والموارد التقنية وتحفيز الابتكار. * آليات تمويل مخصصة ومرنة من خلال تأسيس صندوق استثماري عربي لدعم المشاريع التجريبية وتطوير البنية التحتية ومبادرات البحث من خلال شراكات مع صناديق التنمية الإقليمية وبرامج الابتكار الدولية. * حوكمة ذكية ورقمنة متقدمة بما في ذلك إنشاء منصة مركزية ذكية لإدارة الحركة الجوية منخفضة الارتفاع وتبادل البيانات في الوقت الحقيقي باستخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين السلامة والكفاءة والشفافية. يمثل هذا الإطار الركيزة الأساسية لتحويل رؤية ARALAS إلى واقع عملي، مع اعتماد خارطة طريق ثلاثية المراحل تبدأ بالتشريع الموحد، تليها مشاريع نموذجية في دول مختارة، وتنتهي بإرساء شبكة إقليمية متكاملة للمجال الجوي المنخفض. الهوية المؤسسية المقترحة لمنظومة ARALAS "لضمان استدامة وحوكمة فعالة لمنظومة ARALAS، يُقترح اعتماد هيكل مؤسسي تدريجي يبدأ بوحدة تنسيقية في المنظمة العربية للطيران المدني ACAC))، تُنسق مع لجنة فنية من وزارات النقل والاقتصاد والتكنولوجيا العربية، يتبعها إنشاء مركز متخصص للطيران منخفض الارتفاع لتطوير السياسات وإدارة البيانات وتنظيم الشراكات وصولًا إلى كيان إقليمي مستقل يُعنى بتنسيق المشاريع واحتضان الابتكار. الأثر الاجتماعي والاقتصادي المتوقع لمبادرة ARALAS تُتوقع مبادرة ARALAS أن تُحدث تحولًا اقتصاديًا واجتماعيًا في العقد المقبل عبر خلق آلاف الوظائف التقنية وتمكين الشباب في مجالات الذكاء الاصطناعي والطيران الذكي، مع زيادة مساهمة قطاع الطيران في الناتج المحلي الإقليمي بنسبة 0.5% إلى 1.2% (وفقًا لبيانات IATA والبنك الدولي). كما تسهم في تحسين الخدمات العامة وتعزيز الشمول الجغرافي ودعم الشركات الناشئة وتقليل الفجوات التنموية، إلى جانب دعم تقنيات الطيران منخفض الانبعاثات ومراقبة البيئة بما يتوافق مع أهداف التنمية المستدامة. تجارب دولية ملهمة * الصين: أطلقت خطة خمسية ضخمة لتحفيز الاقتصاد منخفض الارتفاع، بما يشمل إنشاء أكثر من 500 مطار للطائرات بدون طيار. * الاتحاد الأوروبي: اعتمد برنامج "U-Space" لإدارة الحركة الجوية منخفضة الارتفاع، مع تركيز على الأمان والتكامل المدني. * الولاياتالمتحدة: أنشأت FAA إطارًا تنظيميًا لتكامل الطائرات بدون طيار في المجال الجوي التجاري. ختامًا، تمثل منظومة ARALAS نقلة نوعية تجمع بين الابتكار التقني، والاستثمار الاقتصادي المستدام، والحفاظ البيئي، حيث تعتمد على تقنيات متطورة مثل إدارة الحركة الجوية منخفضة الارتفاع، وشبكات الاتصال الحديثة، وحوكمة أمن سيبراني متقدمة لضمان سلامة وكفاءة العمليات. كما تفتح المجال أمام فرص استثمارية واسعة، وتدعم نمو الشركات الناشئة وتعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي، في وقت تسهم فيه المنظومة في تقليل الانبعاثات الكربونية، وتعزيز الزراعة الدقيقة، وتخفيف الازدحام والتلوث الحضري عبر حلول النقل الجوي الذكي. كل هذه العوامل تؤكد على دور ARALAS في دفع التنمية المستدامة وتعزيز مكانة العالم العربي في مستقبل الطيران الذكي. التوصيات 1. دعوة المنظمة العربية للطيران المدني ACAC إلى تبني مشروع ARALAS كمبادرة إقليمية استراتيجية والعمل على إدراجه ضمن خطط العمل المستقبلية للمنظمة. 2. اقتراح تعاون مؤسسي بين المنظمة وجامعة الدول العربية والمجالس الوزارية العربية المعنية (النقل، الاقتصاد، التكنولوجيا) لضمان التكامل في التخطيط والتنفيذ. 3. إدراج المبادرة ضمن أجندة التحول الرقمي والاقتصادي العربي حتى عام 2045، لتكون إحدى ركائز الاستراتيجية العربية المشتركة للتحول التقني. 4. اقتراح عرض المبادرة في القمة العربية الاقتصادية القادمة أو إطلاق منتدى سنوي عربي للطيران الذكي، يُشكل منصة تنسيقية دائمة لمتابعة التنفيذ وتبادل المعرفة وتحفيز الابتكار العربي المشترك في هذا المجال الحيوي. وختامًا، نُعرب عن بالغ التقدير للمنظمة العربية للطيران المدني على دورها الريادي في دعم مسيرة التطوير التقني والتنظيمي لقطاع الطيران العربي، ونأمل أن تحظى هذه الورقة باهتمامها الكريم، وأن تتبناها كإطار استرشادي لمبادرة عربية مشتركة تُسهم في تأسيس منظومة إقليمية للطيران منخفض الارتفاع والخدمات الجوية الذكية. *مدير عام النقل الجوي – الجمهورية اليمنية دكتوراه في مجال اقتصاد وادارة مؤسسات الطيران