الملخص الجوهري في ظل التحديات المناخية المتزايدة والضغوط التنظيمية والضريبية المفروضة على قطاع الطيران العالمي، يُسلّط هذا المقال الضوء على واقع الأداء البيئي للطيران المدني العربي، كاشفًا عن فجوات هيكلية في التوافق مع متطلبات الاستدامة الدولية. ويطرح المقال رؤية استراتيجية متكاملة للتحول الأخضر في القطاع، تقوم على تأسيس الصندوق العربي للطيران الأخضر كآلية تمويل إقليمية مبتكرة تدعم إنتاج واستخدام الوقود المستدام، وتحديث الأساطيل، وتحفيز الابتكار البيئي والتكامل الرقمي. كما يُقدّم المقال خارطة طريق زمنية طموحة لتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050، مدعومة بحزمة من التوصيات التشريعية والمالية والتقنية، بما يعزز قدرة الدول العربية على بناء قطاع طيران مستدام، تنافسي، ومنخفض الكربون. مقدمة مع تصاعد التهديدات المناخية العالمية وتزايد الضغوط الدولية نحو تقليل الانبعاثات، بات قطاع الطيران المدني يواجه تحديًا استراتيجيًا مزدوجًا يتمثل في ضرورة خفض بصمته الكربونية من جهة، ومواكبة التطورات التقنية والاقتصادية المرتبطة بالتحول الأخضر من جهة أخرى. ورغم أن نسبة إسهام الطيران في الانبعاثات العالمية لا تزال محدودة نسبيًا، إلا أن النمو المستمر في حركة النقل الجوي دون اعتماد حلول بيئية فعالة يُنذر بتداعيات مناخية واقتصادية واسعة. وفي السياق العربي، يُعد قطاع الطيران ركيزة محورية في دعم التنمية الاقتصادية والتكامل الإقليمي، وعلى الرغم من أن بعض الدول العربية قد قطعت شوطًا ملموسًا في تحسين الأداء البيئي لقطاع الطيران، من خلال تحديث الأساطيل واعتماد ممارسات مستدامة، إلا أن القطاع على المستوى الإقليمي لا يزال يواجه تحديات بيئية هيكلية، أبرزها غياب التنسيق والتشريعات الموحدة، ما يُقيّد قدرته على مواكبة المعايير الدولية ومتطلبات التحول الأخضر. وانطلاقًا من الحاجة الملحة لتسريع وتيرة التحول البيئي، يقترح هذا المقال إنشاء "الصندوق العربي للطيران الأخضر" كخطوة مركزية لإعادة هيكلة تمويل الاستدامة الجوية، من خلال آليات تمويل مبتكرة، ومبادرات تشريعية وتقنية، تعزز من تنافسية القطاع وتحقيق التزامه بالحياد الكربوني في أفق عام 2050. التحول الأخضر في الطيران: بين مسؤولية الانبعاثات ومخاطر السياسات الضريبية يواجه قطاع الطيران المدني تحديًا مزدوجًا يتمثل في تقليص انبعاثاته الكربونية من جهة، والتعامل مع سياسات ضريبية متزايدة تُبرَّر بتمويل العمل المناخي من جهة أخرى. ورغم أن مساهمة القطاع لا تتجاوز 2.5% من الانبعاثات العالمية، أي ما يعادل نحو مليار طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا، فإن استمرار نمو حركة الطيران دون اعتماد تقنيات نظيفة أو آليات تعويض فعالة قد يؤدي إلى تضاعف هذه النسبة إلى 15% بحلول عام 2050، بما يعادل استهلاك 10% إلى 15% من ميزانية الكربون العالمية المتبقية لتفادي تجاوز الحد الآمن لارتفاع درجة حرارة الأرض ب 1.5 درجة مئوية. استجابةً لهذا التحدي، أطلقت منظمة الطيران المدني الدولي (إيكاو) مجموعة من السياسات والمبادرات لتعزيز استدامة القطاع، شملت تحديث اللوائح البيئية وتطوير تقنيات الطائرات، وزيادة الاعتماد على وقود الطيران المستدام (SAF)، وتحسين الكفاءة التشغيلية. كما أقرت خطة CORSIA لموازنة وخفض الكربون في دورتها ال 39، وأطلقت مبادرة "صفر انبعاثات صافية بحلول 2050" المتوافقة مع أهداف اتفاق باريس. في المقابل، تثير الدعوات المتزايدة لفرض ضرائب مناخية على الطيران قلقًا متناميًا، خاصة مع تحذيرات الاتحاد الدولي للنقل الجوي (إياتا) من أن هذه الضرائب قد تولّد نحو 78 مليار يورو سنويًا، أي أكثر من ثلاثة أضعاف أرباح القطاع التي بلغت 32.4 مليار دولار في عام 2024، في حين لا يتجاوز متوسط هامش الربح 3.4%. وتُعد هذه الأعباء غير واقعية بالنظر إلى الاستثمارات المطلوبة لتحقيق الحياد الكربوني، والتي تُقدّر بأكثر من 4.7 تريليون دولار بحلول 2050. ورغم أثره البيئي المحدود نسبيًا، يشكّل الطيران ركيزة أساسية للاقتصاد العالمي، إذ يسهم ب 3.9% من الناتج المحلي الإجمالي ويدعم أكثر من 86 مليون وظيفة. واقع الطيران العربي في مجال البيئة: فجوات هيكلية وتحديات استراتيجية يشكّل قطاع الطيران المدني في المنطقة العربية أحد الركائز الأساسية للتنمية والتكامل الإقليمي، إذ يربط أكثر من 469 مليون نسمة، ويساهم في تحفيز التجارة والسياحة والاستثمار. وقد سجّل هذا القطاع نموًا تشغيليًا وماليًا ملحوظًا خلال العقدين الأخيرين. إلا أن هذا النمو لم يُواكبه تطور بيئي مماثل في العديد من الدول العربية، مما يُظهر فجوات هيكلية في الاستدامة البيئية ويضع القطاع أمام تحديات متزايدة في ظل التزامات دولية صارمة لخفض الانبعاثات وتحقيق أهداف اتفاق باريس ومنظمة الطيران المدني (ICAO). الوزن البيئي للطيران العربي: نسب محدودة واتجاه تصاعدي تشير البيانات إلى أن السوق الجوية في الدول العربية تمثّل نحو 6 % من إجمالي حركة الركاب عالميًا، أي بما يعادل حوالي 258 مليون راكب سنويًا (من أصل 4.3 مليار راكب عام 2023. (كما تساهم الدول العربية نسسبة تتراوح بين 3 % و4 % من الانبعاثات الكربونية الناتجة عن الطيران المدني الدولي، وبالنظر إلى أن الانبعاثات العالمية للقطاع تُقدَّر بنحو مليار طن سنويًا (حوالي 950 مليون طن في 2023( ، فإن حصة الطيران المدني العربي تُقدّر بين 30 إلى 40 مليون طن سنويًا ويعكس ذلك تحديًا بيئيًا يتطلب تعزيز جهود الاستدامة والحد من البصمة الكربونية للقطاع. ورغم أن هذه النسب تُعد محدودة مقارنة بالقوى الجوية الكبرى، إلا أن الاتجاه التصاعدي للانبعاثات في المنطقة يثير قلقًا متزايدًا، خاصة في ظل عاملين أساسيين: * اعتماد بعض شركات الطيران على طائرات قديمة ومتوسطة نسبيًا تزيد من استهلاك الوقود والانبعاثات. * الطلب المتنامي على الشحن الجوي والرحلات الطويلة، مما يؤدي إلى مضاعفة البصمة الكربونية مقارنة بالرحلات القصيرة. تركيبة الأساطيل الجوية العربية: فجوة في الحداثة والكفاءة البيئية تُعد تركيبة الأساطيل الجوية عاملاً حاسمًا في تحديد الأداء البيئي والاقتصادي لقطاع الطيران. وتشير بيانات حديثة إلى أن متوسط عمر الأسطول التجاري العالمي بلغ نحو 14.8 سنة في عام 2024، مدفوعًا بتأخيرات في تسليم الطائرات الجديدة واستمرار تشغيل الطائرات القديمة لفترات أطول من المخطط لها. في هذا السياق، لا يختلف الوضع كثيرًا في المنطقة العربية، حيث تُظهر المؤشرات أن العديد من شركات الطيران في المنطقة لا تزال تعتمد على طائرات من أجيال سابقة، وهو ما يُسهم في رفع متوسط عمر الأساطيل ويزيد من استهلاك الوقود وانبعاثات الكربون. ومع ذلك، تسجّل بعض الشركات العربية أداءً استثنائيًا من حيث حداثة الأسطول، بمتوسط عمر 2.7 -4.9 سنة، ورغم التحديات، فإن العديد من شركات الطيران العربية قطعت خطوات ملموسة نحو التحديث والتحول الأخضر. فقد استثمرت شركات عربية رائدة في أساطيل حديثة تضم طائرات ذات كفاءة عالية مثل B787 وA350. وكذا إدخال طائرات A320neo، B737 MAX، وA220 ضمن استراتيجيات إحلال متوسطة وطويلة الأجل. وتعكس صفقات الشراء الضخمة التي أبرمتها شركات الطيران العربية خلال معرض دبي للطيران 2023، والتي تجاوزت قيمتها 100 مليار دولار، التزامًا استراتيجيًا بتحديث الأساطيل وتعزيز الكفاءة البيئية والاقتصادية للقطاع. وتتوقع تقارير Airbus وIATA، بأن تُسهم الطائرات الجديدة في خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 20–30% لكل مقعد/كيلومتر مقارنة بطائرات الأجيال السابقة. مما يؤدي إلى تقليل مباشر في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون (CO2) بنسب مماثلة وبالتالي، فإن الفجوة في تحديث الأساطيل تُترجم مباشرة إلى فجوة في الأداء البيئي. وفي ضوء ذلك، فإن تسريع وتيرة تحديث الأساطيل الجوية العربية يمثل أولوية محورية في مسار التحول البيئي لقطاع الطيران، ليس فقط للامتثال للمعايير الدولية، بل أيضًا لتعزيز تنافسية الناقلات الوطنية، وتقليص التكاليف التشغيلية، وتحقيق أهداف الاستدامة البيئية والاقتصادية على المدى البعيد. نماذج عربية ناجحة في الطيران الأخضر تشمل التجارب العربية البارزة مشروع وقود الطيران المستدام في أبو ظبي باستثمارات تفوق مليار دولار لإنتاج 300 ألف طن سنويًا، ومطار حمد الدولي الذي نال أعلى تصنيف بيئي إقليميًا (ACA Level 4)، إلى جانب ذلك قيام شركات طيران عديده بتحديث أساطيلها بطائرات أكثر كفاءة مثل A320neo وB787، مما أسهم في تقليل الانبعاثات وتحسين كفاءة التشغيل. الفجوات الهيكلية في الأداء البيئي لقطاع الطيران العربي رغم بعض المبادرات الوطنية، والتقدم الملموس الذي حققته بعض الدول العربية في مجال الاستدامة البيئية للطيران، لا يزال القطاع يواجه أربع فجوات بيئية رئيسية تُعيق تحوله الشامل نحو الطيران الأخضر.: 1. غياب إطار تشريعي وتنظيمي عربي موحد: عدم وجود قوانين ولوائح إقليمية موحدة يحد من ضمان الالتزام بالمعايير البيئية، ويؤثر سلبًا على توحيد الجهود والمواقف العربية دوليًا. 2. غياب إطار بيئي موحد: لا توجد استراتيجية إقليمية للطيران الأخضر ما يحد من توحيد السياسات والمواقف العربية دوليًا. 3. تفاوت الالتزام ببرنامج CORSIA: تعاني عدة دول من نقص الكوادر المؤهلة وغياب تشريعات التطبيق، مما يهدد جاهزيتها للمرحلة الإلزامية للبرنامج في 2027. 4. ضعف الاعتماد على الوقود المستدام (SAF): رغم مساهمة الوقود التقليدي بأكثر من 98% من الانبعاثات. 5. ضعف دمج الحلول الذكية: غياب البنية التقنية في العديد من الدول العربية يعيق الكفاءة البيئية. معالجة هذه الفجوات تتطلب رؤية عربية موحدة، واستثمارات مستدامة في البنية الرقمية والقدرات البشرية والتشريعية لمواكبة التحول العالمي نحو الطيران الأخضر. الاستراتيجية العربية للطيران الأخضر وسد الفجوات الهيكلية تهدف الاستراتيجية إلى تحقيق توازن فعّال بين النمو الاقتصادي وحماية البيئة في قطاع الطيران المدني العربي، من خلال مجموعة من الأهداف الرئيسية التي تعزز التحول البيئي وتدعم الاستدامة على المدى الطويل، وتتمثل في: 1. توحيد الإطار التشريعي والتنظيمي العربي تقديم حزمة سياسات وتشريعات مشتركة تفرض تدريجيًا التزامات بيئية على شركات الطيران. 1. تعزيز اعتماد الوقود المستدام للطيران (SAF): تشكل نسبة استخدام الوقود المستدام في الدول العربية حوالي 1% فقط من إجمالي الوقود المستخدم، مقارنة بالأهداف العالمية التي تسعى لرفع هذه النسبة إلى 5% بحلول عام 2030، و63% بحلول عام 2050. ويرجع التحدي الرئيسي إلى التكلفة المرتفعة للوقود المستدام التي تتراوح بين 2 إلى 8 دولارات للتر، مقابل 0.5 إلى 1.5 دولار للتر من الوقود التقليدي، مما قد يؤدي إلى زيادة محتملة في أسعار تذاكر السفر تصل إلى 150 دولارًا. للتغلب على هذه التحديات وتعزيز استخدام الوقود المستدام، تتطلب الاستراتيجية توطين إنتاجه من مصادر غير غذائية، مدعومًا بحزمة متكاملة من الحوافز التشريعية والمالية، وتشجيع التصنيع المحلي، وتسهيل استيراده بشروط بيئية محفزة. ويشمل ذلك إنشاء مختبر عربي متخصص للطيران الأخضر، إلى جانب إطلاق صندوق ضمان مخاطر لدعم المنتجين في مراحل الإنتاج الأولية. كما تُفرض سياسات تدريجية تلزم الناقلات باستخدام الوقود المستدام بنسبة تصاعدية تصل إلى 2% سنويًا حتى عام 2030، تماشيًا مع أفضل الممارسات الأوروبية. 1. تعزيز التعاون الإقليمي والدولي في البحث والتطوير: تدعو الاستراتيجية إلى تعزيز التعاون والتنسيق بين الدول العربية والمؤسسات الدولية الرائدة في مجال البحث العلمي والابتكار البيئي، لتطوير تقنيات طيران منخفضة الانبعاثات. ويشمل ذلك بناء شراكات استراتيجية تسرّع من نقل التكنولوجيا وتعزيز القدرات الوطنية، بما يتيح تطوير حلول مبتكرة تدعم أهداف الحياد الكربوني. 1. رفع جاهزية الدول العربية للامتثال لبرنامج CORSIA: سد الفجوات التشريعية والمؤسسية التي تعوق التزام الدول العربية ببرنامج تعويض الكربون وخفض الانبعاثات (CORSIA)، عبر دعم بناء الكوادر الفنية، تطوير التشريعات الوطنية، وتعزيز آليات الرصد والإبلاغ والتحقق (MRV)، استعدادًا للمرحلة الإلزامية عام 2027. 1. إنشاء منصة رقمية عربية تعتمد نظام ICAO CART لرصد الانبعاثات، وتقنية Blockchain لتتبع سلسلة توريد SAF. 1. توظيف الذكاء الاصطناعي لتحسين المسارات وتقليل استهلاك الوقود بنسبة قد تصل 5–20%. وقد أظهرت أنظمة ذكية خفضًا في استهلاك الطاقة بمطار أبو ظبي بنسبة 14.5%، وفي مطار دبي بنسبة تقارب 20%. 1. تأسيس الصندوق العربي للطيران الأخضر كآلية تمويل مركزية: يمثل الصندوق حجر الزاوية في تمويل مشاريع التحول البيئي للطيران العربي، حيث يهدف إلى دعم تحديث الأساطيل، وتمويل إنتاج الوقود المستدام، وتطوير البنية التحتية الخضراء، بالإضافة إلى تمويل البحث والتطوير. كما يسعى الصندوق لجذب الاستثمارات الخاصة والعامة، وتفعيل آليات الشراكة بين القطاعين العام والخاص، لضمان استدامة الموارد المالية وتحقيق أهداف الاستراتيجية بكفاءة وفاعلية. الصندوق العربي للطيران الأخضر: آلية إقليمية لتمويل التحول المستدام يُشكّل فكرة مشروع الصندوق العربي للطيران الأخضر مبادرة استراتيجية لتمويل مشاريع الطيران منخفض الكربون في المنطقة، من خلال أدوات مبتكرة مثل الصكوك والسندات الخضراء، والشراكات العامة-الخاصة، والاستفادة من أسواق الكربون وعوائد برنامج CORSIA. أهداف الصندوق: * دعم إنتاج SAF محليًا. * تمويل تحديث الأساطيل واعتماد تقنيات طيران نظيفة. * تطوير البنية التحتية المستدامة للمطارات. * تحديث المعدات والخدمات الأرضية لتقليل الانبعاثات. * تطبيق نظم متقدمة لإدارة الانبعاثات والنفايات. * استخدام التقنيات الحديثة لتحسين مسارات الحركة الجوية. * تعزيز البحث والتطوير في التقنيات النظيفة. آليات التمويل ويقترح تمويل الصندوق العربي للطيران الأخضر من خلال حزمة آليات مبتكرة ومتنوعة، تشمل: * ضريبة كربون رمزية ((1–3 دولار للتذكرة، يُخصص منها 80% للصندوق. * سندات خضراء بقيمة أولية 500 مليون دولار بالشراكة مع مؤسسات عربية مثل بنك التنمية الخليجي وQNB. * صكوك وقفية خضراء مضمونة بأصول قائمة لجذب المستثمرين المؤسسيين. * تخصيص 5% من عائدات بيع وحدات الانبعاثات ضمن CORSIA. * منصة إقليمية لتداول وحدات SAF تُسهم في تعزيز الشفافية والتعاون بين الدول العربية. ويستند الصندوق إلى نماذج دولية ناجحة مثل الصندوق الأوروبي للطيران الأخضر الذي جمع 1.6 مليار يورو عبر ضريبة تذاكر مماثلة، ويُدار بحوكمة شفافة وشراكات دولية لضمان الأثر البيئي والاقتصادي المستدام. تعزيز الاستراتيجية من خلال الشراكات الدولية وآليات المتابعة المستدامة تؤكد التجارب العالمية، مثل الصندوق الأوروبي للطيران الأخضر، أهمية تبني آليات تمويل مبتكرة وشراكات متعددة الأطراف بين القطاعين العام والخاص، لدعم البحث والتطوير، وتحديث الأساطيل، وتسريع التحول البيئي. وتمتلك الدول العربية فرصة استراتيجية لتكييف هذه النماذج بما يتناسب مع خصوصياتها الاقتصادية والاجتماعية، خاصة مع بدء تطبيق مبادرات لاستخدام الوقود المستدام في مطارات إقليمية كبرى. ويُشكّل تعزيز التعاون مع مؤسسات دولية مرموقة، كالاتحاد الأوروبي ووكالة IRENA، مدخلًا أساسيًا لنقل التكنولوجيا، وبناء القدرات، وتعبئة التمويل المناخي. ولضمان فاعلية هذه الاستراتيجية واستدامتها، من الضروري إنشاء آليات رقابة وتقييم دورية تستند إلى مؤشرات أداء بيئية ومالية واضحة، تصدر في تقارير شفافة تضمن المصداقية وتعزز الالتزام المؤسسي على المستويين الإقليمي والدولي. تعزيز الشراكات الاستراتيجية مع مؤسسات تمويلية كبرى كما يمكن للصندوق العربي للطيران الأخضر أن يوسّع من أثره عبر شراكات استراتيجية مع كيانات تمويلية كبرى، أبرزها: * الصناديق السيادية، مثل صندوق الاستثمارات العامة السعودي (بأصول تفوق 925 مليار دولار)، ومبادرة السعودية الخضراء (استثمارات ب 186.6 مليار دولار). * منصات التمويل الإقليمي، كمنصة مجلس التعاون الخليجي للتمويل الأخضر (بتمويلات مستهدفة تصل إلى 200 مليار دولار) * الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي * بنوك التنمية، وفي مقدمتها البنك الإسلامي للتنمية، الذي موّل مشاريع خضراء بقيمة 2.1 مليار دولار في عام 2023. يشكّل هذا التكامل بين التمويل والشراكات، وآليات الحوكمة، ركيزة أساسية لبناء منظومة تمويلية مستدامة تُمكّن من تنفيذ الاستراتيجية العربية للطيران الأخضر وتسريع انتقال القطاع نحو نموذج منخفض الانبعاثات وأكثر كفاءة ومرونة. وفي هذا الإطار يوصى بتعديل هيكل الحوكمة التمويلية للصندوق العربي للطيران الأخضر بما يرسّخ مبادئ العدالة البيئية الانتقالية، عبر آليات تمويل تفاضلية تراعي احتياجات الدول منخفضة الدخل، وتعزز شمولية التمثيل في هيئات اتخاذ القرار وفق تفاوت القدرات والمسؤوليات، بما يضمن تنفيذًا منصفًا وفعّالًا للاستراتيجية. خارطة طريق زمنية للتحول الأخضر في الطيران العربي (2025–2050) خارطة الطريق المقترحة تنقسم إلى ثلاث مراحل مترابطة: * المرحلة الأولى (2025–2027): تأسيس "الصندوق العربي للطيران الأخضر"، إطلاق أول سندات خضراء، وإنشاء مصانع تجريبية لإنتاج SAF، مع تحقيق خفض أولي في الانبعاثات بنسبة 15%. * المرحلة الثانية (2028–2030(تطبيق ضريبة كربونية إقليمية وتغطية 50% من المطارات بالطاقة المتجددة وخفض الانبعاثات بنسبة تصل إلى 40%. * المرحلة الثالثة (2031–2050 (تمويل مشاريع الهيدروجين الأخضر وإطلاق مسارات عربية لخطوط الطيران الخضراء وتحقيق الحياد الكربوني الكامل بحلول عام 2050. التوصيات الاستراتيجية لتعزيز التحول البيئي في قطاع الطيران المدني العربي: 1. اعتماد إطار تشريعي وتنظيمي عربي موحد لضمان الالتزام بالمعايير البيئية، وتعزيز الشفافية والموثوقية في رصد وتقارير الانبعاثات. 2. إطلاق مبادرة عربية مشتركة لتطوير وإنتاج الوقود المستدام للطيران (SAF) باستخدام موارد محلية، مدعومة بصندوق ضمان مخاطر، وحوافز اقتصادية، وسياسات إلزامية تدريجية، لضمان استقرار التوريد وتقليص الفجوة السعرية مع الوقود التقليدي. 3. تأسيس الصندوق العربي للطيران الأخضر كآلية تمويل مركزية لدعم مشاريع الاستدامة البيئية، مع حوكمة شفافة تضمن استمرارية التمويل وتحقيق الأهداف. 4. تعزيز القدرات الفنية والتقنية للجهات الوطنية من خلال برامج تدريب متخصصة لضمان تطبيق معايير الالتزام البيئي بفعالية. 5. دعم البحث والابتكار في تقنيات الطيران الأخضر عبر إنشاء مراكز بحثية عربية وتطوير شراكات استراتيجية مع المؤسسات الدولية الرائدة. 6. توسيع الشراكات الإقليمية والدولية لاستقطاب الخبرات والتمويل المناخي، وتعزيز التعاون المستدام بين الدول العربية والجهات العالمية. 7. تطوير حملات توعية وتثقيف بيئي تستهدف العاملين في القطاع والجمهور لتعزيز ثقافة الاستدامة والمسؤولية البيئية. وفي الختام، نثمّن الدور المحوري الذي تضطلع به المنظمة العربية للطيران المدني (ACAC) في تعزيز العمل البيئي العربي المشترك، من خلال مبادرات استراتيجية ملموسة، شملت تنظيم المنتدى العربي الثاني لحماية البيئة في الطيران المدني (مراكش، 2024)، وتأسيس لجنة بيئية تنسق جهود الدول الأعضاء بالتكامل مع لجنة الإيكاو، فضلًا عن المساهمة في تطوير منصات رقمية لرصد الانبعاثات بالتعاون مع AACO وSITA ضمن مبادرة "Eco Mission"، ودعم إعداد خطط وطنية لخفض الكربون (SAAP). وإذ يشكّل هذا التوجه خطوة مهمة نحو بناء بيئة مؤسسية داعمة للتحول الأخضر، فإن المقترحات الواردة في هذه الورقة تمثل امتدادًا عمليًا لتعزيز جهود المنظمة، عبر تقديم رؤية إقليمية متكاملة تشمل أدوات تمويل مبتكرة، مثل الصندوق العربي للطيران الأخضر، وخارطة طريق زمنية طموحة لتحقيق الحياد الكربوني. وانطلاقًا من دورها كجهة إقليمية مسؤولة عن تنسيق السياسات الجوية العربية، نأمل أن تتبنّى المنظمة هذه المقترحات، لتحقيق تحول بيئي شامل وعادل ومستدام في قطاع الطيران العربي. المصادر ICAO 2022، IEA 2021، IATA 2024، McKinsey 2023، ATAG 2022، ICAO 2023، IATA 2023، Forbes 2024، Simplifying 2024، Airbus 2024، IATA 2024، Gulf News 2023، Masdar 2024، ACI 2023، Saudia 2023، Airport Tech 2023، ICAO 2022، EC 2023، SGI 2024، ISDB 2023، GCC 2024، QNB 2023، EASA 2025، WEF 2025. *مدير عام النقل الجوي – الجمهورية اليمنية